كيف دخل التلغراف الى بغداد؟

كيف دخل التلغراف الى بغداد؟

نيزك سعيد عبد الكريم

لم يستخدم البرق في ولاية بغداد في العهد العثماني إلا في ستينيات القرن التاسع عشر، إذ سعت الدولة العثمانية منذ سنة 1857 الى عقد إتفاق مع بريطانيا من أجل إنشاء خطوط للبرق في إيالة بغداد.

وتماشياً مع أوضاع التنظيمات الإصلاحية التي قامت بها الدولة العثمانية، فقد أصدرت سنة 1859 (قانون البرق) الذي نص على ضرورة تأسيس خطوط للبرق بين جميع الإيالات التابعة للدولة العثمانية، حيث كانت تهدف من وراء ذلك بسط سلطتها المركزية المباشرة على تلك الإيالات ومحاولة تأمين الأمن والنظام فيها. كما أكد هذا القانون، على منح الأولوية لمراسلات الدولة العثمانية التي تتم عن طريق البرق، , ومن ثم مراسلات الدول الأجنبية، ثم مراسلات التجار. وأكد على سرية المخابرات.

وبعد عقد الإتفاق العثماني البريطاني الذي نص على إنشاء خطوط للبرق داخل إيالة بغداد على نفقة الدولة العثمانية بإدارة مهندسين بريطانيين، تم العمل على وفق ما جاء به ذلك الاتفاق، فأنشئ أول خط للبرق سنة 1861 قادماً من الهند عن طريق البصرة، ومن ثم الى مدينة بغداد ممتداً في قاع نهر دجلة، ومن مدينة بغداد حتى العاصمة استانبول.

وفي سنة 1863 جرى عقد اتفاق آخر بين الدولة العثمانية وبريطانيا من أجل إنشاء خط آخر يمتد من مدينة بغداد الى منطقة الفاو في البصرة. ويبدو من ذلك أن الحكومة البريطانية كانت تهدف من وراء إنشاء ذلك الخط تعزيز مصالحها بشكل أكبر في إيالة بغداد. فتم الإتفاق بين المقيم البريطاني كامبل والوالي محمد نامق باشا على إجراء عملية مسح لكافة الأراضي الواقعة بين مدينتى بغداد والفاو، لمد ذلك الخط. وقد واجه هذا العمل بعض الصعوبات لا سيما من قبل العشائر المتمردة على حكومة الإيالة التي كانت تلجأ الى تخريب هذا العمل كرد فعل عدائي ضد حكومة الإيالة. إلا أن هذا الخط أنجز وتم استخدامه سنة 1865.

وعلى أثر ذلك أسست دائرة البرق في إيالة بغداد سنة 1865، وكان مقرها مدينة بغداد في منطقة باب المعظم، من أجل إدارة شؤون البرق في الإيالة. كما أسست حكومة الإيالة دائرة أخرى في مدينة الفاو، وجعلت جميع موظفيها من العثمانيين على الرغم من إنجاز خط بغداد- الفاو بمساعدة بريطانية. إلا أنه بعد ذلك سمحت الحكومة العثمانية للمقيمية البريطانية في بغداد بتأسيس بناية للبرق خاصة بالإتصالات البريطانية، إلى جانب دائرة البرق في الفاو، على أن تفتح بين البنايتين نافذة لتبادل المراسلات بينهما. وقد فرضت الدائرة العثمانية رقابتها المباشرة على بناية البرق البريطانية من خلال عدم السماح لها بإتخاذ أي أجراء إداري ومحاولة توسيع نطاق عملها إلا بموافقتها.

وبعد منتصف ستينيات القرن التاسع عشر، أصدرت الدولة العثمانية أمراً الى حكومة إيالة بغداد بالعمل على مد خطوط للبرق داخل الإيالة لربط جميع مناطقها بخطوط برقية منتظمة مما يسهل عليها حكم تلك المناطق بشكل مباشر. فبدأت حكومة الإيالة تعمل على تحقيق ذلك العمل فأنشأت خطاً للبرق بين مدينة بغداد ومدن كربلاء والنجف، وأنشات خطاً آخر بين بغداد وخانقين من أجل إيصاله الى العاصمة الإيرانية طهران.

أما عن أجور البرق في إيالة بغداد، فقد كانت مرتفعة جداً، حيث كانت تحسب على المسافة وعدد الكلمات، فكان سعر الرسالة البرقية التي تحتوي على عشرين كلمة، عشرة قروش. في حين كان سعر الرسالة البرقية بين إيالة بغداد والإيالات الأخرى كالموصل وديار بكر واطنة وحلب وأرضروم، خمسة عشر قرشاً لكل عشرين كلمة. أما الإيالات البعيدة كالبوسنة، فقد كان سعر الرسالة التي تحوي عشرين كلمة، سبعين قرشاً.

عن رسالة: الإدارة العثمانية في إيالة بغداد»1831 – 1869م»(دراسة تاريخية)