الروائية ابتسام عبدالله: أتعايش مع شخصياتي بمودّة!

الروائية ابتسام عبدالله: أتعايش مع شخصياتي بمودّة!

جاء في إحدى الدراسات المهمة التي تناولت نتاجات القاصة والروائية ابتسام عبدالله الآتي:

تعود أهمية المكان في فضاء الكتابة الأدبية بصورة عامة والكتابة الروائية بصورة خاصة إلى كونه معمارا" يضمن تماسك النص من حيث بنائه إلى جانب علاقته مع عناصر النص الأخرى (زمن، شخصية، رؤية..) فالمكان وإغناؤه و تأصيله،

هو من المحاور الأساسية التي تدور حولها نظرية الأدب، إذ نراه في الآونة الأخيرة لم يعد مجرد خلفية تقع فيها الأحداث الدرامية و لم يعد معادلاً كيانيا" للشخصية الروائية، بل أصبح ينظر إليه على أنه معمار رئيس تستنطق به و معه عناصر العمل القصصي، إذ غدا المكان في نصوص (الرواية الجديدة) قوة تحدِّد طبيعة و اتجاه النص الروائي.

و يبدو أن المكان أوسع من كونه حيزاً جغرافياً، فهو امتداد غير متناهٍ ينطوي على الحيز و يوازي الفضاء سعة، و لذلك كان المكان، هو الموضوع الذي رغبنا في أن نكتب فيه و عنه، من خلال اختيار روايات القاصّة (ابتسام عبد الله).

أما سبب اختيارنا روايات (ابتسام عبد الله) للدراسة فذلك يعود لأسباب منها:

رغبة منا في دراسة الأدب النسوي العراقي القصصي و التعرف على إبداعات المرأة العراقية في هذا الجانب، الأسلوب الذي امتازت به الكاتبة (ابتسام عبد الله)، فهو أسلوب حي و واقعي ومعاصر للمألوف في حياتنا، و من يقرأ رواياتها يشعر بقربه من الواقع المسرود.

أما السبب الثالث فقد كان في مصطلح (التأنيث) الذي اختارته الباحثة عنواناً لبحثها، إذ تجد في هذه المفردة القريبة من الأنثى رونقاً خاصاً تحمله الأنثى، فلمسة النساء في الأشياء لها رائحة نفاذة لا يعرفها إلاَّ من شعر بذوقها الرفيع، و تأنقها في تأنيث المكان، أينما حلّت و ارتحلت.

2

السبب الأخير، هو في قابلية الكاتبة في ولوج تقانات أو أبنية سردية متعددة و متميزة مما يجعلها تقف في عتبة دخول الرواية

العربية المتميزة بسردياتها، إذاً هذه الأسباب دفعتني لاختيار بحثي الذي حمل عنوان (تأنيث الأمكنة في روايات ابتسام عبدالله).

و من الدراسة الآنفة، أستطيع القول إن ابتسام عبدالله، تتدثر بالصمت في حرمة الإبداع المنزوي بعيدا" عن صخب الشهرة والتعارف، لا تسلم بأجواء العلاقات العامة، بقدر تواصلها مع الهم الإنساني، عنيدة في مقارعة الآراء المقابلة من دون تجريح، غزيرة في الإبداع الأدبي، رواية و قصة و ترجمة، تغوص في بحر الصحافة المتلاطم من دون التخلي عن نتاجها الإبداعي، و عند المفاضلة و الاختيار تقول، أنا كاتبة وحدت نفسها أولا" في الصحافة، ثم الرواية، ثم القصة القصيرة، أنا مزيج من الصحافة والرواية و القصة، هذا دون أن أتجاهل عملي الطويل في إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية، قل ابتسام عبد الله و ستجد أن البعض يفضل عملي في التلفزيون، و البعض الآخر في الصحافة، و فريق ثالث في الرواية و القصة، و أنا أجد في المرحلة الحالية الرواية الأقرب لي.

قبل ثلاثة عقود من الزمن كتبت عن رواية لها، و في أعقاب كتابتي هذه التقيت بها و قد دار نقاش قصير بيني و بينها عما كتبته و تناولته بعدما اعتقدت أن تناولي كان فيه بعض القسوة، بيد أني وضحت وجهة نظري في هذا الجانب، و قد تقبلت توضيحي و في نفس الوقت أصرت على اعتقادها، و ما أريد قوله في هذه الكتابة أن ابتسام عبدالله وجدتها بعد عودتي إلى الوطن من منفى امتد إلى ما يقارب الربع قرن، كاتبة أكثر عنفوانا" وغزارة في الكتابة الروائية و القصصية و الترجمة، إلى جانب عملها في الصحافة.

هذه الكاتبة في أعمالها القصصية و الروائية و حسبما التقطه النقاد، ذات سمات خاصة تشي بالمرأة داخلها، و تقدم الرجل على مائدتها برؤية أخرى، تنتمي إلى فن روائي راق، أكثر من انتمائها إلى الصراخ الذي تنتهجه بعض الكاتبات العربيات، بحثا" عن دور يبدو أنه لم يولد بعد، انهمكت في الوسط الثقافي العربي على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، حفرت خلاله موضعها بصبر و أناة، و هي بالتالي امرأة و كاتبة من صنف متفرد في الإخلاص و الانتماء لذاتها أولا"، فبرغم كل ما تعانيه كأديبة ما تزال تصر على البقاء في بغداد، فهي تكتب و تتواصل مع حركة الإنجاز الإبداعي بروح نبيلة و نقية.

