بيليه والرقم 10... من صنع الآخر؟

بيليه والرقم 10... من صنع الآخر؟

فيديل سبيتي

من صنع أسطورة الآخر في عالم كرة القدم، بيليه أم الرقم 10 الذي ارتداه طوال مسيرته الكروية الاستثنائية الممتدة حتى عام 1977. المسيرة التي تضم اللاعب وقميصه معاً بالتضامن والتكافل، فصار اللاعب أسطورة حاملاً معه رقمه الذي أصبح بدوره كالتميمة يتنافس عليها نجوم كرة القدم في العالم، لذا يمكن القول إن بيليه ومهاراته وموهبته وإصراره صنع الرقم 10،

الذي استقل عنه في ما بعد ليشارك صنع لاعبين حول العالم باتوا مرتبطين بهذا الرقم بدورهم، وليس آخرهم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي حصد بعد طول انتظار لقب كأس العالم أخيراً مع فريقه لتكتمل سيرته الذاتية والمهنية عن آخرها.

وكما استحق الرقم حامله الأول بيليه بعد أن كان مهملاً كأي رقم من الأرقام، صار اللاعبون يحصلون عليه اليوم بعد إثبات جدارتهم في استحقاقه، الجدارة الشبيهة بتلك التي كان يملكها بيليه والمرتكزة على أسلوبه الخاص في اللعب وعلى فنونه في تقديم الذات وإظهار القدرات الكامنة التي شكلها خليط الموهبة والتدريب والإصرار والدبلوماسية وحب الظهور والتمجيد العام من الشعب البرازيلي ومشجعي البرازيل حول العالم، الذين صنع معظمهم أيضاً، بيليه.

انتقلت طريقة لعب بيليه الشبيهة برقصة السامبا البرازيلية إلى لاعبين برازيليين وعالميين منذ سطوع نجمه عالمياً حتى اليوم. وكذلك انتقل الرقم 10 الذي رافق بيليه في مسيرته إلى اللاعب الأكثر جدارة ونجومية في الفريق، سواء في المنتخبات أو في فرق الدوري الوطني. وكثر من مرتدي الرقم 10 أصبحوا بدورهم أساطير في عالم كرة القدم وما زالوا على عروشهم حتى اليوم، وعلى رأسهم اللاعبان الأرجنتينيان أرماندو دييغو مارادونا وليونيل ميسي، والفرنسيان اللامعان ميشال بلاتيني وبعده زين الدين زيدان، والبرازيليان رونالدينيو ونيمار أخيراً، واللاعب الألماني الشهير لوثر ماتيوس، والإيطاليان روبرتو باجيو وفرانشيسكو توتي.

وعلى رغم تنقل الرقم عشرة فوق ظهور كل هؤلاء النجوم الذين يستحق كل واحد منه مجده الخاص إلا أن الرقم 10 لا يزال يرتبط حتى اليوم ببيليه الذي انتشله من عالم الأرقام ليجعل منه نجماً في عالم كرة القدم بعد أن كان قبله كبقية الأرقام الأخرى، وحين لمع مارادونا منذ بداية الثمانينيات، أضاف إليه قيمة على قيمة.

كيف صار الرقم 10 نجماً يريده الجميع؟

يبدأ الأمر من الأرقام في فريق كرة القدم المؤلف من 11 لاعباً على أرض الملعب، وبما أن حارس المرمى يحمل الرقم واحد، فإن الأرقام المتبقية توزع على اللاعبين الآخرين، وآخر هذه الأرقام هو الرقم 11، هذا على رغم أن لكل لاعب أن يختار الرقم الذي يريده ليدافع عنه، وليس بالضرورة من بين الأرقام الأحادية، ولكن الرقم 10 في الأساس يحمل رهبته الخاصة، فهو مؤلف من أول رقمين، وهو الرقم الذي نعرف من خلاله النظام العشري، مثل نظام القياس المتري، وهو مختلف عن القياس «الميلي» (الميل بدل الكيلو متر والقدم بدل المتر حيث العشرة وحدة أساسية) ونستخدم النظام العشري في قياس الحرارة بالدرجات المئوية (بعيداً من تعقيدات نظام فهرنهايت) وكذلك نستخدمه في الوزن حيث الكيلو محل الباوند والليتر محل الغالون، وحيث تم اعتبار أن وزن ليتر من الماء هو كيلو واحد وعلى هذا الأساس أعطيت كثافة السوائل الأخرى قيمة عددية فيقال إن كثافة الزئبق تبلغ كذا وكثافة البنزين كذا. وأخيراً بعد اكتشاف الكومبيوتر أعيد الاعتبار أيضاً للرقمين 1و0، حيث باتا الرقمين المرتبطين بعمل الكومبيوتر وتطور خوارزمياته.

