باتنجلي الهندي ..كتاب البيروني إلى الإنكليزية

باتنجلي الهندي ..كتاب البيروني إلى الإنكليزية

وضع العالم الجغرافي والفلكي المسلم أبو الريحان البيروني (973 - 1048) كتاباً بعنوان "باتنجلي الهندي في الخلاص من الارتباك" تضمّن خلاصة اطلاعه على مراجع عديدة تبرز محاور مشتركة بين التقليدين الصوفيين المسيحي والهندوسي والتفاعل المحتمل بينهما، محاولاً أن يقارنهما بـ التصوّف الإسلامي.

كان مؤلّفه جزءاً من سلسلة مؤلّفات أراد من خلالها نقل الحكمة الهندية إلى الثقافة العربية، فُقد معظمها ولم يصلنا منها شيء، حيث تعلّم اللغة السنسكريتية وقرأ بعض أمهات كتب الفلسفة فيها، لكن تواصله مع الفلاسفة الهنود أفاده كثيراً، حيث قدّموا له التفسيرات الواضحة والمحدّدة لمفاهيم وتنظيرات فلسفية عديدة.

صدرت حديثاً النسخة الإنكليزية من الكتاب عن سلسلة "مكتبة الأدب العربي" ضمن "منشورات جامعة نيويورك بترجمة وتحرير ماريو كوزاه، أستاذ الدراسات السريانية والإسلامية في "الجامعة الأميركية" ببيروت، والتي تشتمل على أفضل الدراسات المقارنة في الأديان والفلسفة.

يشير المترجم إلى دور البيروني في استيعاب وتفصيل الرياضيات والفلك والطب والتقاويم والتاريخ، واتصاله بالشيخ ابن سينا، حيث كانت بينهما مراسلات قيل إنها كانت ذات أثر في حياة البيروني العلمية، وبالرغم من أنه كان على صلة قوية بابن سينا والفارابي؛ إلا أنه كان في نزعته العلمية يعدّ حقاً تلميذاً للكندي والمسعودي.

ويقول البيروني في تقديم كتابه "وكنت نقلت إلى العربية كتابين: أحدهما في المبادئ وصفة الموجودات، واسمه "سانك" والآخر في تخليص النفس من رباط البدن ويعرف "باتا نجل"، وهذا الأخير هو الذي نقلب صفحاته، حيث يضم أكثر الأصول التي عليها مدار اعتقاد أهل الهند، دون فروع شرائعهم".

يضيف "باتا نجل هو مؤلف هندي عاش تقريباً حوالي سنة 300م، والكتاب الذي ألفه هذا العالم الهندي وترجمه البيروني اسمه "هوكا سوترا" وكلمة "جوكا سوترا" في اللغة الهندية القديمة معناها التصوف، والتصوف الهندي نوع من الزهد، الغاية منه الوصول إلى تلف الأعمال العجيبة المشهورة، التي منها رفع الجسم في الهواء، وتحريك الأشياء البعيدة، والدفن تحت الأرض لمدة طويلة. وأما كلمة "سوترا" فيقصد بها المتن الذي يحفظ، وإذاً يكون معنى "جوكا سوترا" متن التصوف، الذي ينبغي أن يحفظ".

اتبع البيروني في ترجمة هذا الكتاب طريقة السؤال والجواب اللذين تكررا سبعاً وثمانين مرة. وهو إلى هذا يصور فلسفة "جوكا" الهندية؛ وهي فلسفة دينية تقوم على أساس تعذيب الجسد في سبيل خلاص النفس، وطريق الخلاص كما رسمه "باتا نجل" في كتابه له خصال منها تسكين النفس والمقصود منها إيقاف إدخال الهواء وإخراجه، والجوكيون في الهند كما هو مشهور يدفنون أنفسهم في بعض الأوقات في الأرض، بعد أن يعطلوا حركة النفس، وتلك فلسفة الخلاص في الجوكية الهندية.

ومن الخصال المؤدية إلى الخلاص؛ التفكر، بحسب الكتاب، ويقولون فيه: "من أراد الاستتار عن الأعين، أدام التفكير في البدن، وما تصور به من حسن وقبح وطول وقصر هيئة، ودأب على غض البصر، وقبض حاسة العين، فإنه يخفى على الناس، كما أنه إذا أدام التفكر في الكلام وقبضه، خفى صوته، فلم يسمع، وإن جهر به". وهذا ما يسمونه التعويد، وهو طريقة من طرق الخلاص، فهم بتعويدهم التفكير في الجسم، وإطالة هذا التفكير تخفى ذواتهم عن الأعين، وكذلك بتعويدهم قبض الصوت يخفى صوتهم، فلا يسمع بالرغم من الجهر

· عن العربي الجديد