احمد فياض المفرجي
أكدت الوثائق المتوفرة لدينا ان العراقيين في عهدهم الحديث قد عرفوا المسرح منذ بداية الربع الأخير من القرن التاسع عشر، و قد نهضت بالحياة المسرحية خلال العقود الأربعة الأولى التي تنتهي عام 1921 المدارس و النوادي الأدبية و الجمعيات و الأحزاب ذات التوجه القومي، و لم تظهر اية فرقة تمثيلية ذات صفة قانونية،
خلال هذه الفترة من تاريخ العراق السياسي، التي تقع معظم سنواتها تحت الحكم العثماني، اما السنوات الأخرى منها و امدها (1917 – 1920) فكانت محكومة بالأحتلال البريطاني.
و بعد قيام سمي بالحكم الوطني، اصدرت وزارة النقيب اول قانون للجمعيات عام 1922 سمحت بموجبه بتشكيل الجمعيات الفنية، فكان اول المادرين محمد خالص الملا حمادي الذي يروي عنه انه كان من انصار ثورة العشرين (1920) و كان مراسلا لها في مدينة بغداد.
حصل الفنان الرائد الملا حمادي على اجازة بتأسيس (جمعية التمثيل العربي) التي اقامت حفلات تمثيلية عدة في بغداد و البصرة، و جاء عن هذه (جمعية التمثيل العربي) نجد اشارات متعددة الى عروض كانت تقدم على فكرة (القرة قوز) و غرست في الناس حب التمثيل الفني الحديث.
و عند الرجوع الى الصحافة الصادرة خلال الفترة التي عملت فيها (جمعية التمثيل العربي) نجد اشارات متعددة الى عروض كانت تقدم على مسرح (رويال سينما) من قبل (هيئة التمثيل العربي الأهلية) و (جوق التمثيل العربي) و نحن نميل الى القول بأن هذه الأسماء كلها كانت تعني (جمعية التمثيل العربي) و لدينا وثيقة اكدت ما ذهبنا اليه، و هي اعلان نشر بصيغ مختلفة خلال شهري مايس و حزيران عام 1922 حول تمثيل (رواية ثارات العرب) لمنفعة انشاء مدرسة اهلية علىمرسح رويال سينما – و كانت الأشارة الى الجهة التي يمثل الرواية المذكورة، تجيء مرة بأسم (هيئة التمثيل العربي الأهلية) و تارة الى (هيئة التمثيل العربي الأهلية) الخ..
ويقول اعلان للجمعية نشرته جريدة (الأستقلال) في عددها الصادر في 1922: (.. اخدموا العلم و شاهدوا مجدكم).. و (اذا اشتقت ايها الوطني الى مشاهدة مجد أجدادك و شمسهم و علو منزلتهم و شدة بأسهم ازاء – كسرى – عليك ان تسارع لشراء طاقات الدخول لرواية (ثارات العرب) فتكون بذلك اعدت مجد ابائك الكرام مفتخرا بهم و قومت مدرسة شريفة، تهيء لك رجالا في المستقبل يحفظ مجدك و يعيدون عزك).
تلك هي رسالة المسرح التي امنت ها (جمعية التمثيل العربي) و بشرت الجمهور بأهدافها، و كذلك شأن العديد من المؤسسات الأجتماعية و الثقافية و الفرق التمثيلية التي ظهرت في بغداد و نينوى و البصرة، و خاصة بعد الأحتلال، و منها مدرسة التفيض الأهلية، و فرقة منتدى التهذيب و نادي التمثيل و الموسيقى، و جمعية احياء الفن.. و غيرها من الفرق التي دعت في مناهجها للعلم و العمل.. و على سبيل المثال نشير الى ما جاء في العريضة المقدمة الى الجهات المختصة في 14 نيسان 1928 و التي تقول: (اننا حبا بترقية فن التمثيل خاصة و بقية الفنون الجميلة عامة، و سعيا لبث روح العلم و العمل بين الطبقة العامة من ابناء هذا الشعب العزيز، وقد عزمنا على تشكيل فرقة تمثيلية دعوناها ب (الفرقة التمثيلية الحديثة) وليس من ينكر ما للتمثيل من قدرة في انماء هذه الروح في قلب ابناء الشعب) خاصة و بقية الفنون الجميلة عامة، و سعيا لبث روح العلم و العمل بين الطبقة العامة من ابناء هذا الشعب العزيز، قد عزمنا على تشكيل فرقة تمثيلية دعوناها ب (الفرقة التمثيلية الحديثة) وليس من ينكر ما للتمثيل من قدرة في انماء هذه الروح في قلب ابناء الشعب).
ومن فرق هذا العقد – العشرينات – (الفرقة التمثيلية العربية) التي وقع طلب تأسيسها المقدم في 29/كانون الثاني / 1927 كل من السادة عبد الرزاق عبد الرحمن و فاضل عباس بهرام و ناظم عبد الجليل الزهاوي و احمد يحيى و حجي محمد و ناجي ابراهيم و عبد العزيز علي و احمد حمدي و غيرهم.
ولعل ابرز فرقة شكلت في هذه المرحلة من تاريخ النشاط المسرحي في العراق هي (الفرقة التمثيلية الوطنية) التي اقترنت باسم الفنان الرائد حقي الشبلي، وقد تم تأسيسها في نيسان 1927.
