أنيس منصور يكتب عن فائزة أحمد..لله يا فايزة. . الله يا أستاذ!

أنيس منصور يكتب عن فائزة أحمد..لله يا فايزة. . الله يا أستاذ!

من الأمثلة التي اخترتها للدلالة على حسن الأداء والاستعداد واحترام الفن والجمال والمواعيد والصدق أغنية «ست الحبايب» من غناء فايزة أحمد ولحن محمد عبد الوهاب وكلمات حسين السيد. وهي الأغنية التي أبكت الملايين ولا تزال.

اذكر أن اتصل بي محمد عبد الوهاب وقال: عندنا بكرة يوم كبير. .

وطلب مني أن أمر عليه في الساعة السابعة صباحاً لنذهب معاً إلى تسجيل أغنية «ست الحبايب» أداء فايزة أحمد. وهو يعلم أنني أحب صوت فايزة، ولم يكن الجو باردا ولكن عبد الوهاب أستاذنا جميعاً في الوسوسة والخوف من البرد على حنجرته وصدره. وقد لف عبد الوهاب شيئاً حول رقبته وشيئاً فوق دماغه ووضع المنديل على أنفه وكل شيء مقبول منه. .

وذهبنا إلى استديو في شارع الهرم. وكان الموسيقيون قد سبقونا، وهم يجربون آلاتهم الموسيقية. . وكانت هناك فايزة أحمد وقد ارتدت ملابس لا تليق بالمناسبة. ولكن لا يهم. حنجرتها هي التي تهم. وهمس عبد الوهاب لقائد الفرقة ونظر من نافذة الاستديو وأشار بتغيير بعض أماكن العازفين. . وسكتت الأصوات تماماً. ورفع عبد الوهاب يديه يقرأ فوقفوا يقرأون. وبعد قراءة الفاتحة راح عبد الوهاب يهمهم ويدعو. ولا أعرف بالضبط ماذا قال. ثم رفع يديه مشيراً إلى الفرقة الموسيقية أن تبدأ. . الله يا أستاذ الله. . وأشار لفايزة أحمد فتقدمت نحو الميكروفون وقالت: ست الحبايب يا حبيبة. .

وقاطعها عبد الوهاب بسيل من الألفاظ النابية واليوم الذي قرر أن يلحن لها.

وكانت مفاجأة شنيعة: إيه يا أستاذ فيه إيه يا أستاذ. . إيه الحكاية. .

وأشار عبد الوهاب أننا سوف نعود إلى البيت. لماذا؟ فيه إيه. . ثم راحت فايزة تعتذر له فقال لها: أنا قلت لا تسهري ولا تأكلي. .

فقد لاحظ عبد الوهاب أن صوتها أضعف قليلا بسبب أنها سهرت وأكلت ولم تنم نوماً كافياً. واعترفت فايزة بكل ذلك. وقاطعها عبد الوهاب شهراً. وحاولنا في خلال هذا الشهر أن يسامح ويعفو مع وعد منها بالنوم المبكر ولا طعام ولا شراب ولا هلس. . ورضي عبد الوهاب. ونامت فايزة أحمد في أحد الفنادق بعيداً عن بيتها. وقبل موعد التسجيل كانت في الاستديو وقالت: ست الحبايب يا حبيبة. . وقال عبد الوهاب: الله يا فايزة وقلنا: الله يا أستاذ!

****

حرام. . ليست عندها سيارة!

أكثر أغنيات المطربة البديعة فايزة أحمد قد سمعتها بالتليفون، أرفع السماعة أجد فايزة تغني، وأحاول أن أقنعها أنه يجوز تكون النمرة غلط، أو يكون المستمع أي واحد آخر؛ الخادم، أو السكرتير، هي قررت أن تغني ولا يهمها من صاحب الأذن على الطرف الآخر.

وكانت فايزة أحمد تغني في أي وقت، وهي تأكل وهي تشرب وهي في السيارة أو وحدها في أي مكان، بل كثير من مطربي مصر قد غنوا في مكتبي أو في بيتنا. كانوا صغاراً، ولا يجدون حرجاً في أن يسمعهم أي أحد، وأن يلتقط لهم صوراً ينشرها إعلاناً عن موهبة جديدة!

والشاعر مأمون الشناوي هو الذي اكتشف المطرب هاني شاكر، وكان يمر علينا في مكاتبنا لنستمع للصوت الجديد، ولم نكن نعرف أنه سوف يكون موهبة بديعة الأداء هادئ النبرة رومانسياً رقيقاً.

والموسيقار بليغ حمدي هو الذي اكتشف المطربة عفاف راضي، وكان يعيب صوتها أن به صدى أوبرالياً، وكنت أقول إن صوتها خواجاتي، وأذكر وأنا في السعودية عندما جاء أحد الشبان السعوديين وعرفني، وقال عن عفاف راضي: يا أخي حرام عليك، يكفي أن ما عندها سيارة!

ولما كتبت هذه الحكاية الطريفة، جاءتني عفاف راضي بالبنطلون الجينز ومعها الميكروفون وطلبت مني أن أحكي هذه الحكاية، وحكيتها، وأذاعتها، وبعد سنوات جاءني شاب وقال لي: أنا السعودي الذي قابلك في السعودية وحدثك عن عفاف راضي، فقلت: عندها سيارة جميلة ما رأيك؟ فقال: يا أخي حرام عليك، ولكن ما عندها فيلا!

ومنذ يومين اتصل بي الموسيقار جمال سلامة وقال لي: فاكر الصوتين اللذين أعجباك في حفلة سفير عربي، أريدك أن تسمعهما الآن في التليفون!

تصدق بالله؟ سمعت الصوتين ولا أعرف كيف أنني استمعت إلى فايزة أحمد وهي تغني: ست الحبايب، ولما فرغت منها سمعتها تغني: غلطة واحدة في العمر كله، هل هذا خداع شخصي؟ هل هذا وهم؟ هلوسة، لا تهم التسمية، ولكن لم تستطع أذني أن تسمع لغير فايزة أحمد، ولما سألني جمال سلامة: ما رأيك؟ قلت: لا أروع من فايزة!

عن صحيفة الشرق الاوسط