مذكرات (أبو شنيور) طارق الربيعـي وريادتـه مع مسـرح الدمى

مذكرات (أبو شنيور) طارق الربيعـي وريادتـه مع مسـرح الدمى

جوزيف الفارس

انا لست صحفيا وانما فنان مسرحي بدات حياتي ومسيرتي مع هذا الفن عبر سنين مضت كانت مليئة بالخبرة والتجارب والعطاء منحتها الى طلبتي وما زلت اضخ بما عندي ومن دون ملل وكلل، اما اجابتي عن كيفية انخراطي في الصحافة، هو الحنين للايام الماضية وصورها الجميلة التي عشتها في الوطن

والتي مازلت استانس باعادة ذكرياتي الجميلة واستمتع بها وانا طفل يعشق الجمال ويحب الفن ويستانس بسماع الموسيقى الشرقية وايقاعاتها التي تهز الابدان ولا سيما الموسيقى العراقية والمصرية، وكنت اتابع الافلام المصرية واعشق مشاهداتها واعيش مع احداث قصصها الجميلة ولاسيما الغرامية الرومانسية والتي كانت تجسدها شادية مع كمال الشناوي، وسامية جمال وفريد الاطرش، والافلام البوليسية والتي كان ابطالها محمود المليجي وفريد شوقي واستيفان روستي، وانا اعيش بين احلام الواقع الذي اعيشه واحلام الوهم الذي كانت تجسده هذه الافلام السينمائية المصرية، وانا في مسيرتي الصحفية هذه، استطعت تجسيد تلك الاحلام واسترجاعها عن طريق الصحافة. اما عن البرامج التلفزيونية والتي كانت تشدنا الى متابعة عروضها فهي كثيرة ومتنوعة منها الفنية والتنموية والعلمية والرياضية والفنية، فكانت برامج ركن الهواة والتي كان يعدها ويقدمها الفنان المرحوم كمال عاكف، وبرنامج العلم للجميع والذي كان يعده ويقدمه المرحوم كامل الدباغ، وبرنامج الرياضة في اسبوع والذي كان يعده ويقدمه المرحوم مؤيد البدري، وبرنامج عدسة الفن والذي كان يعده المرحوم خالد ناجي وتقدمه المذيعة الرائعة خيرية حبيب وبرامج الاطفال والذي كان يعده ويقدمه الرائد عمو زكي، وبرنامج صندوق السعادة والذي كان يعده ويقدمه الفنان المتالق فخري الزبيدي، وبرنامج قل ولا تقل للعلامة مصطفى جواد، وبرنامج قرقوز والذي كان من اعداد وتقديم الثنائي طارق الربيعي والمرحوم انور حيران.

اذن ماهو القره قوز وماذا تعني هذه التسمية ؟

قره قوز،معناها الاصلي بالتركي (العين السوداء) كانت عبارة عن عروض مسلية تعرض على الشباب من سن العاشرة والى حد الخامسة عشر من العمر، ولاسيما في ليالي رمضان المبارك وبعد الفطور مباشرة، هذه العروض اشتهرت بها مقاهي بغداد عبر التاريخ القديم، ومنها مقهى العزاوي وغيرها.

وقد ذكرت بعض المصادر الموثوقة عن مسرح الدمى بانها ليست حديثة العهد ((ان هذه الالعاب قد وصفها العلامة (ابن خلكان) بحفلات مولد النبوي الشريف على عهد المظفر في اربيل قائلا: كان مظفر الدين يعقد لكل طبقة في قباب الزينة للاحتفال بهذا اليوم المبارك جوقا من الاغاني وجوقا من ارباب الخيال، وقد علمنا فيما بعد بانه خيال الظل والتي نسميها (قرقوز) وكما ان اهل بغداد القدماء يتذكرون الفنان (راشد افندي) وما كان يقدمه من العاب القرقوز وحكاياته.

وعبر السنين الماضية من سنين مراحل حياتنا البغدادية ولا سيما في طفولتنا كنا نتابع برامج الاطفال والتي كانت تشدنا بمضامينها التربوية والارشادية والتوجيهية واخص بالذكر برنامج قرقوز والذي كان يعدانه ويشتركان في تقديمه كل من المرحوم انور حيران (ابو زرزور) والفنان الله يمنحه العمر الطويل طارق الربيعي (ابو شنيور) حيث يذكر الفنان طارق الربيعي عن كيفية لقائه بالمرحوم انور حيران قائلا: كنا قد قدمنا على الاشتراك في برنامج ركن الهواة والذي كان يعده ويقدمه عدنان الربيعي في الستينيات من تلك الحقبة الزمنية ولجمال اصواتنا رشحنا ان نكون كورس غنائي في البرنامج، اما عن برنامج قرقوز يذكر الربيعي بان هذا البرنامج كان موجودا انذاك، وانا بالذات كنت معجب به وهائما في اجواء عالمه، وكذالك اكتشفت ان زميلي المرحوم انور حيران واثناء تواجدنا في الاذاعة والتلفزيون انه يشاركني هذا الاعجاب فكنا نتابع البرنامج عن كثب حيث في وقتها كان من تقديم واعداد الفنان عبد الستار عبد الرزاق والذي التحق في الخدمة العسكرية في الجيش، فاصبح مكانه شاغرا وهنا خدمتنا الفرصة لنحل مكانه وقمنا باعداده باسلوب مغاير وتقديمه بدمية تختلف عما كان يقدمه الفنان عبد الستار عبد الرزاق وبصوتينا انا والمرحوم انور حيران، حيث كنت اتقن اللهجة الريفية المحببة ولهذا وفي اعتقاد الكثير من اصحاب الراي السديد انني وفقت في الاختيار فكانت شخصية ابو شنيور الشعبية والريفية شخصية تجسد في طرحها الارشادات الصحية والتوعية وبالتعاون مع شخصية ابو زرزور المرحوم (انور حيران) والذي اشتهر في حينها بكلمته المحببة (ورور) حيث كنا نقدمها باساليبنا الفنية التمثيلية وبشكل كوميدي فيه شيئا من شفافية الطرح وقد استقطبنا ومن خلال عروضنا المشوقة اعجاب المتلقين من الصغار والكبار.