لقد كان لهذه الفرقة دور كبير في انعاش النشاط المسرحي و توسيع رقعته، خاصة في النصف الأول من الثلاثينيات، عندما التف حولها العديد من الشباب الهواة، و امتلكوا خبرة اهلتهم فيما بعد، لتأليف فرق جديدة، ازدهرت طوال الثلاثينات و حتى قيام الحرب العالمية الثانية، حيث ساد الحياة الفنية سبات مؤقت.
ومن اؤلئك الفنانين يحيى فائق و عبد الله العزاوي و محمود شوكت و صفاء حبيب الخيالي و غيرهم من الذين ارادوا فرقا عدة، بينها كانت (الفرقة العربية للتمثيل) و (جمعية انصار التمثيل) و (فرقة المعهد العلمي).
و كما ذكرنا فقد كان للحرب العالمية الثانية، اثر واضح على مجرى حركة الفن في العراق، و خاصة المسرح، و ذلك من خلال انعكاساتها في عموم مرافق المجتمع العراقي و مفاصله. ومن نتائج ذلك توقف نشاط معظم الفرق التمثيلية التي كانت قد ظهرت في الثلاثينات.. لكن فناني الأربعينات لم ييأسوا، فقد شكلوا فرقا جديدة، نذكر منها:
1.(فرقة انوار الفن) التي كونها الفنان توماس حبيب و اخرون، و من نتاجاتها (مجنون ليلى) و (عبد الرحمن الناصر) و (الهارب البخيل) و (انتقام المهراجا) و (رصاصة في القلب) و (طعنة في القلب) و هاتان الأخيرتان من تأليف سليم بطي، احد الأسماء البارزة في النهضة الفنية العراقية، و قد كان مؤلفا و ناقدا و ممثلا.
2.(جمعية التمثيل و السينما) التي اغنت الحياة المسرحية بأنتاجاتها المتواصلة. مثل (لقيط الصحراء) و (ملاك في الجحيم) و (جريمة بلا عقاب) و (قلوب للبيع) و (بنت المهراجا).. و بعض هذه الأعمال من تأليف احمد مهدي..
3.(الجمعية الفنية للتمثيل و السينما) و كان من العاملين فيها عباس العبيدي، و زكي السامرائي و ابراهيم شاكر و هاشم الطبقجلي و من انتاجات هذه الجمعية (رسول النبي الى هرقل) و (الحجاج و الفتية الثلاثة) و (شهداء الوطنية) و (يوم الجلاء في سوريا) و (نهاية مجرم) و كان من كتاب الجمعية عبد الجبار شوكة النجار
4.(الفرقة الشعبية للتمثيل) التي تأسست عام 1947، و ضمت الدفعة الأولى من خريجي فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة، إضافة الى عناصر فنية أكثر وعيا من الذين عملوا في السابق في فرق اخرى.
ومن هؤلاء عبد الكريم هادي الحميد و عبد القادر توفيق و ابراهيم جلال و عبد الله العزاوي و صفاء مصطفى و عبد الجبار توفيق ولي و صبري الذويبي و خليل شوقي و عبد الستار توفيق و جعفر السعدي. وكانت باكورة ما قدمته هذه الفرقة عام 1948 مسرحية (شهداء الوطنية) للكاتب فكتوريان ساردو التي اخرجها الفنانان ابراهيم جلال و عبد الجبار توفيق ولي.
5. و من الفرق التي واصلت عملها خلال رحلة الأربعينات (فرقة يحيى فائق) التي ظلت تعمل منذ انحلال (الأتحاد الثلاثي) مع عناصر شابة تمتاز بالجرأة، و كان هذا الأتحاد قد تشكل اواخر الثلاثينات و من نتاجات الفرقة مسرحية (بيدبا) التي عرضت على مسرح صيفي، شيد خصيصا لهذا الغرض في جانب الكرخ.
6. كما ظهرت فرق اخرى، ذات طابع ترفيهي، مثل فرقة الزبانية التي اشتهرت خلال السنوات التالية بتمثيلياتها الأذاعية و التلفزيونية. و من فناني هذه الفرقة ناجي الراوي و حميد المحل و فخري الزبيدي و ناظم الغزالي و حامد الأطرقجي و محمود القطان.
7. و مع تلك الفرق و الجمعيات، عمل بعض الفنانين بصفتهم الشخصية، و خارج الأطر الرسمية، و من هؤلاء شهاب القصب و عبد المنعم الجادر و يوسف العاني الذي شكل له (جماعة جبر الخواطر) التي قدمت بواكير النصوص التي كتبها العاني في اواخر الأربعينات.
8. و في هذه الفترة، كثرت لجان التمثيل و الخطابة في المدارس العراقية، التي اسهمت هي الأخرى بتقديم العروض التمثيلية بأسم المسرح المدرسي. وقد تطورت هذه اللجان في السنوات اللاحقة و تحولت الى مديرية تابعة الى وزارة التربية، تشرف على مختلف النشاطات الفنية في مدارس العراق، وصار لها كتاب و مخرجون، ولها ايضا دور متميز يذكر في سياق الحركة المسرحية في العراق.
عن كتاب (الحياة المسرحية في العراق).