سلام عادل وتوحيدالحركة الشيوعية في العراق

سلام عادل وتوحيدالحركة الشيوعية في العراق

د . سيف عدنان القيسي

عانى الحزب الشيوعي انقسامات في صفوفه في الخمسينيات وشعر بأن ذلك أثر في قوته في الساحة العراقية , فقد كانت هناك هجمات عنيفة متبادلة بين تيارات الحزب المختلفة ,

فعلى سبيل المثال , هاجمت جماعة القاعدة راية الشغيلة، عام 1954 وعدتها «زمرة بلاطية «,وأنها «إنحطت في المستنقع والقاذورات اليمينية « مؤكدة أن مصيرها «الفناء المحتوم لامحالة «، مشيرة الى ان «الانتهازية لايمكن أن تصمد أمام حزب له سياسة أممية ويسير بالاتجاه الثوري» لقد ظل حميد عثمان يرفض توحيد فصائل الحزب وعودة راية الشغيلة , اذ يشير كاظم فرهود»الى رفض حميد عثمان, وهو في سجن نقرة السلمان الغاء طرد عزيز محمد من صفوف الحزب عام 1953 « .

حاول عدد من ملاكات الحزب الشيوعي ان يوحدوا صفوفه , فعند هرب حميد عثمان الى الموصل التقى بكاظم فرهود، وطلب اللقاء بجمال الحيدري لمناقشة وحدة الحزب ، ورحب الأخير بالامر و وسافر مع كاظم فرهود الى الموصل لكنهما لم يجدا حميد عثمان , وفي الوقت عينه جاء ناصر عبود جاء للقاء حميد عثمان.

ولكن غياب حميد عثمان لم يثن اطراف الحزب الشيوعي للبحث عن صيغة لوحدة الحزب , اذ فرضت الظروف ضرورة التفاهم وتلاشي الاختلافات العقائدية وارتأت القيادة الجديدة الاخذ بالاعتبار وجهة نظر الجماعات المتنافسة , واعترفت أن سياسة «الانعزال اليساري» كانت ضعفاً للحزب الشيوعي العراقي .

واستكمالا» لتلك الخطوات بعث سلام عادل برسالة الى جمال الحيدري في بداية المحادثات, كانت جواباً لرسالة بعثت الى حميد عثمان قبل تنحيته.

وهكذا فتح حوار جدي لتوحيد تنظيم الحزب الشيوعي, وضم راية الشغيلة برئاسة جمال الحيدري ووحدة النضال برئاسة عزيز شريف إضافةً الى جماعة القاعدة.

وكان لعقد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي في شباط 1956 إضافة لحل منظمة الكومنفورم «مكتب الانباء للاحزاب الشيوعية واحزاب العمال» في السابع عشر من نيسان 1956 انعكاس واضح وأثر بيّن في وضع حدً للانشقاقات وجمع الشيوعيين العراقيين ثانية تحت مظلة واحدة .

كما كان لها دور كبير في توحيد الحركة الشيوعية وتناسي الخلافات والاعتراف بالاخطاء.

ففي مقال لجريدة القاعدة في آيار 1956 اشارت فيه الى انه نتيجة لحل الكومنفورم فأن الحزب الشيوعي سيتجه «بكل قواه للافادة الى الحد الاقصى من مضمون قرار حل مكتب الانباء، وآفاقه والاستنتاجات المبدئية» واضافت «سيتجه الحزب بعزيمة اكبر لتصفية الوضع الانقسامي في الحركة الثورية (أي الشيوعية) في العراق، وتوحيد كل المنظمات والعناصر وقد مرت عليها تجارب مريرة في الكفاح في حزبنا الشيوعي العراقي، على أساس الماركسية- اللينينية».

وفي هذه الاثناء أتفقت جماعتا القاعدة و النضال على حل حزب وحدة الشيوعيين في العراق على أن يصبح عبدالرحيم شريف عضواً في اللجنة المركزية, كما أعلن عبدالرحيم شريف غلق صحيفته في أوائل نيسان 1956.

واعترفت منظمة «وحدة الشيوعيين» بخطأ قيام واستمرار نشاطها وتنظيمها المستقل مادام الحزب الشيوعي قائماً ويواصل كفاحه بعناء وإستبسال وتقدم مناضلوها للانضمام للحزب الشيوعي وخولت اللجنة المركزية للحزب بإصدار بيان بذلك فصدر البيان في الخامس والعشرين من نيسان، وأهم ماجاء في البيان «اجتمع ممثلون عن الحزب الشيوعي العراقي، وممثل عن وحدة الشيوعيين ودرسوا وضع الحركة الثورية والوطنية فأثنى على دور الحزب الشيوعي في تحريك وتنظيم الجماهير خلال السنوات الطويلة، كما ثمن أحسن تثمين الكفاح الوطني الذي خاضه المناضلون الذين إنتظموا في حزب وحدة الشيوعيين وتضحياتهم المعروفة في النضال ضد الاستعمار والرجعية، ودورهم في توسيع الوعي الوطني الديمقراطي، وأعلنوا أنه من الخطأ قيام هؤلاء المناضلين بتنظيم وعمل مستقل بأسم (الحزب الشيوعي العراقي) أو بعدئذ بأسم (حزب وحدة الشيوعيين) مادام الحزب الشيوعي قائماً ويواصل كفاحه بعناد واستبسال فاتفق الممثلان على أن ينهي حزب (وحدة الشيوعيين) نشاطه وتنظيمه المستقل وان يجري انضمامه للحزب الشيوعي العراقي».واذا انتهى انشقاق جماعة حزب وحدة الشيوعيين بذلك البيان فأن إصرار القاعدة على حل راية الشغيلة دون قيد أو شرط والاعتراف بأنها منظمة أنشقاقية وعودة أعضائها الى الحزب أفراداً، ادى الى رفض قادة راية الشغيلة تحقيق الوحدة على هذا الاساس، واقترحت , بعد عقد كونفرنس حزبي في دار عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي حمزة سلمان في نيسان 1956، وأيده اكثر الحضورعلى صيغة التحكيم, لأن القاعدة وراية الشغيلة تمسكا برأييهما فأتجها الى قبول تحكيم قيادة الحزب الشيوعي السوري ,والزام وخضوع الطرفين لقراراته من دون قيد أو شرط.

