في أربعينيات القرن الماضي..الحزبِ الوطنيّ الدّيمقراطيّ في البصرة

في أربعينيات القرن الماضي..الحزبِ الوطنيّ الدّيمقراطيّ في البصرة

د. نجاة عبد الكريم عبد السادة

كان فرع الحزب الوطنيّ الدّيمقراطيّ في البصرة (أوّل فرع للحزب يجيجاز خارج العاصمة، وذلك في شهر كانون الأوّل 1946 م) (2)، فعند عقدْ الحزب الدّيمقراطيّ مؤتمره الأوّل في: (28 /تشرين الثاني / 1946 م)، لم تكن بقيّة فروع الأحزاب قدْ أُجيزتْ بعد.وكان فرع الحزب يقع على طريق السّاحل، الطريق بين البصرة والعشّار (شارع الخليج العربي حاليّاً)، أمّا المقرّ الثاني الذي انتقل إليه الحزب، فيقع قرب دائرة النّفوس في شارع المهندسين بالعشّار.

وكانتْ (ألوية: الموصل، والدّيوانيّة، والحلّة، والبصرة، قدْ تقدّمتْ إلى اللّجنة المركزيّة الإداريّة) (للحزب في بغداد لإنشاء فروع للحزب، ولكنّه لم يفتح إلا فرع واحد في البصرة، وذلك بعد مماطلة من قبل وزارة (نوري السّعيد) في إجازة فروع الأحزاب الأُخَر.

حدّد منهج الحزب الوطنيّ الدّيمقراطيّ ونظامه الدّاخليّ شروط تأليف الفرع بعد تقديم طلب تحريريّ إلى اللّجنة المركزيّة من سبعة أشخاص على الأقلّ من أعضاء الحزب في منطقة الفرع المقترحة. وتألّفتْ أوّل هيأةٍ إداريّةٍ في: (24 / 1 / 1947 م)، بعد افتتاح الفرع في البصرة بشكلٍ رسميٍّ، وقدْ حضر الافتتاح: كامل الجادرجيّ، ومحمّد حديد، وقال الجادرجيّ في كلمةٍ له: (كلّ دعامة لحزبنا نشيّدها خارج العاصمة، إنّما هي في الحقيقة دعامة تسند المركز، وكلّما قويَ المركز قويتْ الفروع).

وقدْ جاء افتتاح الفرع في الفترة النهائيّة للانتخابات النيابيّة، ولذلك كانت حفلة افتتاح الفرع مناسبة لعرض برنامج الحزب ومرشّحيه، فقدْ طالب (محمّد حديد) في كلمته في الافتتاح ب (مقاومة تدخّل الحكومة في الانتخابات)، وبعد ذلك جرتْ انتخابات الهيأة الإداريّة في قاعة (سينما الحمراء الشتويّ)، وفاز بأوّل هيأة:

جعفر البدر (ملاك).

محمّد عبد الله الفالح السّعدون (ملاك).

أحمد العطيّة (محامي).).

عبد الجبّار الملاك (ملاك).

عبد الأمير العرّاديّ (محامي).

كاظم جبر (عامل).

حسين الفايز (تاجر)).

ولاستكمال مفردات فرع الحزب، وبحسب ما حدّده النظام الدّاخليّ للفرع، تمّ انتخاب (أحمد العطيّة) رئيساً للفرع، و (محمّد السّعدون) سكرتيراً، و (عبد الأمير العرّاديّ) محاسباً.

وقدْ عقدَ فرع الحزب مؤتمره الأوّل في: (27 / نيسان / 1947 م)، وجرى فيه انتخاب هيأة إداريّة جديدة بعد التغير يرات التي طرأتْ على الهيأة السّابقة، إذْ انسحب: (جعفر البدر، وعبد الهادي البجّاري، وعبد الجبّار الملاك) من الحزب، بعد رفضهم قرار الحزب بعدم مواصلة خوض انتخابات عام (1947 م)، وتألّفت الهيأة الجديدة من الّسادة: (محمّد السّعدون، وعبد الأمير العرّادي، وساسون يعقوب، وعبد الكريم داود، وحسين الفايز، وكاظم جبر، وعبّود حمّادي).