الرقم 10 يحمل جاذبيته في شكله ومن ثم في كونه رقماً نستخدمه بكثرة في حياتنا اليومية وفي مختلف المناطق الجغرافية وبين ثقافات مختلفة. فالرقم 10 مثل كرة القدم نفسها، عابر للحدود وللثقافات والاختلافات بين البشر، وكان ينقصه المنافسة عليه كي يصبح مثل كرة القدم، مطلباً بحد ذاته، أي ذا قيمة خاصة ومستقلة به وعن اللاعب الذي يرتديه، وهذه المنافسة خلقها بيليه منذ اختياره الرقم 10 ومن ثم جعل هذا الرقم ذا قيمة خاصة تمنح هيبة للاعبين. فلو أي لاعب ولو كان شهيراً ارتدى الرقم 10 لن نشعر أنه، أي الرقم 10، هو الذي يستحق اللاعب، بل سنرى إذا كان هذا اللاعب هو من يستحق الرقم، فقد بات الرقم أقوى من حامله الذي عليه أن يثبت تفوقه على أقرانه ليستحقه.

ولو ارتدى هذا الرقم لاعب لا يقوم عن مقاعد الاحتياطي إلى الملعب، فسنشعر من دون شك بأن الأمر مجرد طرفة أو مقلب كوميدي. وفي حال كان الأمر حقيقياً فإنه سيثير دهشة جميع المشجعين حول العالم من دون استثناء، وربما يثير غضبهم. فالرقم 10 لا يغيب عن أرض الملعب منذ زمن بعيد، وهو موصول بحامله. وإذا كان من يحمله لاعباً احتياطياً فلا بد أن هذا يعني موت الرقم على هذه المقاعد.

رحلة بيليه إلى الشيخوخة و10 إلى المزاد

بداية القصة كانت في 21 يونيو (حزيران) 1970 حين فازت البرازيل 4-1 على إيطاليا في المباراة النهائية لمونديال المكسيك. وفي هذا اليوم تم منح بيليه لقب «الملك». وفي ذلك اليوم قال المدافع الإيطالي تارشيزيو بورجنيتش الذي أرهقته ملاحقة ملك الملعب ومحاولة صد هجومه، «اعتقدت أن بيليه من لحم ودم مثلنا لكنني عندما واجهته وجدت أنه من كوكب آخر». منذ تلك المباراة بعد صعود بيليه الصاروخي في عالم كرة القدم والنجومية وكذلك صعود الرقم 10 معه، إلى أن تم بيع قميصه الذي ارتداه في تلك المباراة النهائية بعد 32 عاماً لاحقاً في دار «كريستيز» في لندن بـ136 ألف و924 دولاراً.

والعلاقة ببن القميص “10” وبيليه كانت مثمرة جداً، فقد خاضا معاً 14 مباراة رابحة مع منتخبه في أربعة مونديالات وسجلا فيها 12 هدفاً، وتم تتويجهما، بيليه وقميصه، ثلاث مرات بلقب كأس العالم. وعليه يمكن القول بوضوح إنها كانت رحلة مليئة بالأضواء والشهرة سارا فيها معاً قبل أن ينتقل القميص إلى حياة أخرى بعد بيعه في المزاد بينما انتقل بيليه إلى الشيخوخة رويداً رويداً.

بيليه ومارادونا حصلا على الرقم 10 عن طريق الحظ والصدفة. لنعد إلى البداية، منذ وضعت الأرقام على قمصان اللاعبين في عام 1928 في الدوري الإنجليزي ارتدى اللاعبون أرقاماً متسلسلة من 1 إلى 11 وذلك حسب مراكزهم في الملعب، وقد نال صانع الألعاب أو المهاجم الثاني خلف رأس الحربة الرقم 10، وعلى مدى ثلاثة عقود بقي الأمر بلا أية أهمية تذكر. إلا أن ظهر في مونديال السويد 1958 الفتى البرازيلي الأسمر البالغ من العمر وقتها 17 سنة، وكان الاتحاد البرازيلي لكرة القدم قد أرسل قائمة بأسماء لاعبيه المعتمدين في البطولة من دون أن يخصص لكل منهم رقماً، لذلك قام المدرب في غرفة الملابس بتوزيع القمصان بطريقة عشوائية على اللاعبين، فوقع ما سيصبح قدراً بحد ذاته للرقم ولصاحبه، حين سقط القميص في يد لاعب فتي ومبتدئ لم يلعب خارج البرازيل قبل ذلك. كان الفتى بيليه.

عن الاندبندنت عربية