عمو بابا .. ما زال في ذاكرة الملاعب ووجدان الجماهير

عمو بابا .. ما زال في ذاكرة الملاعب ووجدان الجماهير

عبدالجبار العتابي

على الرغم من مرور سنوات على غياب شيخ المدربين العراقيين عمو بابا إلا أن ذكره لم يغب عن بال محبيه وجمهوره وتلاميذه ،لكنه غائب عن المؤسسة الرياضية التي لم نشهد منها أي استعدادات لاستذكار الراحل في ذكراه ولم تبذل أي جهد في إقامة مؤتمر أو ندوة أو فعاليات رياضية إحياء لذكراه وتقديرا لما قدمه .

:في يوم السابع والعشرين من شهر أيار / مايو عام 2009 رحل عمو بابا عن الدنيا التي عاش فيها نحو 75 عاما ، بعد رحلة مريرة مع المستشفيات في أمكنة مختلفة في محاربة الأمراض والعلل والمتاعب الصحية التي جعلته يشكو من عذابات وآلام ، رحل تاركا سيرة ذاتية حسنة وعلامة فارقة بين أسماء الخالدين الذين تركوا بصمات مضيئة ، فكان رحيله عراقياً شاملاً حزن له الجميع وتجاوز الحدود العربية إلى العالمية التي كانت تراه مميزاً بسماته وإبداعه واسمه حتى ، وما تلك السيرة الحسنة الاحترام والتقدير لشخصه إلا لأنه أعطى الكثير من نفسه لاعبا ومدربا وإنسانا ، لاعبا ماهرا طالما كان يسعد الجمهور بأسلوبه وأهدافه ، ومدربا قديراً .. طالما حقق النتائج الجيدة وأحرز البطولات ، وإنسانا .. متواضعا بسيطا خلوقا ، وسيظل هذا الثلاثي الذي جمع شخصيته قائما في وجدان الناس الذين يعتزون به بشكل لا يوصف .

من الجميل .. أن نترحم على الراحل عمو بابا ونستذكر أيامه ومساحات الفرح التي منحها للناس ، أن نقرأ في سيرته حسب ما أوجزها الزميل هشام السلمان في كتابه الذي أصدره عن حياة الراحل عام 2011وكان بعنوان (عمو بابا أسطورة الكرة العراقية) وهو أحد كتابين صدرا عن عمو بابا حيث كان الأول للدكتور ضياء المنشيء عام 2001 بعنوان (عمو بابا شاعر الكرة).

بداياته وأبرز محطاته

ولد عمانوئيل بابا داود يوم السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني / نوفمبر من عام 1934 ليكون الأخ الثالث في أسرته بعد شقيقه جورج ويونان وبعده جاء شقيقه بنول والبيرت ليكون الولد الخامس في العائلة التي تضم شقيقتين أيضا ..

بدأ يمارس لعبة كرة القدم عندما بلغ من العمر 14 سنة حيث لعب في مدينة الحبانية التي نشأ فيها وبرز من خلالها لاعبا موهوباً حتى مثل المنتخب المدرسي من خلال مدارسها ولعب أيضا لفريق(سيسي) في مطلع حياته الكروية ، وعندما أصبح عمره 17 سنة كان عمو بابا الذي اكتسب هذا الاسم من مدربه الأول المعلق الرياضي والشخصية الرياضية المعروفة إسماعيل محمد الذي منحه فرصة اللعب للمرة الأولىباسم العراق من خلال المنتخب المدرسي العراقي عام 1951 في الدورة الرياضية المدرسية التي أقيمت في القاهرة وكانت أول مباراة رسمية له أمام المنتخب المصري المدرسي التي شارك فيها لمدة (45) دقيقة وخسرها المنتخب العراقي المدرسي(صفرـ 2).

في عام 1955 وتحديدا في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير، كان عمو بابا مع المنتخب العسكري العراقي في مباراته التاريخية أمام المنتخب العسكري المصري بعد أن كان قد انضم إلى صفوف فريق الحرس الملكي عام 1954 وبعد أربع سنوات مثل فريق القوة الجوية ومن ثم فريق الكلية العسكرية وفريق المصلحة وفريق النادي الاثوري.

