هاشم صالح يدعو إلى تفسير عقلاني للدين والتراث الإسلامي

هاشم صالح يدعو إلى تفسير عقلاني للدين والتراث الإسلامي

سيد أحمد رضا

هل يحق لنا أن نخوض معارك في مساحة صغيرة كمساحة العقل البشري؟ في الحقيقية نحنُ نفعل ذلك بالمعنى المجازي والحقيقي لكلمة معركة، نحنُ نخوض المعارك الفعلية بعقولنا، والمجازية بذات العقول... لكن دعوني أصطحبكم لمعركة لطالما خاضتها البشرية بمختلف مجتمعاتها، وعلى أساسها تنهض الأمم وتتقدم...

مساء الاثنين (17 مارس) كان المفكر السوري هاشم صالح في ضيافة مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث ضمن موسمه «الحب طاقة إبداع» وبالتزامن مع فعاليات ربيع الثقافة، في هذا المساء، حاضر هاشم عن «معركة التنوير العربي» شارحاً مقوماتها، ومقارناً بينها وبين معارك التنوير التي خاضها المجتمع الغربي قبل عدة قرون. ] ما بين الانفتاح والانغلاق - «ربما لا تكون معركة فحسب، بل هي أم المعارك بالنسبة للعرب والمسلمين» هكذا يبدأ صالح حديثه ليتبعه بنبوءةٍ تتعلق بانحسار الموجة الأصولية التي اكتسحت عالمنا العربي خلال الأربعة عقود الماضية. نبوءة لا تتعلق بالغيبيات إنما هي قراءة لواقع التيار المتشدد في فهمه لرسالة الإسلام والقرآن، حيثُ أوصلهُ هذا الفهم إلى طريقٍ مسدود.

يوضح هاشم أن جوهر الإسلام هو احترام الآخر، والاعتراف به، ذلك لأن الله هو من شاء هذه التعددية، وهو من قال في كتابه «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة»، لذلك يؤكد صالح أن الأصل في الإسلام هو التسامح لا التعصب، المغفرة لا الكره.. وبعد هذا المدخل يتعمق هاشم في إيضاح الصراع الكائن بين تياري التشدد والانفتاح، والذي لا ينحصر بالوقت الراهن، بل يمتد على مدى تاريخنا، ويستدل على ذلك بنصٍ للفيلسوف الكندي كتبه رداً على الفقهاء المتشددين، المحرمين للفلسفة في ذلك الوقت. ويضيف «أكاد أقول بأنه كتب اليوم» يقصد ذلك النص الذي كتب قبل أكثر من آلف عام، ولاتزال المواجهة قائمة! ] استراتيجية التنوير - يضع هاشم استراتيجيتين يمكن لمعركة التنوير اتباعهما خلال السنوات القادمة؛ الأولى استراتيجية التنوير الداخلي وهي المنبعثة من دواخلنا.. يشرح صالح ذلك بالقول بأن علينا أن نجمع نصوص الفلاسفة والمفكرين والعظماء في العصر الذهبي، أو عصر النهضة الإسلامي، ومن ثم «نقوم بوضعها ضمن سياقها التاريخي، وترجمتها إلى العربية المعاصرة». ويضيف هاشم «ذلك للكشف عن العظماء في تاريخنا، وللبرهنة على أن الدين الإسلامي لا يتعارض مع العقل والفلسفة والعلم» وبذلك يمكننا تحقيق هدف من أهداف مواجهة الانغلاق عبر إبراز الأدبيات التراثية الانفتاحية، في مقابل تلك الأدبيات التراثية الانغلاقية الأكثر شيوعاً على مستوى المكتبات، ومعارض الكتب، كما يذكر هاشم. «إذاً بالتنوير الداخلي نساعد على إعادة بعث الصفحات المضيئة في تاريخنا بصورة معاصرة» تكون في متناول الجميع من الفئات العمرية الأولى كطلبة المدارس، إلى النخب المثقفة.