الانشقاقُ في فرعِ الحزبِ في البصرةِ

كان الوضع الدّاخليّ للحزب قدْ تأثر بضغط السّلطة عليه، ولعدم وضوح الخطّ الفكريّ لبعض الأعضاء، فضلاً عن عدم تمسّك البعض الآخر بأهداف الحزب، حصل انشقاق داخل الفرع في فترة الانتخابات النيابيّة لعام (1947 م)، فانسحب من عضويّة الحزب: (جعفر البدر، وعبد الهادي، وعبد الجبّار الملاك)، ويذكر الجادرجيّ في مذكّراته، قائلاً:

(إنهم كانوا مهدّدينَ بنزع الجنسيّة العراقيّة عنهم مام يستقيلوا من الحزب) (1)، وأكّد لي (حسين جميل المحامي): أنّ قرار انسحاب الجادرجيّ من المجلس لكونه فكّر في إضعاف المجلس، خاصّة وإنّ العمل فيه يجري لطرح معاهدة (1948 م) بديلاً عن معاهدة (1930 م) (2)، ويبدو أنّ هذا تبرير يغطّي جانب الانشقاق داخل الحزب،وفي حديث للجادرجيّ مع صوت الأهالي حول أوضاع الحزب في البصرة أفاد: (إنّ ثلاثة من الأعضاء ـ وهم نوّاب البصرة ـ تخلّفوا عن تنفيذ قرار الحزب، ولم ينصاعوا إلى تعليماته بشأن الانسحاب من المجلس، وقيام عبد الهادي البجّاري بنشر تصريحات له في الصّحف، ثمّ نشر استقالته من الحزب، حيث ادّعى أنّ قرارنا بشأن الانسحاب كان ارجاليّاً، وأنّ الأعضاء الثلاثة لم يُستشاروا في أمر الانسحاب. ولكنّ اللّجنة العليا استدعتْ نوّاب البصرة الثلاثة، وبعد المداولة معهم في هذا الشأن ارتأوا البقاء في المجلس ريثما تنتهي قضيّة تتعلّق بالأحوال الشخصيّة، فكان رأي اللّجنة أنّ هذه القضيّة تعدّ من القضايا الخاصّة التي يجب أنْ لا يغير الحزب من أجلها وجهة نظره)، وكانتْ قضيّة الجنسيّة تتعلّق بعبد الهادي البجّاري من الحزب الوطنيّ الدّيمقراطيّ، وعبد القادر السّواد من حزب الاستقلال وقد ترك الحزب عبد الهادي البجّاري، وانضمّ إلى حزب الُأمّة الاشتراكيّ بعد تأسيس فرعه في البصرة، وأصبح معتمداً للحزب، وأسَّس جريدة (النبأ)، التي كانت تصدر في بغداد، وكانتْ لسان حال الحزب، أمَّا عبد الجبّار الملاك، فانضمّ إلى حزب الاتحاد الدّستوريّ، وأصبح معتمده في البصرة، وانسحب من الحزب: شاكر نوح، الذي كان يراسل صوت الأهالي، ويكتب في جريدة الرّقيب، وقدّم استقالته من الحزب.

وبعد ذلك انسحب من الحزب كلّ من: عبد الهادي البجّاري، وعبد الجبّار الملاك نهائيّاً، أمّا جعفر البدر، فعاد إليه عام (1950 م) بعد انتهاء قرار جميد الحزب لنشاطه، وعودته ت إلى الحياة السّياسيّة، فانتخب في الهيأة الإداريّة الجديدة رئيساً للفرع، وأصبح (محمّد أحمد الرّشيد سكرتيراً، وعبد الأمير العرّادي، وأدكار سركيس المحامي، وأحمد الرّاجح المحامي، وعبد الوهاب الرّاجح، وكاظم جبر، وعبد الأمير درويش) بصفة أعضاء للهيأة الإداريّة.