و عندما تسألها عن حالة التأمل و الصمت التي تعيشها كأسلوب حياتي و ذاتي، و هل هذه الحالة تتمثل أو تتجسد في أعمالها؟

3

تقول، من خلال الرواية أتأمل أعماق الإنسان و انفعالاته وأحاسيسه المختلفة، و أشعر في خلال فترة الكتابة بأنني أفعل

شيئا"، و أخلق على الورق شخصيات تبدو غريبة بالنسبة لي في بادئ الأمر، و لكنني بعد أسابيع و أشهر أتعرف على دقائق

حياتها و أتعايش معها بمودة حتى أنتهي منها و أتخلى عنها تدريجيا".

ابتسام عبدالله تنأى عن المقارنات بين الجنسين و لا تحبذها، وكذلك عن شهرة الأسماء في التقييم و التقديم و إعطاء الأفضلية بقولها، لا أحب مقارنتي بأية كاتبة بل مع الأدباء من الجنسين، ففي المسابقات الأدبية مثلا" لا يتم اختيار أفضل كتاب على أساس جنس الكاتب بل لأفضلية الكتاب.

كما أنها لا تميل إلى تصنيفات الأدب من على شاكلة أدب نسوي وأدب ذكوري عندما تشير إلى، أن هناك سمات خاصة لأدب المرأة فهي تختار موضوعات تدل عليها أحيانا"، لكن ذلك لايعني حصرها في تلك التسمية، ذلك ان القضايا الإنسانية واحدة ويمكن تناولها من قبل الرجل والمرأة معا"، كما يمكن للرجل الكتابة عن أحاسيس المرأة، يمكن للمرأة الكتابة عن الحرب أو العنف و ماشابه.

المرأة إنسان و ليس مجرد مخلوق جميل..، و أنا لا أحب النظر إلى المرأة من خلال مظهرها و جسدها بل أستنكر بشدة استخدامها كرمز للإيحاء الجسدي و أفضّل صيانتها.

وفي أحاديثها و أجوبتها لهذا السائل أو ذاك تشكو الكاتبة جانب محن و مشاكل الأديب العراقي بالقول، مشكلة الرواية العراقية تتركز في إغلاق أبواب النشر والتوزيع أمامها، إذ ابتلي الكاتب العراقي خلال العقود القديمة بحروب و حصار و مازالت سدود وحواجز عالية تحول بينه و بين الانتشار عربيا" و عالميا" إذ لا يحصل على تأشيرة دخول الأقطار العربية بسهولة، بل انه شبه ممنوع من ذلك حتى و إن كان ينوي حضور مؤتمر ما مثلا".

إن الحس الإبداعي يتوازى مع الحس الإنساني لدى هذه الكاتبة المبدعة و الأثيرة إلى نفوس من يعرفونها عن قرب أو كثب أو على تماس كانوا معها في يوم ما، و لها الكثير من المواقف الإنسانية والمبدئية، حتى أنها في إحدى وقفاتها المشهودة، كادت أن تعرّض حياتها للخطر، عندما دانت علنا" مشهدا" بربريا" في حقبة النظام السابق، و بهذا التطويع الإنسانوي الصارخ للمرأى الحي ّ، انتقلت من الهاجس المضموم، إلى الموقف الإبداعي المجسد و المنتفض مع الهم المعاش و المتداعي!.

و لهذا، ففي إحدى الندوات التي أقامتها (مؤسسة حوار العرب) في بيروت في العام 2006، بشأن النتاج الأدبي العراقي، تحدثت بإسهاب عن ابتسام عبدالله و عالية طالب، حتى اعتقد الحضور.

4

أني قريب لهما، بيد أني نوّهت بأن قربي هذا (حسبما تتصورونه) مستمد من إبداعهما و إنسانيتهما، لأن الإبداع يخلقه الإنسان

، و بالتالي لا إبداع" من دون الإنسان!.

هذا جانب في مرآة الكاتبة ابتسام عبدالله التي تنوء بحمل الإبداع و بصبر المتأملة في شواطئ الروح، تأمل في هذا المدى المتسع في الغوص إلى الأعماق، تارة تطفو على سطح الأمل والتشبث، و تارة أخرى تغرق في استكشاف البواطن، ربما تصعد سريعا"، و ربما أيضا" تستكين في الانزواء، شوقا" إلى استيلاد خيال، يرفعها إلى الكتابة من جديد!

إذاً، ابتسام عبدالله، للعلم و التذكير، من جيل امتهن السياسة بشكل طاغ، حتى غدا نتاجه الأدبي منزويا" و متسترا" وراء هذا الامتهان أو المهنة، لكنها على عكس هذا الجيل تماثلت و لا أقول تعشقت مع منجزها في القصة و الرواية و التعريب و العمل الإعلامي، فكانت بحق أديبة من دون سياسة، أديبة و إنسانة، وهذا هو أوج الاقتران!، بل و المهم أنها تتواصل كشمعة تشتعل من ذوبانها!

الحوار نشر في صحيفة المدى 2011