وسافر الى دمشق كل من جمال الحيدري,وعدنان جلميران, ومحمد صالح العبلي, وجورج تلو ,وعبد القادر أسماعيل وأتفقوا على توحيد الكتل الشيوعية، وقد تمكن خالد بكداش من تقريب وجهات النظر بين «القاعدة» و «راية الشغيلة» لاسيما بعد أصرار القاعدة على شروطها.

أن تعترف جماعة راية الشغيلة بأن عملها كان أنشقاقياً وأنتهازياً وتصدر بياناً بذلك.

أن يقبل جميع أعضاء راية الشغيلة في الحزب «القاعدة» على أن يؤخذ بنظر الاعتبار كفاءتهم ومراكزهم القيادية في توليهم المسؤوليات على هذا الاساس.

أن تصدر جماعة القاعدة بياناً تعترف فيه بأن القيادة التي سببت الانشقاق كانت قيادة جاهلة.

أن تضم اللجنة المركزية الجديدة بعض اعضاء راية الشغيلة.

وحصلت الموافقة على توحيد الكتلتين اللتين أصدرتا بيانين في حزيران يعلنان فيهما وحدتهما، فقد جاء في بيان راية الشغيلة في الثالث عشر من حزيران 1956 «بأنه على ضوء التجارب المريرة التي مرت على حزبنا وحركته خلال الاعوام الاخيرة وبالاسترشاد بالخبرة والتجربة الأممية الواسعة التي تستطيع أن تميز مسلكنا حينئذ سلوكاً أنشقاقياً تخريبياً خاطئاً وذلك بتأسيس تنظيمنا ومركزنا القيادي المستقل الذي إعتبرناه إبتعاداً للحزب الشيوعي العراقي في وقت كان فيه حزبنا الشيوعي قائماً ويواصل كفاحه بعناد وأن خطوتنا التي أسميناها (الانتشال) كانت مخالفة صريحة للمبادئ الماركسية- اللينينية، إننا اليوم أدركنا خطأنا وفداحة النتائج التي ترتبت عليه نعلن حل منظمتنا وندعو رفاقنا العاملين فيها الى العودة لحزبهم الشيوعي العراقي،من دون قيد أو شرط، ووضع كل كفاءاتهم وإمكانياتهم تحت تصرفه، وفي سبيل خدمته وفي النضال ضد الاستعمار وحلف بغداد الحربي العدواني،ومن أجل حرية وطننا وسيادته».

وأهم ما جاء في بيان القاعدة في السابع عشر حزيران 1956»خلال الهجوم الوحشي الذي تعرض له الحزب فأن بعض العناصر المشبوهة والدخيلة أستسلمت لبطش الاستعمار والرجعية وأضاع أبلغ النضالات للطبقة العاملة والثورية لجماهير شعبنا العراقي وطعنت الحزب من وراء ظهره، و فرضت على الحزب الانشقاق في تلك السنوات وظهرت قيادة طارئة فقد سيطرت قيادات جاهلة على أمور الحزب وسيرته بأتجاه بيروقراطي صبياني ادى ليس فقط الى أخطاء سياسية وتنظيمية خطيرة متكررة كما أوضحها الحزب في مناسبات عديدة وأدى الى حرمان الحزب من خبرة ومعرفة رفاق طيبين أنتقدوا الحزب بإخلاص وقد فعلوا الخطأ نتيجة القمع المفروض على النقد في الحزب ومنهم الرفاق الذين انتظموا بعدئذ في راية الشغيلة».

وفي ذلك التاريخ تقدم آخرون بطلبات الانتماء للحزب الشيوعي مشفعين طلباتهم بالنقد الذاتي منهم داود الصائغ الذي أقر في حزيران 1956 بأنه خرق الضبط الحزبي وتحدي قيادة الحزب «عندما كان يعمل في صفوفه أواخر الحرب العالمية الثانية كما إعترف بأن تكوينه لمنظمة رابطة الشيوعيين بعدئذ كان عملاً إنشقاقياً تخريبياً خاطئاً طالباً أعادة عضويته للحزب «.

ففي نشرة داخلية للحزب أواخر حزيران 1956 بيِّن فيها أهمية وحدة المنظمات الشيوعية معنونة بـ «دروس وواجبات» وأهم ماجاء في النشرة «خلال هذا الشهر إستقبل حزبنا رفاقه السابقين الذين عملوا لفترة معينة في منظمة راية الشغيلة كما استقبل المناضلين الذين سبق أن عملوا في حزب وحدة الشيوعيين وإن كل حريص على مصلحة الحركة الوطنية وعلى تعزيز وحدة حزبنا الشيوعي لايمكن الا أن يبتهج لهاتين الخطوتين اللتين جاءتا نتيجة لتصبح سياسة الحزب ولجهود جميع العاملين بأخلاص في سبيل تعزيز وحدة الحزب والحركة اللتين لهما أكبر الأهمية في تاريخ حركتنا»، ولم تقف النشرة عند هذا الحد بل بينت الدروس التي افرزتها تلك التجارب .

عن رسالة (الحزب الشيوعي العراقي ودوره في الحركة الوطنية العراقية)