أماني صالح
عندما يرحل أحد المبدعين تجد نفسك أمام حزن شخصي بقدر متابعتك لأعماله ومحبتك لشخصيته.. ويجتاح القلب حزن مع توالي كلمات الرثاء عندما يتذكر التليفزيون فجأة أن ثمة مبدعا رحل. فيكثف عرض أعماله التي ربما تشتاق لرؤيتها باقي العام. وهنا يأتي العقل يربت علي القلب مذكرا إياه أن الابداع لا يموت وبالتالي فالمبدع يعيش مع ابداعه القابل للاكتشاف والتأمل من جديد..
وفي حالة محمد خان.. اتفق القلب والعقل أن محمد خان كان حالة فنية مدهشة.. هذا الإصرار علي الانتاج حتي النفس الأخير.. التواجد علي شاشة السينما بأفلام مختلفة عن السائد.. وهي حالات انسانية في العادة عن بشر وأماكن وزمن حائر بين أمس شجي ويوم شقي وغد مجهول.. احتفظ خان بروح طيبة مع مختلف الأجيال.. يهنيهم إذا نجحوا.. يتعاون معهم في أعمالهم.. يعيد تقديم نفسه ويعيد اكتشاف الوجوه المألوفة في أفلامه كما يقدم الوجوه الجديدة..
باختصار هو "بناء" بالشدة.. بيبني أفلام.. صانع.. بيصنع حيوات علي الشاشة لاخر لحظة.. لو تخيلنا ان شخصا يبني عمارة يراعي عناصر الجمال كما يهتم بالوظائف العملية.. يرفض مثلا استخدام اسمنت مغشوشا.. يعرف أنه ليس بالأساس لتستمر.
ومع عماله لا يجعل منهم سخرة.. يترك لهم مساحات التكون مع البناء.. يفعل خان مثل هذا ولكن سينمائيا.. يبني حسب الأصول وسط كم عمارات عشوائية.. الغريب انها مطلوبة ومسكونة.. الغريب انها ليست منبوذة.. يسمونها تجارية.. يدعونها شعبية.. لا يبدو مهتما بما حوله مادام يمارس البناء.. بعض تجاربه السينمائية تبدو كالبناء في أرض قفر..
فعل البناء صعب لأنه اختبار للزمن.. تري هل يظهر بالمبني شروخ؟ هل يقع بدلا من أن ينهض؟ تري هل وهو يُدرك في مجموعه نلاحظ تفاصيله المكونة له؟
هذه اللقطات الحية.. الكادرات المعبرة.. ربما المبدع يتساءل مثلنا إن كان جهده وعرقه في البناء سيدرك أم يترك؟ ولعله في ظل الانهماك في البناء يعمل ولا يسأل.. محمد خان كعاطف الطيب ضمن سلسلة من مخرجين عظام نعرفهم.. بنوا وظلوا يبنون حتي نهايتهم.. باني العمارة ليس بالضرورة صاحبها الأوحد.. لذلك أحيانا يفوتنا الانتباه لجهد المخرج مع انبهارنا ببريق النجم مثلا. ولكن خان ورفاقه صنعوا بصمة خاصة.. بناء ينسب لهم.. اهتموا بأدق تفاصيله وتركوه لنا نحن المشاهدين آملين أن نكون السكان.. هل نأتنس بوجود بعضنا البعض في بناء يستحق السكن أم نتركه عمارة غير مسكونة؟ ربما حتي يدعونها بيتا للأشباح حتي يأتي ناقد جريء يأخذنا للعمل المهجور فنري ما لم نراه.. هذه هي الأفلام الحقيقية.. بناء وتفاصيل في انتظار مشاهد يسكن الأفلام ويسكن لها.. رحم الله كل من قدم فنا وغرضه البناء.. رحم الله محمد خان.
صحيفة الجمهورية المصرية 10. 08. 2016