نشأت المندوي
طائفة الصابئة المندائيين منطق شفاف يشتق من مفاهيمهم الدينيه ( فالجسد عندهم يسمى( ادم بكريا adam pagriaا ) اما الروح او النشمثا فتسمى (اداكاس Adakas )او ( ادم كاسيا (adam kasia والتي توهب من قبل كائنات النور و لها رفيق في العوالم السماوية يسمى ( دموتا (dmuta وعليه فان خلاص الروح ونجاتها يحصل عندما تترك الروح العالم الارضي والجسد لتلتحم مع رفيقتها السماوية اى النموذج الاصلي).
هكذا يختزل الطقس المندائي ظاهرة الموت في ديناميكية رائعة فيسمح للروح صعود طبقات الفضاء مزهوة ب(الدرفش) لتقف جوار ربها في مشهد يجعلنا نقف حزانى امام كوكب غادر ارض الرافدين دون استئذان فكان ان لبست دجلة عليها البياض وبكتها مقل الفرات.... انها نخلة من بستان العراق وعبقه الفواح .
مربية واديبة من طراز ممتاز,متنورة وزاهدة منذ صغرها كانت تجمع الحناء من حدائق مدينتها وتنحاز للحق بمطلقه وتتعفر بالوشم والقصائد فاضحت قريبة من وجع الناس و من ضحكاتهم.عزفت الزواج وصار ديدنها ان تفرح لمن يناديها بكلمه( عمة) صغار كانوا ام كبارا...كانت تحتظنهم بعيون متلألئة كاولادها فلا غرابة ان دللوها بعد الموت بلقب تيريزا الطائفة فيما كانت روحها تصعد باريها يوم 28-6 -2011.
(ناجيه غافل المراني) عراقية بامتياز ولدت سنه 1918 في مدينه (العمارة )جنوب العراق واكملت دراستها هناك لتتخرج معلمة وفي سنه 1963 احيلت للتقاعد لكنها واصلت مشوار الدراسة فحصلت على بكالوريوس اداب في الادب الانكليزي بدرجة جيد جدا من جامعةالحكمة سنه 1969 لتلتحق بالجامعة الامريكية سنه 1970 لتحصل على الماجستير في الادب الانكليزي بدرجه امتياز. سجلت في نفس الجامعه للحصول على درجه الدكتوراه وقطت فيه شوطا كبيرا لكن الحرب الاهلية اضطرتها لقطع الدراسة والعوده الى العراق.
نشرت عده مقالات والقت محاضرات والفت كتب منها (بين العربيه والانكليزيه كلمات متناظرة1978)و كذالك ( الحب بين تراثين او التروبادورز الفرنسيين والشعراء العذريين1980)و( اثار عربيه في حكايات كنتربري1981) ومن ثم (هنا بدأ التاريخ1980) و(مفاهيم صابئيه1982) واخيرا (كلمات عربية انكليزية دخيلة 1990).
كانت شغوفة بحب الناس كما الزعيم ( عبد الكريم قاسم ) و عاشقه لشعبها حد الجنون لدرجه تخشى ان يزاحمها احد في هذا الحب فليس عجبا ان تطلب في وصيتها ان تدفن تحت فئ نخلة عراقية كما جاء على لسانها:
في غـــدٍ يا أهــلُ إن حُمَّ الرحيل وانثنـــى خـلٌّ لـتـــوديع الخليــــل
انثروا حـولي زهـــورَ الياسمين واجعلوا قبــــري في ظلّ النخيــل
مرة في احدى المحاضرات كنت اتخيلها تبيح شعرها المسدول كظفائر على جانبي جسدها الظامر فكانت تنتقل بلغتها العربية كعروسه خجولة فتبني من مفرداتها اكواخا وتاخذنا اليها عنوة وهي تغني عن الاخاء والمودة وتقرأ من كتابها (تعاليم مندائيه) لطفل في المهد فان عيسى تكلم في المهد ثم ماتلبث ان تبعث برساله حب الى الانبياء فانهم حسب نطريتها يؤرخون التاريخ.
كانت تستمع بهدوء فضي و تنصت فالاصغاء فن لايجيده الا المبدعون هكذا تعلمنا منها اول درس في ابجدية الحوار والمعرفة.... هي اذن ( ناجيه) تغيب اليوم متشحة برائحة المكان ومعبأة بورقه الآس ومحروسة بال(السكندوله) لتلج الزمن القادم وهي تدون مواويلها كابنوسة بيضاء عن اهوار( العمارة ) وتهديها لـ (بغداد) التي تأن من الجوع والدم فيسمعها (فاروق سلوم ) القابع في زاويه المحاضرة ليمنحها الرقم (28) من مجموع (89) في مدونته التي نشرها عن الذاكره العراقية المغيبة بعنوان (مناضلات من وطني).
(ولقد كرمتها وزارة الثقافة العراقية ابان المجلس التأبيني لها بان تطبع سيرتها الذاتيه ضمن سلسله شخصيات عراقيه تزامنا مع الشاعرة لميعه عباس عمارة والدكتوره ليلى الرومي).
انها مرثية لامرأة كانت من عشب وحرير و(ملواشه) ، ولدت حرة وماتت بصمت ، فالكبار علمونا انهم يرحلون دون ضجيج.