أتباع رشيد القندرجي وأفول طريقتهم

أتباع رشيد القندرجي وأفول طريقتهم

د. حسين الاعظمي

لقد كان النتاج الفخم في تسجيلات المقام العراقي للمطرب الكبير رشيد القندرجي , مؤثرا جدا في اوساط المغنين المعاصرين و اللاحقين له.. انه المطرب الذي كان اسطورة في فنِّه المقامي , و قد بقي تأثير طريقته الغنائية في الاوساط المقامية زمنا طويلا..

و من اشهر اتباعها من المغنين المقاميين عبد القادر حسون , احمد موسى , الحاج هاشم الرجب , شهاب احمد الاعظمي، رشيد الفضلي، يونس يوسف، عبد الخالق صالح رحيم، سعيد دخان , حسقيل قصاب.. وغيرهم، رغم التحولات والمتغيرات التي حصلت لشتى مجالات الحياة، ورغم بداية شيوع شهرة محمد عبد الرزاق القبانجي وطريقته القادمة للمنافسة، في النصف الاول من القرن العشرين، وكذلك بالرغم من ان السلطة التأثيرية للطرق الغنائية القديمة.. والطريقة الرشيدية بالذات قد قلَّ اتباعها وافل نجمها في العقود الاخيرة من القرن العشرين.. إلا أن رشيد وطريقته لم يزل له تأثير لدى البعض من المغنين المقاميين الذين يروق لهم التغني بطريقته.. ونحن اذ نتحدث عن رشيد القندرجي وطريقة غنائه وفنِّه المقامي، فقد اطلقنا على طريقــته في الغـناء (الطريقة الرشيدية) نسبة اليه اولا ومصطلحا نتداوله في هذا الكتاب الخاص بفن رشيد القندرجي واسلوب طريقته، باعتبارها، خلاصة الطرق القديمة التي جعلها القندرجي مهذبة في شكلها ومضمونها الى اللاحقين من بعده..

ان من اسباب افول نجم الطريقة الرشيدية في النصف الثاني من القرن العشرين كما يبدو، هي التحولات والمتغيرات التي احدثتها تطورات العلوم الصناعية، لتمسي هذه الحقبة الزمنية الكبيرة، حقبة للتحولات بكل ما تعنيه هذه الكلمة (حقبة التحول) وفيما بعد حقبة للتجارب الفنية (حقبة التجربة) وهو ما اطلقناه على هذه الحقب من الزمن، ومن ثم ظهور الافكار الحديثة والجديدة والابداعات والتطورات التي كانت احد اسباب شيوع شهرة محمد القبانجي وشيوع طريقة غنائه التي اطلقنا عليها ايضا اسم (الطريقة القبانجية) لامتلاكها المقومات الفنية هي الاخرى لتمسي تيارا جماليا وذوقيا في الغناء والموسيقى المقامية في النصف الاول من القرن العشرين.. فالفارق الزمني بين ظهور رشيد القندرجي و محمد القبانجي رغم انه عدد من السنوات لاتتجاوز الخمسة عشر سنة , إلا أنه امسى في- حقبة التحول- زمنا ليس قليلا في عصر اصبحت السرعة سمته الأكثر حضورا، وكان كافيا ان يحدث تغيّرات وتحوّلات جمالية ذوقية في الغناء المقامي.. اذ لم تتح للقندرجي فرصا تسجيلية للمقامات العراقية بصوته، كافية عندما كان في ذروة نضوجه في السنوات الاولى من القرن العشرين , اذ لم تصل بعد، شركات التسجيل الصوتي الاجنبية الى بغداد في مداها الواسع.. وحيثما حل العقد الثالث والرابع من هذا القرن وقد وصلت الشركات الاجنبية لتسجيل تراث الشعوب الغناسيقي، كان القندرجي قد بدأ نجمه بالافول وبدأ صوته يصاب ببعض الخراب، بينما كان القبانجي في هذه الفترة بالذَّات قد واجه هذه الشركات وسجل لها الكثير من المقامات والاغاني العراقية وهو في ذروة نضوجه الفني في الغناء المقامي.. لذلك فقد كانت ظروف هذه الحقبة لكلا المطربين الكبيرين قد أثرت على نحو ما، سلبا على الطريقة الرشيدية بصورة عامة، في حين ساعدت هذه الظروف ايجابا على نجاح ورسوخ اسس الطريقة القبانجية ونجاح مؤسسها محمد القبانجي الذي فاق التصورات.. وعليه، فقد اخذت الطريقة الرشيدية فعلا بالاضمحلال.. خاصة وان تسجيلات القندرجي جاءت اكثرها بصوت مستعار استخدمه القندرجي نزولا عند ظروف قابليته التي اجبرته على التخلي عن طبيعته الغنائية وليس باختياره تم ذلك، وعليه فقد اشيع بين الاوساط المقامـــية والجماهيرية وبصورة واسعة جدا، ان القندرجي يغني بصوت وطبقة (الزير) ويقصد بهذا المصطلح بالصوت المستعار ولم يسجل بصوته الطبيعي إلا في بعض المقامات مثل مقام البيات المغنى بشعر غير عربي , وفي مقامات اخرى نجد مقاطع منها او اغلبها بطبقة صوتية منخفضة او في القرار عموما.. وكذلك جاءت تسجيلات اتباعه مفعمة بسمات طريقته واكثرها ميزة ذلك الغموض العام السائد، وتلك الادغامات في لفظ الكلمات ومخارج حروفها وعدم وضوحها عند الغناء والتي دحرتها الثقافة الجديدة لحقبة التحول حيث جاء القبانجي ليعلن عن هذه التحولات وبدء عصر ثقافي جديد للمقام العراقي وللحياة الغناسيقية في العراق برمته.. إثارة كافية، في حين ان تسجيلات القبانجي كانت غاية في الروعة والوضوح وبها وصل القبانجي الى قمة المجد المقامي في العراق.

عن (الطريقة القندرجية في المقام العراقي) الحلقة 7.