وفي عام 1957 كان عمو بابا على موعد مع التألق والنجاح عندما تمكن من إحراز أول هدف دولي للعراق في تاريخ الكرة العراقية في مرمى المنتخب المغربي خلال المباراة التاريخية الأولى للمنتخب العراقي أمام نظيره المغربي والتي جرت بتاريخ السابع من كانون الثاني/ يناير عام 1957 في الدورة الرياضية العربية التي جرت في بيروت وانتهت بالتعادل (3ـ3) حيث سجل أهداف المنتخب العراقي عمو بابا وعادل عبد الله

وشهد عام 1959 تسجيل أول هدف اولمبي للعراق باسم عمو بابا في مرمى المنتخب اللبناني خلال التصفيات الأولمبية المؤهلة للدورة الأولمبية التي أقيمت في روما عام 1960 حيث انتهت أول مباراة اولمبية للعراق أمام لبنان بالفوز بثلاثة أهداف مقابل لاشيء .

وفي عام 1960 تزوج عمو بابا من بنت خالته جوزفين عزيز وعاش معها حتى ولدت له ابنه سامي وبنتان هما منى ومي قبل أن يقرر البقاء في بغداد بينما ذهبت العائلة إلى مدينة مرسيليا في جنوب فرنسا وبقي على هذا الحال حتى وفاته يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر أيار / مايو عام 2009.

واشتهر عمو بابا لاعبا من الطراز الأول سواء في الأندية التي كان يلعب لها أو المنتخبات الوطنية منذ عام 1957 وحتى عام 1967 عندما أعلن الاعتزال الدولي بعد أن كان العلامة الفارقة في اغلب المباريات التي لعبها ليختار فيما بعد حقل التدريب لمواصلة عشقه مع الكرة العراقية التي لم يفارقها حتى في مماته ، فدرب للمرة الأولىفريق الكلية العسكرية عام1967 لاعبا ومدربا ومن ثم انطلق إلى عالم الشهرة مع التدريب كما اشتهر لاعبا فذا...

عاش عمو بابا (74) سنة و(6) أشهر كاملة ، حيث ولد عمو بابا يوم27 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1934 ومات يوم 27 أيار / مايو عام2009 ..

رياضي عظيم وإنسان عاطفي

كانت حياته مليئة بحب كرة القدم حد العشق وغلفها بعلاقات إنسانية حميمة مع أصدقائه ومحبيه ولاعبيه وكانت له علاقات متميزة مع كبار الشخصيات الرياضية والفنية والأدبية والسياسية ،وكنت شاهد عيان على بيته الكائن في منطقة (زيونة) وسط العاصمة العراقية بغداد الذي أصبح ملتقى للرياضيين ولساعات طويلة حيث كانت مجموعة من الرياضيين واللاعبين يدخلون البيت وتخرج مجموعة أخرى وعندما سألت عمو بابا هل انه يشعر أحيانا بالمضايقة من كثرة الزائرين والمتواجدين في بيته .. قال ( إنهم يمثلون لي شيئا مهما لايمكن الاستغناء عنه لان الرياضيين الذين يترددون على بيتي كانوا يتداولون في هموم الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص ... وفي احيان كثيرة والكلام لعمو بابا ..افتقد البعض منهم عندما ينقطع عن التواجد مع الرياضيين في بيتي ).

وسعى عمو بابا أن يكون مدربا يشار إليه بشأن مثلما حقق ذلك وهو لاعب وقد تحقق له ما سعى إليه عندما أصبح المدرب الأبرز في تاريخ الكره العراقية ، وكان اللاعبون يظهرون له الحب الكبير وتمنى الكثير من المدربين المحليين أن يعملوا معه كمساعدين له في المهام التدريبية التي توكل إليه في المنتخبات الوطنية.

وانتقل حب عمو بابا من اللاعبين إلى الجمهور في ملاعب الكرة أينما تواجد فحرص على زيارة اغلب محافظات العراق بل انه زارها كلها سواء زائرا لها أو مدربا يعمل فيها كما هو الحال في محافظة صلاح الدين و كركوك أو منافسا لفريقها عندما يوجب على الفريق الذي يدربه أن يلعب في ملاعب المحافظات فكانت الجماهير والناس في الشوارع تستقبله باهتمام كبير وتعكس مدى حبها له ما له من مكانة جماهيرية بين الناس وحضور مؤثر في التجمعات أو الندوات أو المؤتمرات التي تدعوه لحضورها .

في الذاكرة الجمعية للرياضة العراقية .. أشياء كثيرة لا يمكن محوها وستظل تتلألأ على الرغم من عدم الاهتمام من المؤسسة الرياضية بالراحل على الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقت في أيام رحيله الأولى .