في ذكرى رحيله في 8 تشرين الثاني 1946 .. الملا عبود الكرخي بين مجلس النواب والسيدارة الوطنية

في ذكرى رحيله في 8 تشرين الثاني 1946 .. الملا عبود الكرخي بين مجلس النواب والسيدارة الوطنية

إعداد: ذاكرة عراقية

من المعروف ان الملا عبود الكرخي كتب في جميع الوان الشعرالشعبي، وقد ساعده على ذلك تفهمه لطبيعة المجتمع وتفقهه في عاداته وتقاليده ومعرفته بمقردات لغته، حتى كان اذا ما نظم قصيدة في الزراعة مثلا ادخل فيها التعبيات والكلمات التي ترد على افواه الزراع.

ولم يقتصر شعر الكرخي على الاجتماعات والسياسة والوصفيات.. بل تعداه الى جميع الوان الشعر من النقد والمداعبة والوطنية والرثاء والغزل والنسيب (وبالمكشوف منه ايضا) والحجاب والسفور والنقد والتصوير للعادات والتقاليد، وقد استطاع الكرخي – بمقدرة خاصة – ان يستخدم بعض قصائده في النيل من كل من يقف حجر عثرة دونه في مختلف المناسبات وكان يستعمل من الالفاظ ما يستطيع معها تحطيم من يتصدى له! وبهذا اللون من النقد المقذع دخل الكرخي معارك قليمة كثرا جرته في مرات عدة الى سوح المحاكم، وكان له من اصدقائه الكثر من رجال القضاء والمحاماة ما يشفع له في رد الخطر عنه.

يقول حفيده المرحوم حسين الكرخي:

كان الشاعر الملا عبود الكرخي دقيق الملاحظة فلا يترك مناسبة تمر على العراق دون ان يسجلها شعراء ويدونها نثراً، لذا فان مجاميع شعره وصحفه تتضمن معالجات شاملة لكل الاوضاع السياسية والاجتماعية في العراق. حينما كان يحضر جلسات المجالس النيابية ويستقر في شرفة الصحفيين.. كان بعض النواب يتهامسون، محذرين بعضهم البعض من الوقوع في الاخطاء الخطابية، او الادلاء بالآراء السقيمة لئلا تنوشهم سهام نقده، لانه كان مشهوراً بمداعباته الطريفة للنواب وكان يدون ملاحظاته اليومية وما يعين له من شعر في دفتر جيبه، وقد اجتمعت لدينا من دفاتره اكثر من (300) دفتر جيب، خلفها بعد وفاته عام 1946م، وفي اليد الان دفتر (قياس 10×15 سم) بغلاف احمر غامق، في راس صفحته الاولى هذه العبارة دون فيه ملاحظاته حول جلسة مجلس النواب ليوم 27 مايس 1937 وهو في شرفة الصحفيين، ننتخب منها هذه العينة بامانة تامة وينصها المدون في الدفتر.

• جو من المرح يسود كل جلسة من جلسات المجلس، لان اوضاع النائب (محمد الحديد)! تلفت الانظار، فقد اعتاد ان يستمر في مداعباته وضحكاته طيلة مدة الجلسة.

• كلمة (اؤيد واناصر واساند واحبذ واشاطر) ملازمة للسان النائب (عبد الرسول كاشف الغطاء) في جميع خطبه بمناسبة او بدون مناسبة.

• دخل النائبان (مظهر الشاوي) و(حبيب الخيزران) الى المجلس سوية، ولكنهما انفصلا في القاعة، فالشاوي (راح يم اهل السداير) والخيزران (راح يم اهل العكل).

• اراد (روفائيل بطي) الخروج من الجلسة فمنعه الرئيس، فرجع الى مكانه. ووجه الغرابة في ذلك هو عدم منع (علوان الجنديل) و(داخل الشعلان).

• النائب (عبد الرسول كاشف الغطاء) لا يترك اي موضوع مهما كان نوعه دون ان يتكلم فيه، فهو (يخطب ويفسر ويعلق ويقترح ويفند وينتقد ويحبذ ويؤيد) ولكن كل ذلك باللغة العامية التي لا تليق بمسئلة، وهو الرجل الذي يعتمر تاج العلم (العمة)، بينما نرى النواب الذين يعتمرون العقال يخطبون باللغة الفصحى، وقد سمعت (تكليف المبدر الفرعون) يتكلم فادهشني بيانه وصواب كلماته من حيث اللغة.

• اود ان يترك (رؤوف اللوس) الخطابة وقراءة النواتج الى مصطفى علي) لان صوته وعربيته احسن من (اللوس).

• كان (نجيب الراوي) يشاور ويلقن (سلمان الشيخ داود) مثلما يفعل الملقن على (الشانو) عند تمثيل الروايات.

• النائب (مرزوك العواد) يستخير بالمسبحة، يخطب او لا؟ والنائب (شكري محمد (يكمز) لما يخطب، ويرفع صوته بكلام غير مفهوم (ينراد له) ترجمان.

• الخطبة التي القاها (روفائيل بطي) مكررة، سبق ان القاها ثم اعادها نفسها (على المسودة) عند مناقشة قانون البلديات.