أما عن استراتيجية التنوير الخارجي فيقول صالح بأنها تكون عبر استعانتنا بالفلاسفة التنويريين الأوربيين، وبصورة مختلفة؛ كترجمة كتبهم، وتلخيصها، وإشاعتها، ولا يكتفي بذلك بل يذهب هاشم إلى ضرورة مقارنتها، وذلك «لكي لا نُحبس في دائرة تراثنا، ولنرى كيف يعيش الآخرين عقائدهم، وكيف يفهمونها». ] التحرر من السياجات - «نحن لا نعرف الصفحات المضيفة من تراثنا.. الشائع هي الكتب التراثية التقليدية، التي لا تغني العقل كثيراً» هذا ما يقولهُ هاشم صالح تأكيداً على ضرورة إزاحة التراب عن تراثٍ مضيء إلا أنهُ أُهمل في مقابل التراث التقليدي الذي يدعوه المفكر الجزائري محمد أركون بـ «السياجات الدوغمائية المغلقة» تلك التي تتعصب لفكرة عقائدية دونما قبول لمناقشتها أو نقدها. ويضيف هاشم «علينا أن نخرج من هذا السجن العقائدي الذي تنغلق فيه الأسوار العقائدية لكل دين أو طائفة» وذلك وصولاً إلى عقلنة التراث العربي الإسلامي، وعقلنة فهم الدين، ولا يتم ذلك إلى بخوض معركة التنوير مع الذات «لينبثق النور منها». ويؤكد هاشم أن «إعادة العقل والفلسفة إلى العالم العربي؛ إعادة للاعتبار» لكنهُ لا يدعو لفلسفة تجريدية عصية على الفهم، بل إلى فلسفة تقود للتصالح بين العلم والإيمان.. وتكون سنداً إليه، وبذلك «لا ينبغي أن نخشى على إيماننا وديننا من الفلسفة إذا أحسن استخدامها». ] ضرورة فلاسفة النور - هاشم وهو الباحث المختص في التنوير الأوروبي، يؤكد أن أغلب فلاسفة الغرب الكبار كانوا مؤمنين، ويضيف «هناك فلسفة تنويرية مادية ملحدة» لكن في المقابل هناك فلسفة تنويرية مؤمنة ساهمت في ارتقاء أوروبا منذُ العصور الوسطى على جميع الأصعدة.

ويتساءل «لماذا ظهر فلاسفة النور في أوروبا؟ » ليجيب عن ذلك بالعودة إلى تاريخ الصراعات الدينية والمذهبية التي طحنت أوروبا، ودمرت إنسانها على مدى عقود، حيثُ ظهور التنوير «كحاجة ماسة لعلاج المجتمعات، وتخليص الشعوب من الوباء الطائفي الذي اجتاحها ودمرها». ومن هنا يحيل هاشم المسؤولية على المفكرين والمثقفين في تفكيك الأحكام الطائفية المسبقة، التي هي في الأساس كلشيهات تبتكرها كل طائفة عن الأخرى، وتقوم بتعليم أبنائها هذه الكلشيهات المبتذلة عن غيرها من الطوائف! ] دروس تقينا الجحيم - يوضح صالح بأننا «نحن العرب والمسلمين، لدينا تجارب الشعوب المتقدمة، فلماذا لا نتعظ بها؟ » وهنا يعني صالح تلك التجارب المأساوية التي خاضتها أوروبا من خلال حروبها الطائفية الطاحنة، وطريقة الخروج من هذا الجحيم.. وبالنظر لهذه التجارب يتوجب علينا أن نتعظ «ونوفر على أنفسنا الحروب التي ستدمرنا بلا أية نتيجة». ] أرخنة التراث - يدعو هاشم إلى أرخنة التراث العربي الإسلامي، والقرآن الكريم، والأرخنة هي السبيل إلى التنوير الذي هو «العودة للنص المقدس بعيون أخرى» غير تلك العيون التي اعتادت قراءته لمجرد الشعائرية، ويضيف «كل شيء تلقيته بشكل مثالي تقديسي فوق الزمان والمكان، عليّ إعادة موضعته في الزمان والمكان التاريخي». ويفصح صالح عن حقيقة كون «الذي أرخن تراثنا هم كبار المستشرقين» وهنا لا يعني هاشم الاستشراق المُسيس المغرض، بل ذلك «الاستشراق الأكاديمي عالي المستوى» ويورد عدد من الأسماء الاستشراقية التي أرخنة تراثنا. مضيفاً بأننا لا نستطيع تحاشي الدراسات التاريخية، وتطبيق المنهج التاريخي النقدي على التراث الديني، فحتى وإن تحاشيناه لزمن معين، فهو سيظهر ولا بد في نهاية المطاف.

ويشكك هاشم في مقدرة المثقفين العرب على تطبيق المنهجية الفينولوجية -دراسة المتغيرات- التاريخية على التراث وذلك لسببين، الأول أنهُ يجب أن يكون المثقف متقناً لهذا المنهج، بالإضافة لمنهج البحث العلمي، أم السبب الثاني فهو خوف المثقف على نفسه إذا ما فعل ذلك «لأنهُ مضطر للهجرة إلى الخارج». ] خوض المعركة - يختتم هاشم صالح حديثه عن معركة التنوير بالتأكيد على أنها «معركة كر وفر»، ولا بد أن تخاض هذه المعركة مع الذات «ليس من أجل حذف الدين من الساحة، بل من أجل التوصل إلى فهم جوهر الدين، بالإضافة للفهم العقلاني المستنير للدين» كل ذلك كما يقول هاشم من أجل «مصالحة الدين مع الفلسفة، وتصالح الإنسان مع ذاته». ذلك التصالح الذي لا يجعل الإنسان أسيراً لهواجس تخلقها التناقضات ما بين العلم والدين، أو الفلسفة والدين، والتي تخلق بدورها أزمة وعي مع الذات يقر هاشم بأننا دخلنا -كعالم إسلامي- فيها. ولهذا وقبل أن ينتقل للمداخلات ويجيب على الأسئلة، شدد صالح على ضرورة «التفسير العقلاني لتراثنا العظيم، والذي عن طريقه نصل إلى شاطئ الأمان “.

عن صحيفة الايام