قضاء الشطرة في بدء تأسيسه

قضاء الشطرة في بدء تأسيسه

شاكر حسين الشطري

ظلت الشطرة حتى بعد ثمان سنوات من تأسيسها عام 1873 خالية من التشكيلات الرسمية العثمانية، اذ كانت خاضعة لنفوذ آل السعدون حتى عام 1881، فبعدما خضعت قبائل المنطقة لسلطة الحكومة العثمانية المباشرة في العام نفسه، اسست تشكيلات حكومية في قصبات المنطقة،

وذكرت جريدة «زوراء» بتحول الشطرة إلى قضاء بعد ان كانت ناحية، كما نوهت في عدد آخر منها بألمحاولات التي يبذلها محمد باشا متصرف لواء المنتفق في اعمال الحفر الخيرية في الشطرة، وازالته اسم المشيخة ومراعاة القواعد الحكومية، اذ اصبحت الشطرة قضاءً بعد ان كانت خاضعة لنفوذ وسلطات الشيوخ، فضلاً عن ترحيب المختار وشيوخ المنطقة الكبير بمحاولات المتصرف.

اقيمت التشكيلات الإدارية في الشطرة بوصفها قائم مقامية يديرها قائم مقام ولها نواحي تابعة لها مثل البدعة وناحية الدﭽﻪ فضلاً عن المركز وقرى اخرى، وفيما يلي التشكيلات الإدارية التي قامت بها الحكومة العثمانية في الشطرة:ـ

أ. القضاء: يعين الوالي على رأس كل قضاء قائم مقاما يرتبط بمتصرف اللواء، ومهمة القائم مقام الاشراف على جميع شؤون وحدته الإدارية والمالية، وهو مسؤول عن تحصيل واردات الدولة وارسالها إلى مركز اللواء واستيفاء المصروفات، وذلك بموجب المادة 44 من نظام الولايات 1281هـ/ 1864م، ويعد القائم مقام امراً لفرقة الضبطية في قضائه فضلاً عن الاشراف على امور مديري النواحي واعمالهم، ويساعده عدد من الموظفين وهم نائب القائم مقام ومدير المال وكاتب التحريرات وعدد من المأمورين.

ويحدد راتب القائم مقام تبعاً لدرجة القضاء، وبما ان الشطرة كانت درجتها تتفاوت بين فترة واخرى فقد تراوح راتب قائم مقامها بين 2.500 قرش، اي ما يعادل عشرون ديناراً بألنسبة للدرجة الاولى، و1.250 قرش، اي ما يعادل عشرة دنانير، اذا ما اضحت درجة اللواء الثالثة.

ب. الناحية: يديرها مدير يسمى (مدير الناحية)، ويعينه الوالي، بناءً على رغبات وجهاء القوم الذين كانوا يعبرون عنها بمذكرة يرفعونها إلى الوالي، وذلك بعد ان تصادق وزارة الداخلية على تعيينه، واشترط في مدير الناحية ان يكون متمتعاً بألحقوق المدنية، وغير محكوم عليه، ومن اصحاب السيرة الحسنة، وان يكون من القادرين على القراءة والكتابة، وان يكون عمره قد تجاوز العشرين سنة، ويقوم هذا المدير بنشر القوانين ونظم الدولة واعلان احكامها وقوانينها وارسال قيود المواليد والوفيات والورثة القُصّرْ والورثة الغائبين إلى مركز القضاء، وهو همزة الوصل بين مركز القضاء والمختارين، كما يقوم بألأشراف على تحصيل الاموال وارسال الضرائب إلى مركز القضاء، وتسليم اوامر الحجز والدعاوى للمعنيين بها، ويقوم باجراء التحقيقات الاولية بألجنايات ثم يخطر مركز القضاء بها، ويرأس مجالس الدعاوى الاعتيادية وابلاغ قراراتها إلى القائم مقام، وهو مسؤول عن الامن في ناحيته، ونظرا لتشعب مهامه، ولسنوح الفرصة امامه لأستغلال سلطته ضد مصالح الناس والدولة، فان المادة (50) من نظام الولايات منعت مدير الناحية من توقيع العقوبات الجزائية مثل السجن والتوقيف والنظر في الدعاوى والتدخل في اختصاصات مجالس ختيارية القرى.

كان مرتب مدير الناحية يتباين تبعا لأختلاف درجة الناحية، فقد كان معدل مرتب مدير الناحية من الدرجة الاولى (750) قرشاً، ومرتب مدير الناحية من الدرجة الثانية (500) قرشاً، ومرتب مدير الناحية من الدرجة الثالثة (450) قرشا،اي ما يعادل على التوالي (6) دنانير، (4) دنانير، (3.6) الدينار، بينما يذكر المهندس البريطاني السر ويليم ويلكوكس ((Sir W. Willcocks ان مرتب مدير الناحية في بداية القرن العشرين بلغ اربعة باوندات ونصف الباوند شهريا.

