نازك العابد.. مناضلة بالسلاح والقلم

نازك العابد.. مناضلة بالسلاح والقلم

سهير الذهبي

ألقاب عديدة وصفت بها هذه المرأة الدمشقية... جان دارك الشرق.. نجمة ميسلون.. الوردة الدمشقية.. السيف الدمشقي المنسي... ورائدة تحرر المرأة السورية.

وفي الحقيقة فإن كل هذه الألقاب تليق بهذه السيدة, التي تحدت زمنها ومجتمعها وخرجت عن أعراف ذلك الزمان, ولم ترض بأن تبقى حبيسة جدران البيوت, فلم يستوعب أفعالها أبناء جيلها...

ومثلما يقال بأن لكل خطوة روادها , فقد كانت هذه السيدة رائدة تحرر المرأة في سوريا... كانت اول سورية تنزع الحجاب وتدعو الى تحرر المرأة , وتفتح الأبواب على مصارعيها أمام نساء سوريا, ليكن بدورهن من رائدات تحرر المرأة العربية.

هي نازك العابد, ابنة الباشاوات, وقائدة النهضة النسوية , المقاتلة , والكاتبة , والثائرة.... صاحبة الهم المجتمعي والسياسي والثقافي؟

رائدة من رواد فكرة المجتمع المدني والأهلي في سوريا, وواحدة من أوائل أصحاب الجمعيات والمنظمات , واحدى المشاركين في تأسيس الهلال الاحمر..

قاتلت المستعمر بالكلمة والسلاح.. فشاركت في صنع تاريخ بلدها.

ولدت نازك العابد في دمشق عام 1887 من أسرة دمشقية عريقة، والدها مصطفى باشا العابد من كبراء دمشق, متصرف الكرك, ووالي الموصل في اواخر العهد العثماني, ووالدتها السيدة فريدة الجلاد.

عاشت نازك حياة رفاهية وغنى, لا توحي بأي دافع لأي ثورة أو تمرد من أي نوع.. ولكنها رغم ذلك فضلت الانحياز الى معاناة شعبها والعمل من أجله.

تعلمت اللغات الاوروبية كالفرنسية والألمانية والإنكليزية, وكتبت في مجلات عربية رائدة كمجلة العروس (لصاحبتها ماري عجمي), ومجلة الحارس, مقالات نشرت فيها أفكارها التنويرية ودعواتها الى تحرر المرأة.

أرقها الشأن الاجتماعي العام , وشغل بالها وضع المرأة في زمانها, ولكن فوق كل هذا عذبها ان ترى رؤية بلدها يرزح تحت الاحتلال.

أرادت ان يكون لها دور في مجريات الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين ضد العثمانيين عام 1916 فأسست جمعية نور الفيحاء لمساعدة ضحايا الثورة..

ثم أصدرت مجلة نسائية تحمل اسم الجمعية خصصتها للدعوة الى نهوض المرأة وتثقيفها , وبعد ذلك أسست النادي النسائي الشامي الذي ضم نخبة سيدات دمشق..

منحها الملك فيصل ملك سوريا رتبة نقيب في جيش المملكة, لترتدي البذلة العسكرية وتشارك في معركة ميسلون وتنقذ الكثير من مصابي المعركة من رفاقها, ولتكون شاهدة على لحظة استشهاد وزير الدفاع البطل يوسف العظمة اثناء محاولاتها إنقاذه.

بعد انتهاء معركة ميسلون أصدر الفرنسيون قرارا بنفي نازك العابد إلى اسطنبول لمدة عامين, ولدى عودتها استأنفت عملها النضالي, فنفاها الفرنسيون مرة اخرى ولكن الى الاردن هذه المرة, ولم يسمحوا لها بالعودة الا بعد تعهدها باعتزال العمل السياسي, وهكذا عادت وأقامت في الغوطة, لتختلط بالفلاحين وتحضهم على الثورة ضد المستعمر الفرنسي.

عام 1925 وعندما اندلعت الثورة السورية كانت نازك احد ثوارها , قدمت الكثير للثورة وهي متنكرة بزي الرجال , وساعدت ثوار الغوطة كونها كانت خبيرة في جغرافية المنطقة التي كانت تقيم فيها.

عام 1929 تزوجت من الوجيه اللبناني محمد جميل بيهم وعاشت معه في بيروت, وكان بيهم ممثل بيروت في المؤتمر السوري الأول الذي انعقد في دمشق عام 1920 حين أعلنت المملكة السورية ونصب الملك فيصل ملكاً عليها..

في بيروت لم يتوقف همها الاجتماعي, فأسست جمعية المرأة العاملة، وميتما لتربية بنات شهداء لبنان..

وبعد نكبة فلسطين عام 1948 أسست نازك جمعية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.

في عام 1957. وعندما أصبحت في السبعين من عمرها أسست لجنة للأمهات تعمل على رفع مستوى الأم اللبنانية في كافة مجالات الحياة. وفي عام 1959 انتخبت نازك رئيسة لها.

في العام نفسه توفيت نازك العابد في بيروت عن اثنين وسبعين عاماً قضتها في النضال والدفاع عن الوطن, ورفع شأن المرأة ومحاولة فتح عيون بنات جيلها على الحياة والثقافة والسعي الى المساواة مع الرجل.. فكانت قائدة الحركة النسوية في سوريا.