فايزة أحمد وقُرص الطعمية! !

فايزة أحمد وقُرص الطعمية! !

طارق الشناوي

ولدت فايزة لكى تُغنى، لن تجد لديها شيئا آخر تمارسه، حتى عندما تتلقى مكالمة تأتى الإجابة بأغنية لو أجريت معها حديثا صحفيا تجيبك بأغنية.

لدىّ (ترمومتر) وهو الأغنية المشتركة، وذلك عندما أفضل الاستماع لمطرب على آخر يردد نفس اللحن، أعرف أن الفارق هنا هو فى قدرته على النفاذ لمشاعرى، وهكذا برغم أن (أسمر يا أسمرانى) لحنها كمال الطويل لكى يغنيها فقط عبدالحليم، إلا أنها ترشق فى القلب بصوت فايزة، أنا مثلا أنحاز للاستماع لكل الأغانى التى لحنها عبدالوهاب بصوته على العود مثل (ست الحبايب) و(قالولى هان الود عليه) وغيرهما إلا أن فايزة تمنحنى بصوتها متعة إضافية.

يوم ذكرى فايزة قادتنى قدماى إلى بيتها، كنت قد قرأت دراسة تؤكد أن مخ الإنسان يحتاج بين الحين والآخر إلى تدريبات لياقة وهذا لا يتوفر إلا إذا غير طريقة السير، ولهذا علينا ألا نكف فى البحث عن شوارع جانبية أخرى للوصول إلى البيت أو محل العمل، وهذا ما فعلته مؤخرا، وأنا أسير من منزلى فى (المنيل) لحضور اجتماع اللجنة العليا لمهرجان القاهرة السينمائى، فى (وسط المدينة) ، مررت بحى (جاردن سيتى) وفجأة استوقفتنى رائحة زيت طعمية، وجهنى أنفى إلى محل صغير، وعلى الفور أرسل المخ إشارة لكى أستعيد حكاية قديمة، إنه نفس المحل الذى كانت تقطن فوقه مباشرة فايزة أحمد وزوجها الموسيقار الكبير محمد سلطان، فى العمارة التى تطل على النيل، كانت فايزة بسبب تلك الرائحة النفاذة قد استصدرت أمراً من محافظ القاهرة يقضى بمنع المحل من قلى الطعمية، التقطت الفكرة على صفحات مجلة «روزاليوسف» وأجريت تحقيقاً به كل الأطياف- حيث كنت لا أزال أتدرب فى المجلة- استطلعت فيه رأى موسيقيين كبار بحجم محمد الموجى ومحمود الشريف ومنير مراد وأحمد صدقى كانت فايزة قد توقفت عن الغناء لهم بعد زواجها من سلطان، قالوا جميعاً إن الشعب المصرى بحاجة إلى قرص الطعمية أكثر من حاجته إلى صوت فايزة أحمد، ثم أجريت حواراً مع دكتور أنف وأذن وحنجرة عن التأثير السلبى لرائحة الزيت فقال لى: على العكس تماماً تلك الرائحة مفيدة جداً للمطرب، فهى تجلى الأحبال الصوتية وتمنحها حلاوة وطلاوة وانسيابا، وهكذا أضيفت للطعمية فوائد أخرى لم تكن أبداً فى الحسبان! !

تراجع المحافظ عن قراره وعاد المحل لقلى الطعمية وغضبت فايزة وتوترت العلاقة بيننا ثم صرنا فى سنواتها الأخيرة أصدقاء حتى رحيلها عام 83. سألت نفسى وأنا أتجول بالقرب من بيتها: هل حقاً الشعوب فى حاجة إلى قرص الطعمية أكثر من صوت «فايزة»؟ نستطيع أن نجد بديلا للطعمية ولكن من يعوضنا عن صوت فايزة. . فهى بالنسبة لى الأفضل. . مكانتها فى قلبى مباشرة بعد أم كلثوم وفيروز، ولماذا إذاً وضعت فى كفتى الميزان صوت فايزة مقابل قرص الطعمية. . إنها بالتأكيد قسمة غير عادلة. . تطلعت إلى شرفتها وشعرت أنها تبتسم لى وتسامحنى على تلك المداعبة التى أعترف لكم بعد هذا الزمن بأنها ثقيلة، لماذا قادتنى قدماى بالصدفة إلى بيتها يوم ذكراها. ويأتى صوتها وكأنه يداعبنى من مذياع قريب فى أغنية «تمر حنة» التى تردد فيها (كنتِ شمعتنا كنتِ نور بيتنا /كنتِ سامرنا وانفض سامرنا) ولا يزال صوتها يضىء أيامنا ويحيى- على ندرتها- ليالى سمرنا! !

عن المصري اليوم