• ممن مدحوا (تركيا) اثناء عرض الاتفاقية العراقية التركية في المجلس السادة (نجيب الراوي وسلمان الشيخ داود ومحمد حديد ومعروف الرصافي وصادق كمونة وروفائيل بطي).

(وصل صبح الثلاثاء 22 حزيران 1937 وفد تركي على اثر الخلاف بين العراق وايران، تناول مسائل مجحفة بحق العراق، رفض معظمها الجانب العراقي، وابرزها المسائل الحدودية وحقنا في شط العرب).

• ضحك النواب حينما نهض (سليم حسون) مستحدثا عن مصر، دون توكيل من وزير الخارجية الذي لم يحضر الجلسة، ومما قاله: (ان الوزير ما راح لمصر حتى يتكلم عنها، ولهذا انا اتكلم عنها لانني زرت مصر).

حاول الملك فيصل الاول اجراء عدد من التغييرات لتكريس الوعي الوطني في دولته الجديدة..

ومن جملة هذه التغيرات اراد هذا الملك الطموح ايجاد لباس وطني للراس بدلاً من الفينة ليكون كزي رسمي لموظفي للدولة العراقية, فاوجدت السدارة, ووزعت اول مرة للوزراء من قبل رستم حيدر احد مستشاري الملك في حينها, وكان اول من ارتدى السدارة هو الملك فيصل الاول لتشجيع الناس على ارتدائها, ومنها سميت باسمه (فيصلية), مع العلم ان الملك فيصل الاول جاء للعراق بزيه البدوي الحجازي المتكون العقال المقصب والعبائة العربية.

وتتميز الصدارة (كما يلفضها بعض اهل بغداد) بشكلها النصف المقوس, والمدبب تقريبا من الوسط, وتكون مطوية الى طيتين للداخل ويغلب عليها اللون الاسود وهو اللون الرسمي, الى جانب اللوان عديدة. ومن امهر صناع السدارة السكوجية شخص اسمه جاسم محمد وكان محله يقع في سوق السراي عند مدخل خان الصاغة, وفي مدخل سوق السراي من جهة جسر الشهداء, توجد عدد من محلات عمال قالب السداير الذين يقومون بتنظيف السدارة وقلب الوجه الخارجي الى الداخل عندما يتقادم وتذهب لمعته, وكان اغلبهم من اليهود, ولكن السدارة المقلوبة واضحة للعيان حيث الجزء الداخلي للجوخ خشن وغير لماع.

وهناك عدة اراء تفسر اصل كلمة السدارة، فهي برأي الباحث عزيز الحجية مؤلف السلسلة التراثية الشهيرة (بغداديات عزيز الحجية), كلمة سامية تعني لباس الراس عند قدماء الفرس, ووردت عند الفيروز ابادي بـ (السيدارة) ويشير بها الى عصبة الراس, ورددت بنفس المعنى في معجم المنجد للغة للأباء الكاثوليك.

ويذكران السداير الاجنبية (الايطالية والانكليزية) بدات تغزو العراق في الثلاثينات وكانت تصنع من مادة الجوخ اللماع , ومن ابرز مستوريدها (مهدي قنبر و صيون شمعون) ولكن ظلت السدارة الاولى المصنوع من الجبن محل اعتزاز الكثيرين ممن اهل بغداد واطلق عليها السدارة الوطنية, وكان الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي قد ذكر السدارة الوطنية في شعره, حيث انشد قائلاً:

مع كل هذا ليعــــــــــــــــلم

مني كل اجنبي ويفـهم

بالسدارة (الكرخي) مغـرم

حيث للمواطن شعــاره

**************

شعـــــــــار اوطاني وهيه

الليبسوها الوطــــــــنية

عربيــــــــــــة عـــــراقية

صايرة ابراسي اشــارة

محاولة الغاء السدارة:

بعد انقلاب بكر صدقي في 29 تشرين الثاني 1936, ظهرت محاولات لالغاء السدراة من قبل القائمين على الانقلاب, حيث اصدرت حكومة الانقلاب التي تراسها حكمت سليمان, قانوناً يقضي بابدال السدارة (الوطنية), بالقبعة الاوربية لكون الاخيرة من مظاهر التطور والاتصال بالعالم الخارجي, والصحيح ان القائمين على الانقلاب كانوا على خلاف مع ياسين الهاشمي الذي كان الانقلاب موجه ضده بالاساس ولان الهاشمي من المحافظين على لبس السدارة الوطنية كما ذكرنا من قبل,وكان قد امر بجعل السدارة الباس الرسمي لجميع موظفي الدولة العراقية في منتصف الثلاثينات, حيث اراد الانقلابيون ابدال السدارة بالقبعة الاوربية نكاية بالهاشمي الذي توفي بعد فترة من الانقلاب, واخذ بعض من الشباب المتحمس للانقلاب بلبس هذه القبعة, ولكن سرعان ماعادت السدارة الفيصلية (الوطنية) كزي رسمي وعام الى المجتمع بمقتل الفريق بكر صدقي في الموصل وسقوط حكومة الانقلاب بعد اقل من عام من اول انقلاب عسكري في التاريخ العراقي الحديث.