النزيزة      محلة.. والجاموس يسبح في      المجيدية     !!

النزيزة محلة.. والجاموس يسبح في المجيدية !!

صادق الازدي
في القاموس ان "النزيز" هو الظريف والخفيف الكثير التحرك، و"نز" نزا ونزيزا، وانز المكان، صادر ذا نز، والنز وجمعه نزوز ما يتحلب من الارض من الماء.
و"النزيزة" كانت محلة بغدادية، وقد جاء اسمها من كثرة الماء المتجمع في ارضها وكان مما تلفظه لاسباب اهمها انخفاض مستواها عن ما يجاورها ثم تشبع الارض المحيطة بها بالمياه بسبب فيضان دجلة، ولوجود خزانات المياه القذرة في الدور.

محلة "النزيزة"
وكانت محلة "النزيزة" التي قامت في اواخر العشرينات واوائل الثلاثينات.. كانت تقع غير بعيد عن باب المعظم، وكانت تبدأ من مقابل موقع الغريبة المتوسطة بامتداد "شارع الكفاح" حتى الشيخ عمر، هذا بالنسبة لطولها، اما عرضها فيبدأ من باب المعظم حتى "الكرنتينة" ويمتد حتى محطة السكك الحديد التي كانت تجاور الوزيرية.

فقراء بغداد...
وكانت "محلة النزيزة" فقيرة بكل ما فيها ومن فيها، فان كل سكانها كانوا من الكادحين الذين يزاولون حرفا لا تتطلب مهارة، ومعظمهم كانوا من اوائل الفلاحين الهاربين من ظلم الاقطاعيين، وكانت جميع بيوتهم التي اقاموها في "النزيزة" ليست غير اكواخ او من البيوت الطينية، وكان يعيش معهم في المحلة بعض العوائل الفقيرة التي كانت تعيش قبلهم في بغداد!!.
وفي الواقع ان "محلة النزيزة" كثيرة النسبة بما كان عليه الحال خلف السدة الشرقية اثناء الحرب العالمية الثانية، ولكن عدد سكان ما خلف السدة كان اكثر عدة مرات من عدد سكان "النزيزة" بعد ان تزايد عدد الهاربين من الفلاحين، وبعد ان تضاعف عدد نفوس ابناء العراق، فكان من الطبيعي ان يتزايد عدد الهاربين من الاقطاع اثناء الحرب عما كان عليه الحال في العشرينات، ذلك لأن الاعمال كانت متوفرة في بغداد وخاصة الاعمال التي لا تتطلب المهارة، فازداد عدد القادمين الى بغداد.
وقد وصلت موجات الهجرة الى مدن اخرى كانت بحاجة الى الايدي العاملة الرخيصة!.
حالة مزرية!!
وكانت الحالة العامة في "محلة النزيزة" مزرية للغاية.. فالبيوت كئيبة.. وحالة سكانها تدعو الى الاسف، وكان سكان تلك المحلة يشربون الماء من حتفيتين او ثلاثة ثم نصبها في المحلة.
ولم يكن في الحي كله مركز صحي واحد، وكان الحي يفتقر الى مدرسة.. وهكذا كان كل ما في "محلة النزيزة" لا يتفق وما صارت بغداد تنعم به من قصور اقيمت غير بعيدة عن "النزيزة" في الوزيرية مثلا وفي العيواضية ناهيك عن الباب الشرقي وغيره، وهكذا عمدت السلطة يومذاك الى ترحيل سكان تلك المحلة ، فاستقروا في منتصف الثلاثينات خلف السدة الشرقية ليتعرضوا لمياه الفيضان عندما كان دجلة يثور في الربيع.

الجاموس والمستشفى
كانت "محلة النزيزة" تقع على مقربة من الفضل، المحلة البغدادية المعروفة، وكانت تقوم في نهاية محلة الفضل، منطقة خاصة بالمعدان وجواميسهم، هذا اضافة الى ما صار يربيه بعض سكان النزيزة من جاموس، ولما كان الجاموس يحب المياه فقد كانوا ياخذونه من الفضل والنزيزة الى ساحل النهر الذي عرفناه باسم "شريعة المجيدية" التي كانت تطل عليها مستشفى المجيدية "المستشفى الملكي" وهنا يسبح الجاموس، وكان يمر في ذهابه الى النهر، ثم ايابه منه بباب المعظم، فشارع الرازي ثم النهر!.

السباحة مع الجاموس!!
وكانت شريعة المجيدية من الشرائع التي يقصدها بعض سكان بغداد للسباحة فيها، فكان من الطبيعي ان يسبحوا على مقربة من الجواميس الغاطسة في الماء ولم يكن غريبا ان نرى احد "الجراديغ" التي تعد لاستقبال هواة السباحة فيمارسون هوايتهم قرب الجاموس!.
وكان كثرة من ابناء المحلات البغدادية القريبة من الفضل والقره غول يفضلون السبح في "المجيدية" لان ساحل المجيدية الرملي يمتد حتى نصف النهر، اما النصف الآخر من ناحية الجعيفر في الكرخ فهو الاكثر عمقا!.

الجرائد والجاموس ..
وكانت جريدة "الطريق" اول الجرائد التي كتبت عن الجاموس الذي يذهب الى النهر كل يوم ويعود منه، ذلك لأن ادارتها كانت تقع في المكان الذي تم اقامة مستشفى حماية الاطفال عليه.
وبعد ان صدرت جريدة "الزمان" بدلا من جريدة الطريق، صارت تكتب عن الجواميس، وقد نشرت جريدة "حبزبوز" عدة طرائف عن ذلك ولما صدرت جريدة "الحوادث" بعد عام 1941، وصارت تنشر عمودها الذي كسب شهرة وعنوانه هو "احاديث واشاعات وتعليقات" صار صاحب الحوادث ينشر النكات عن الجاموس وموقف المرحوم توفيق السمعاني صاحب جريدة الزمان من ذلك "الوجود الجاموسي" في قلب مدينة بغداد!.
عن جريدة البلد
1965