ت. القرية: المسؤول عن القرية هو المختار, وهو اصغر موظف في اللواء ومن الشروط الواجب توفرها في المختار كونه من رعايا الدولة العثمانية، وان لا يقل عمره عن الثلاثين سنة، وان يدفع ضرائب إلى الحكومة لا تقل عن مائة قرش سنوياً، وعلى الرغم من ان المختار كان ينتخب لسنة واحدة، الا انه كان يجوز تكرار انتخابه حسب رغبته، و تكمن مسؤوليته في جمع الضرائب من القرية, ومساعدة الحكومة في الامور التي تطلبها منه , والعمل على تنفيذ اوامرها، اذ كان يؤلف الحلقة الأخيرة في السلسلة الطويلة من الموظفين، واعلام مدير الناحية بألتغييرات التي تطرأ على النفوس وعلى الأملاك في القرية, ويكون مرتبه على شكل مساعدات واعانات من قبل الأهالي لأجل تمشية امورهم الإدارية.

نص قانون الولايات لسنة 1864 على تشكيل مجالس إدارية في كل ولاية ولواء وقضاء وناحية, بل وحتى القرية، وحدد القانون واجبات وصلاحيات اعضاء كل مجلس من تلك المجالس. كان عدد اعضاء المجلس الإداري في الشطرة ثمانية بضمنهم رئيس المجلس وهو قائم مقام القضاء نفسه، وكان اعضاء المجلس ينتخبون كل اربع سنوات، ويتكون المجلس الإداري في الشطرة من الأعضاء الطبيعيين والأعضاء المنتخبين، والأعضاء الطبيعيون هم كل من نائب القائم مقام ومدير المال وكاتب التحريرات، اما الأعضاء المنتخبون فهم اربعة اعضاء، ويختار الأعضاء الطبيعيون في مجلس إدارة القضاء من لدن موظفي المالية، ورؤساء الطوائف الدينية في تلك الوحدات، واشتُرط لأختيارهم ان يكونوا من الموظفين العثمانيين ممن يدفعون ضريبة سنوية لا تقل عن (150) قرشاً، وتبلغ اعمارهم الثلاثين سنة.

دائرة البلدية:

تألفت هذهِ الدائرة من رئيس وثلاثة اعضاء، وقد يرتفع هذا العدد إلى اربعة واحياناً خمسة او ستة اعضاء، وبألاضافة إلى هؤلاء الأعضاء كان يوجد عدد من الموظفين, ففضلاً عن الكاتب يوجد كاتب واحد للبلدية, وامين للصندوق واجبه استلام واردات البلدية وتسليمها إلى الرئيس يومياً مع تقديم خلاصة بألواردات والمصروفات اليه، وإلى جانب هؤلاء كان هناك المراقب ومفتش البلدية وواجباتهما مراقبة تنفيذ القوانين والانظمة التي تضعها البلدية، واشترط في المفتش ان يكون قادراً على القراءة والكتابة، ومتمتعاً بأللياقة البدنية، وغير محكوم عليه بجناية، ولكي تقوم دائرة البلدية بواجبها خصصت اليها الموارد المالية الآتية:

أ. رسوم البلدية المكونة من رسوم حصر امر مراجعتها والاستفادة منها بألبلديات فقط مثل رسوم الكيل والقبانية، والعقود، وذبح الحيوانات وبيعها.

ب. الضرائب التي خصصت للبلديات، كتلك التي تفرض بموجب ارادة سلطانية، كضريبة الاحتساب والطمغة.

ت. المبالغ المستحصلة من بيع بعض قطع الاراضي الواقعة داخل المدينة.

ث. الغرامات المالية التي كانت تجنيها السلطات البلدية من المخالفين.

وبمرور الزمن حصل تطور في دائرة البلدية، ففي سنة 1893 استحدثت في الدولة العثمانية وظيفة تحصيلدار، اي جابي الضرائب, في كل قضاء تنتخبه لجنة تضم القائم مقام ومدير الشؤون المالية ومدير شؤون العقار ورئيس الجندرمة، ومن حق التحصيلدار في حدود قضائه اعتقال دافعي الضرائب المتمردين وبيع املاكهم المنقولة وغير المنقولة، وكانت البلديات تخضع لمجلس الولاية ومجلس السنجق (اللواء) وتتألف مدخولات ميزانيتها من ضرائب خاصة، يدفعها سكان البدو، اما فيما يتعلق بمساهمة ومشاركة اهالي الشطرة في دائرة البلدية فقد كان كبيراً جداً، فعلى سبيل المثال لا الحصر تسنم مصطفى افندي رئاسة بلدية الشطرة لأكثر من عشرين سنة، ولعل من المفيد ان نشير إلى ان موظفي البلدية كانوا محرومين من حقوق التقاعد، ولذلك فلم تكن تستقطع مخصصات تقاعدية من مرتباتهم.

عن رسالة (الشطرة في اواخر العهد العثماني)