جعفر السعدي عقود في المسرح العراقي

جعفر السعدي عقود في المسرح العراقي

عبد الخالق كيطان

لم يكن الفنان جعفر السعدي اسماً عابراً في تاريخ المسرح العراقي أبان بداياته العلمية الأولى، كما لم يكن السعدي طيلة عقود القهر العراقية الأخيرة من المحسوبين على تيار غير تيار المسرح الجاد والقريب من هموم الناس بشكل خاص.

وبالرغم من ذلك كان السعدي يغيب طويلاً عن مشهد المسرح في العراق حتى يتم تذكره من بعض القائمين على المشهد فيحتفى به احتفاء لا يناسب قامته الكبيرة، ولكن وزارة الثقافة العراقية الجديدة انتبهت لنخب الثقافة العراقية المغيبة في العقود السابقة فبدأت برنامجاً طموحاً لتكريم هذه النخب، وسيكون الفنان جعفر السعدي شخصية الشهر الحالي في الوزارة.

بدايات الفنان جعفر السعدي الأولى كانت مبكرة حقاً وهي تعود إلى العام 1935 عندما كان طالباً في متوسطة الأعظمية، وهو يقول عن تلك المرحلة المبكرة من حياته: (كنت أسكن في الأعظمية أنذاك وشعرت بجموح في داخلي، وكنت من أسرة أغلب رجالها من المعممين وكانت المجالس الدينية لا تنقطع في بيتنا والبيوت المجاورة، وقررت برغم ذلك أنا ورفاقي وبمساعدة أحد أقربائي وهو الدكتور عبد الله الصراف، الذي كان يعمل سكرتيراً لنقابة هواة التمثيل في العراق، استحصال الموافقات الرسمية لنقدم عملنا الأول ضمن منهاج فرقة نقابة هواة التمثيل، حيث كنا نقدم أعمالنا في المدارس والجمهور كان يجلس على تخوت المقاهي التي نقوم بتأجيرها وكذلك التخوت التي نجلبها من بيوتنا بالرغم من معارضة أهاليناويضيف الفنان جعفر السعدي مستذكراً تلك المرحلة من حياته المسرحية بالقول: (في العام 1940 وعندما تأسست جمعية بيوت الأمة، افتتحت الجمعية مدارس مسائية ومستوصفاً ولكي تحصل على موارد مالية قامت الجمعية بتأسيس فرقة مسرحية وأنيطت إدارة شؤونها لي شخصياً فقدمنا في هذا الإطار العديد من المسرحيات العربية والعالمية مثل: نهر الجنون لتوفيق الحكيم ووفاء المسؤول وغيرهما.

ويذكر المؤرخ العراقي الراحل أحمد فياض المفرجي في كتابه (الحياة المسرحية في العراق) أن الفنان جعفر السعدي كان أحد الأعضاء البارزين المؤسسين في (الفرقة الشعبية للتمثيل) عام1948 وضمت الدفعة الأولى من خريجي فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة، إضافة إلى عناصر أكثر وعياً من الذين عملوا في السابق في فرق أخرى ومن هؤلاء عبد الكريم هادي الحميد وعبد القادر توفيق وابراهيم جلال وعبد الله العزاوي وصفاء مصطفى وعبد الجبار توفيق ولي وصبري الذويبي وخليل شوقي وعبد الستار توفيق وجعفر السعدي.. وكانت باكورة انتاج الفرقة مسرحية (شهداء الوطنية) التي أخرجها الفنانان ابراهيم جلال وعبد الجبار توفيق ولي.منذ ذلك التاريخ ارتبط اسم الفنان السعدي بالمسرح الشعبي في العراق، وكانت فرقته، المتوقفة عن الانتاج منذ سنوات، فرقة المسرح الشعبي، تعد واحدة من أبرز الفرق المسرحية الأهلية في العراق، فهي استطاعت تقديم العديد من الأسماء البارزة في المشهد المسرحي بنتاجات مؤثرة، كان من أبرزها ما قدمه الفنان عوني كرومي، ونخبة من الشباب المسرحي.. في الوقت الذي سمي فيه السعدي أباً روحياً للفرقة في سنواتها المديدة، وكانت قاعتها، مسرح الستين كرسي، قد تحولت إلى ما يشبه المنتدى الخاص لشباب الفرقة الذين يبحثون عن فرصتهم وتأبى مؤسسات الدولة أنذاك منحها لهم !.

وبالرغم من بدايات السعدي في الإخراج المسرحي إلا أنه سرعان ما استقر ممثلاً في المسرح والسينما والتلفزيون، ورسخ في أذهان المشاهدين بكونه واحداً من رواد التمثيل في العراق.. أول مشاركاته السينمائية كانت في فيلم عليا وعصام، وهو بالمناسبة أول انتاج سينمائي عراقي، كما اشترك فيما بعد بالفيلم العراقي الشهير (سعيد أفندي) مع الفنان يوسف العاني.. أما في الدراما التلفزيونية، فكان دوره لافتاً ومؤثراً في المسلسل العراقي النادر (الذئب، النسر وعيون المدينة) عندما ظهر بشخصية الفضولي عبد الله السلمان وصارت جملته (عجيب أمور غريب قضية) لازمة عراقية بامتياز.انقطع السعدي مبكراً عن المسرح في العراق، وبخاصة بصفته مخرجاً، فهو لم يخرج أية مسرحية للفرقة القومية للمتمثيل منذ تأسيسها في العام 1969 ولحد الآن على سبيل المثال، وكان دائماً ما يردد أن الزمن تغير، ولقد قال مرة: اخفي في داخلي بركاناً بشرياً، كماً من التوتر مهول، يكاد يحطمني لشد ما أكتمه محاولاً السيطرة عليه بقوة التجربة، ولما سألت السعدي عن تصريحه هذا في حوار صحفي قال لي: كنت أقصد عشقي لخشبة المسرح، وأمنيتي الصعود مجدداً إلى هذه الخشبة المقدسة، ولكن ما باليد حيلة، يضيف السعدي، فالمسرح الذي عرفته وتربيت عليه ليس هو المسرح الذي أراه الآن.عمل الفنان جعفر السعدي مدرساً في معهد، ومن ثم أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد لسنوات طويلة، وظل مواضباً على التدريس ولو بصفة محاضر، حيث تخرج من بين يديه المئات من الكوادر المسرحية العراقية والعربية.. وهو يرى في استمراره بالتدريس لذة لا تعادلها سوى لذة الصعود إلى خشبة المسرح.. أما أهم التكريمات التي حصل عليها في مسيرته الطويلة.