تعرَّض فرع الحزب الوطنيّ الدّيمقراطيّ في البصرة إلى حملةٍ ضدّه بعد مشاركته في وثبة (بورتسموث)، إلى جانب فروع الأحزاب الأُخر، فقُدّم عدد من أعضائه إلى المحاكمة والسّجن، على وَفق قانون الأحكام العرفيّة، الذي فُرض بعد إعلان الحرب على إسرائيل، فقُدّم رئيس الفرع (محمّد السّعدون)، وأعضاء من الهيأة الإداريّة، وعددٌ كبير من أعضاء الحزب إلى المجالس العرفيّة. وقدْ كان لفرع الحزب الوطنيّ الدّيمقراطيّ نشاطه المتميّز إلى جانب نشاط فروع الأحزاب الأُخر، الذي استمرّ إلى أنْ عطّل (نوري السّعيد) الأحزاب في أيلول (1954 م).

صَحَافةُ الحزبِ

لم تكنْ لفرع الحزب في بداية تأسيسه صحيفةٌ تُعبر عن رأيه وتنقل آراءه ومناهجه إلى مؤيّديه، وقدْ حصل معتَمَد الحزب على امتياز بفتح جريدة (صدى الأهالي) لتكون لسانَ حال الحزب، وبعد أنْ جمّد الحزب نشاطه وانتابتْه المنازعات الدّاخليّة، لم يظهرْ له نشاط إلا لا في الخمسينيّات، فأصدر جريدة (نداء الأهالي) بعد أنْ قدّم طلب الامتياز في ترين الثّاني (1951 م)، ومُنح الامتياز في: (11 / آذار / 1952 م)، وصدر ش أوّل عدد لها في (1952 م)، وكان أوّل مدير مسؤول لها المحامي (أحمد الرّاجح) (2)، بعد ذلك تولّى إدارتها (محمّد أحمد الرّشيد المحامي)، في: (9 /7 / 1952 م).

كانتْ في الحزب لجنة تُرف على الجريدة، تتألّف من: (جعفر البدر، وأدكار سركيس شالمحامي، ومحمّد أحمد الرّشيد)، وكانتْ إدارتها في مكتب المحامي (محمّد أحمد الرّشيد). وأسهم في تحريرها: (عبد اللّطيف الشوّاف، ونجيب المانع، وبدر شاكر السيّاب، وعزمي الحافظ، وجاسم المظفّر)، وتولى إدارة الحسابات (محمّد البدر)، أمّا الترجمة، فكان يقوم بها: (نجيب المانع، وأدكار سركيس، وبدر شاكر السيّاب، وعزمي الحافظ). وكان العمل في الجريدة طوعيّاً، لأنّ إمكاناتها المادّيّة ضعيفة، واستمرّتْ من تبرّعات أشخاصها، وكانتْ الحكومة لا تسمح لها بنر الإعلانات جزءاً من محاربة الجريدة (3)، (وقدْ طُبعتْ نداء الأهالي) في مطبعة الخير).

كانتْ جريدة (نداء الأهالي) من الصُّحف الملتزمة حزبيّاً، وشاركتْ في التعبير عن منهاج الحزب، وفي متابعة الأحداث السّياسيّة، كموقفها المعارض للأحكام العرفيّة في البصرة، وخاصّة بعد إضراب عما مال شركة نفط البصرة عام (1953 م)، ومطالبة الجريدة المستمرّة بتحقيق مطالب العما مال الاقتصاديّة والاجتماعيّة، فتعرّضتْ الجريدة إلى التعطيل، وحوكم (محمّد أحمد الرّشيد)، بسبب مقالٍ نشُر عن الأحكام العرفيّة، ساند فيه إضراب عمال النّفط، فعدّتْ السّلطةُ الموقفَ إثارةً لشعورِ الكراهيةِ والبغضاء ضدّ نظام الحكم المقرّر، وقرّرتْ المحكمة جريمه والحكم عليه بالسّجن ثمانية أشهر، وتعطيل الجريدة لمدّة سنة، على وَفق المادّة (5) من المادّة (13) من قانون المطبوعات رقم (33) لسنة (1934 م)، واستأنفتْ الجريدة نشاطها عام (1961 م).

عن رسالة: الاوضاع السياسية في البصرة بعد الحرب العالمية الثانية.