سنان سامي الشيخ صحن
في كتابها المُعنون مفاهيم صابئيّة مندائيّة تقوم الأستاذة ناجيّة المُرّاني -وهي المُختصّة باللُُّغتين العربيّة والمندائيّة, (مصدر1) بالتطرّق إلى إستنتاج مُهم: وهو أنّ الغالبيّة العُظمى من مُفردات اللُّغة المندائيّة إن لم تكُن جميعها هي مُحتواة بالكامل داخل اللُّغة العربيّة الكبيرة, ومع العِلم بكون مُعظم تلك المُصطلحات هي أصلاً لها جذور في اللُّغة الأكديّة.
وكذلك فأنّ الأبجديّة المندائيّة التي تتكوّن من ٢٢ حرفاً وتُكتب من اليمين إلى اليسار, هي بالترتيب الأصلي للأبجديّة العربيّة “أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت” وهذا قبل أن يتم إضافة الحروف “ثخذ، ضغط” والتي أسماها أبن النديم بالروادف.
أن الأختلافات الموجودة بين اللُّغة المندائيّة والعربية, لا تعدو كونها بسبب جمود اللُّغة المندائيّة زمنياً وأقتصارها على الكُتب الدينيّة المندائيّة, مُقابل التطور الكبير الذي حَصَل على اللُّغة العربيّة ولأنها لُغة حيّة آخذة بالإنتشار مُنذ الفتوحات الإسلاميّة, فيتم إضافة مفردات كثيرة لها، وكذلك يتغير أستخدام مُفردات أخرى، فمثلاً كلمة “بر” والتي تَعني أبن بالمندائيّة، هي نفسها كانت مُستخدمة في العربيّة، وحيُث كُتب على شاهد قبر أمرئ القيس “تي نفش مر القيس بر عمرو ملك العرب” وبمعنى هذه نفس أمرئ القيس بن عمرو ملك العرب، وهذا النّص الذي يُسمى بنقش النمارة (مصدر2) كُتب عام ٣٢٨ ميلاديّة وكُتب بالخط النبطي المتأخر, ولا ننسى أن نذكُر بأنّ أبن النديم في كتابه الفهرست ص339 قد ذكر بأن الصابئة على مذهب النبط القديم, والنبط تسمية أطلقت على السُكان المسالمون من غير المسلمين في جنوب وادي الرافدين بعد الفتح الإسلامي لها.
وبعد ذلك تستعرض الأستاذة ناجيّة مجموعة كبيرة من المُفردات المندائيّة المستقاة من النصوص الدينيّة، وجميعها تتطابق مع المعاني اللّغويّة العربيّة لها، ومنها هذا النَصْ الديني المُرفق مع ترجمته العربيّة, ولمن كان ضليعاً بالعربيّة الفُصحى فلن يجد صعوبة في تتبُّع جميع المُفردات المندائيّة وأستخدامها في العربيّة.
أنّ الترجمة والمقارنة للمفردات المندائيّة مع معانيها في العربيّة, يُعطي دليلاً دامغاً بكون اللُّغة المندائيّة هي لُغة عربيّة قديمة, وهُما من نفس الجذر الأكدي. ولاننسى أن نقول بأن مُعظم الباحثين في الدين والتاريخ المندائي كانوا من المستشرقين الذين لا يُجيدون العربيّة ولا اللّهجة العراقيّة ولكي يعرفوا هذا التطابق الكامل مع المندائيّة, ولهذا فيحتاج الموضوع إلى جهود المُختصين في اللُّغة العربيّة ليتعاونوا مع أقرانهم المُختصّين باللُّغة المندائيّة لمزيد من المُقارنة والبحث.
في نهايات القرن الثامن عشر قام العالم الألماني شلوتز أعتماداً على ثقافته التوراتيّة ووجود سام بن نوح فيها, بأطلاق تسمية اللُّغات الساميّة على العربية والبابليّة والآشوريّة والأكديّة والآراميّة العبريّة والآراميّة المندائيّة والآراميّة السريانيّة وغيرها, وكذلك على اللهجات العربيّة الجنوبيّة مثل المعينيّة السبئيّة. ونحن لسنا بصدد القول حول أي لُغة كانت الأقدم ولأنه يبدو بأن جميع هذه اللُّغات واللّهجات المُتأثرة ببعضها البعض مُنذ القِدم قد أندمجت وكوّنت اللُّغة العربيّة الفُصحى ذات الثمانية ملايين مُفردة مُستخدمة حالياً, وهي لُغة العِلم والثقافة مُنذ أكثر من الف عام, وإن كانت قد تراجعت بالمفردات العلمية في عصرنا هذا, ولأن الإكتشافات والعلوم قد ذهبت إلى الدول الغربيّة المُتقدّمة علمياً وأعتمدت اللُّغة الإنكليزيّة للتعبير عنها.