يذكر الفنان الربيعي قائلا:

لقد بدانا مشوارنا في هذا البرنامج التلفزيوني قرقوز في سنة 1956 مع المرحوم انور حيران وحتى رحيله في سنة 2000 حيث اشتد عليه مرض السكري ورحل بعد ان ترك برحيله فراغا لم يستطيع املائه اي فنان اخر، كان يتخلل تقديمنا للبرنامج اغاني توجيهية وتربوية ونقدية نصيغ كلماتها على شكل منولوجات كوميدية ونقدية وشعبية والحان فلكلورية وتراثية من مختلف الاغاني الشعبية.

ويضيف الفنان طارق الربيعي قائلا:

كنا نقدم هذا البرنامج على الهواء مباشرة اي بث حي، ومن احدى الطرائف والتي كانت ان توقعنا في ورطة لو لم استدرك الموقف حينما وقع الراديو والموجود على الرف فوق احدى المذيعات والتي لم تكن من ضمن الكادر المرئي للجمهور باستثناء الراديو حينها استدركت الموقف وقلت لابو زرزور (عيوني ابو زرزور كاف تجذب ترى من جذبك حتى الراديو وكع على روسنا) وهكذا استدركت الموقف وانقذت المشهد، كنا نجسد في تمثيلنا اربع خمس شخصيات وبدمى مختلفة الاشكال وكل منها بزيها الشعبي منها ام زرزور وام شنيور وجميع هذه الاصوات كنا نقدمها بصوتينا ان والمرحوم انور حيران حيث كان صوته متطابقا مع تجسيد اصوات النساء ويجيد تكييفه وفق شخصية كل منهن ومايلائمهن من التجسيد ان كانت امراة شعبية او ريفية وغير ذلك عالم الدمى وتجربة الفنان طارق الربيعي. عالم الدمى عالم واسع وشاق يخضع لحرفية وصناعة دقيقة تشترك فيها الفنون التتشكيلية وتصميم الازياء وفنون النحت، جميع هذه الفنون تشترك فيما بعضها لتنتج دمى مختلفة الاشكال وبموجب ماتقتضيه الحاجة لاستعمالها، ويذكر الربيعي ان الدمى هي على انواع منها القفازية والدمى المحمولة والسلكية وخيال الظل، ولهذا ثقافته لم تاتي الا من خلال تحصيله الشهادة التي حصل عليها من دورة اشترك فيها مع الفنان المرحوم انور حيران من مصر العربية في مسرح الماريونيت، وبعد عودتهما الى الوطن ترجموا ماتعلموه في تنظيم دورة في اكاديمية الفنون الجميلة وعن طريق ثقافة الاطفال تم من خلالها اشراك بعض الهواة من الطلبة ممن لهم الرغبة في تعلم حرفية هذا الفن حيث شارك مايقارب نحوى الثلاثين من كلا الجنسين، الا ان التجربة لم يكتب لها النجاح ولعدة اسباب منها عدم توفر الكاتب المتخصص لكتابة النصوص المسرحية والتي تخضع لثقافة تخصصية تتناسب مع المستوى العلمي والثقافي للطفل ومراعين في ذالك علم النفس والاختصاص التربوي الصحيح واضافة الى ذلك عدم توفر المسرح المخصص لمسرح العرائس والدمى وكذالك هذه الحرفة الفنية تحتاج الى صناعة متفرغة من كادر متخصص في الفنون التشكيلية وتصميم الازياء والاكسسوارات المختلفة، اضافة الى كل هذا ان محاورة الطفل تحتاج الى كاتب متخصص بالكتابة لكون هذه المحاورة فيها خصوصية فريدة من حيث دراسة الوضع الاجتماعي والثقافي والنفسي.

لقد سالنا الفنان طارق الربيعي وعن طريق التواصل الاجتماعي، كيف يتسنى لنا لنا فتح دورة متخصصة واعادة هذه التجربة من اجل خلق حركة متطورة لمسرح الدمى؟ فاجاب قائلا: ان هذه العملية تحتاج الى كادر متخصص له خلفية في فن التمثيل اضافة انه يحب العمل في مسرح الدمى، وكذالك هذه العملية تحتاج الى الدعم المعنوي والمادي، لقد حاولوا جلب خبيرين جيكيين لتعليم فن الدمى وصرفت لهم رواتب باهضة بالعملة الصعبة الا انهما اعتذرا عن مواصلة مهمتهما بعد اطلاعهما على تجربتنا في مسرح الدمى--

واخيرا وفي نهاية حديثنا مع الفنان طارق الربيعي قدمنا له تحياتنا واعجابنا بتجربته الرائدة في مسرح الدمى متمنين له دوام الصحة وان تبقى تجربته وريادته في مسرح الدمى نبراسا وتجربة تدرس لطلبتنا في المعاهد الفنية في العراق.