أنّ التسمية الصحيحة لجميع هذه اللُّغات يجب أن تكون اللُّغات العربيّة القديمة وليس الساميّة بكونها ترمز لتعبير ديني, ولأن هُنالك الكثير من البحوث التي تُبين أنّ جميع تلك الأقوام التي تحدّثت بهذه اللُّغات قد تنقّلت في أحدى مراحلها في الجزيرة العربيّة وتركت آثارها هُناك (مصدر3), وكذلك فأنّ اللُّغة العربيّة حالياً هي لُغة حيّة وقويّة وجذورها موجودة بقوّة في هذه اللُّغات, وما كان هذا الفصل عن العربيّة ومُحاولة طمس الجذور المُشتركة لهذه اللُّغات التي نشأت ووجدت في الجزيرة العربيّة وبلاد وادي الرافدين إلا لغرض إلحاقها بالفلسفة التوراتيّة وبالتالي يُصبح مركز الحضارة القديم وكأنه كان خارج الجزيرة العربيّة وبلاد الرافدين, وكذلك فأن الوجود المندائي ذو الأصل الرافديني والذي نشأت منه الفلسفة الدينيّة التوحيديّة الأولى, كأنما هو مُهاجر من خارجها, وهذا ما يُحاول أن يقول به بعض المُستشرقين التوراتيين الذين يطرحون نظرية الأصل الغربي للمندائيّة وبأنها كانت مُهاجرة من فلسطين, علماً بأن اللُّغة المندائية وبشهادة مُعظم الباحثين الغربيين أنفسهم, فأنَّها آرامية شرقية ونقية من أي شوائب غربية (مصدر4) وهي من أقرب اللُّغات إلى الأكدية (مصدر5). وهذا من الشواهد التي تُبيّن أصول المندائيين الرافدينية بأدلّة لاتقبل الشك, وعلى عكس الآراميّة العبريّة التي تعلمها هؤلاء عندما أتوا إلى بابل وآشور والجزيرة العربيّة بسبب كونهم من البدو الرُّحّل وكذلك كتُجار ومُهاجرين ومسبيين, ولكنها بقيت تحتوي على مفردات غربيّة من خارج المنطقة.
أنّ الباحثين في التاريخ واللُّغة العربيّة عليهم عدم حَصرها باليمن وكأن جذورها كانت فقط هُناك, فهذا سوف يكون وقوعاً في فخ المستشرقين التوراتيين وتشويهاً للحقيقة.
ترجمة لأحد النصوص المندائيّة ومُقارنة مفرداتها مع اللُّغة العربيّة– ناجيّة المُرّاني – مفاهيم صابئيّة مندائيّة ص184-203
الأصل المندائـــي / الترجمة العربيّــــة
١. بشميهون اد هيي ربي / بسم الحي ربي
٢. انا شليها اد نهورا / انا رسالة النور
٣. ملكا من نهورا / ملك من النور
٤. ازجيت لكا اتيت / ازجيت الى هنا اتيت
٥. لوفا وزيوا بئيدي وتشبيهتا الاي / الفة وضوء بيدي وتسبيحة علي
٦. اسوثا الاي واروتا وقالا وكالوزا / أسو علي ورواء وقول ونداء
٧. رشما الاي ومصبوتا ومنهرانا للبا هاشخيا / رسم علي وصبغة وانارة للالباب المظلمة
٨. بقالي وكالوزي قرابا بالما من ريش لريش / بقولي وندائي قربت العالم من اقصاه لادناه
٩. كل انش بنفشا نزدهار / كل انسان يرقب نفسه
١٠. كل من نزدهار بنفشا نتفارق من نورا اكلا / كل من يرقب نفسه يتفارق من النار الآكلة
١١. طوبيهون لابديا كشطا شلمنيا ومهيمنيا / طوبى لعباد الحق المسلمين المؤمنين
١٢. طوبيهون لشلمنيا اد مترهقيا من كل اد بيش / طوبى للمسلمين المبتعدين عن كل سوء
١٣. شليها انا اد نهورا اد ربا شدران لهازن الما / رسالةُ نور انا , بعثني الرب لهذا العالم
١٤. شليها انا كشطا اد كدبا لتبا / رسالة قسط انا لايداخلها كذب
١٥. كشطا انا اد لتبا كدبا ولايات بجوا هسر وبسر / قسط انا لا يداخله كذب ولا يأتي باطنه خسر وبسر
١٦. شليها انا اد نهورا / رسالة نور انا
١٧. كل من ارها بريهي هيا / كل من اراح ريحي حيا
١٨. كل من قبل شوتا اينا نهورا تملا / كل من قبل صوتي امتلأت عيناه نورا
١٩. وفما تشبيهتا ملا ولبا هكمتا تملا / وامتلأ فمه تسبيحا ولبه امتلأ حكمة
٢٠. ارهو با جارياريا شمر جاوريون / أراحه الزناة فهجروا الزنى
٢١. واتن بريهي متكركيا وامريا : / واتوا متجمعين حول رائحتي وقالوا :
٢٢. كث لا ادانين جورنين / كنا لا نعلم فارتكبنا الزنى
٢٣. جاورا هاشتا ادانين لا نجر / وهذه الساعة عرفنا ولن نزني
٢٤. شليها انا كشطا انا اد كدبا ليتبا / رسالة قسط انا لا يداخلها كذب
٢٥. كشطا انا اد ليتبا كدبا / قسط انا لا يداخله كذب
٢٦. ولا يات بجوا هسر وبسر / ولا يأتي باطنه خسر وبسر
٢٧. كل من ارها بريهي هيا / كل من اراح رائحتي حيا
٢٨. كل من ارهابا اينا بنهورا تملا / كل من اراح رائحتي امتلأت عيناه نورا
٢٩. ارهو با كادبيا شمر كدبيون / اراحني الكاذبون فهجروا كذبهم
٣٠. واتن بريهي متكركيا وامريا : / واتوا برائحتي وقالوا :
٣١. كث , لا أدانين امرنين كدبا / كنا لا نعلم فكذبنا
٣٢. هاشتا ادانين لا نمر / وهذه الساعة علمنا ولن نكذب