(المقال مهدى الى الاستاذ كريم راهي)
رفعة عبد الرزاق محمد
في حديث ماتع مع الاستاذ الفاضل كريم راهي كنا نزجي فيه القول ونحن على محمل السفر ، ومن ذلك الحديث ، المعركة الادبية التي جرت في عام 1932 بين شاعرين ، هما من اعمدة الشعر الشعبي العراقي ، عبد الكريم العلاف والملا منفي عبد العباس ، حول نسبة قصيدتين جرى القول على انهما للشاعر العلاف ،
واصبحتا على كل لسان بعد ان غنت الفنانة القديرة سليمة مراد احداهما ، وذاعت بين الناس ذيوعا كبيرا . وكنت في ثمانينيات القرن الماضي اكتب في جريدة (الاتحاد) شوارد من تاريخنا الاجتماعي المنسي ، وكانت قضية المعركة بين الشاعرين من تلك الشوارد .
في الستينيات عادت هذه المعركة على صفحات الصحف والمجلات بعد ان نشر الاستاذ علي الخاقاني صاحب حلقات (فنون الادب الشعبي) وهي موسوعة في فنون الشعر الشعبي العراقي ، في مجلة بغدادية اسمها (المناهل) اصدرها السيد عبد الرزاق بستانه مقالاعن الشاعر الشعبي الكبير الملا منفي عبد العباس في العدد 17 الصادر في العاشر من كانون الثاني 1964 ، ونسب اليه قصيدتين مشهورتين للشاعر الكبير عبد الكريم العلاف هما (كلبك صخر جلمود) و (مكدر اكولن آه خوفي الفضيحة) ،والمعروف ان هاتين القصيدتين من اشهر قصائد العلاف المغناة في الثلاثينيات من القرن الماضي ، وكان هذا الامر موضع استياء العلاف المعروف بهدوئه وبساطته ، الا انه هاج وزمجر وكتب مقالة شديدة اللهجة الى صاحب مجلة (المناهل) تضمنت بعض الذكريات الادبية الطريفة الجديرة بالتنويه، وكان العلاف من كتاب هذه المجلة ، فنشرها بستانه كاملة واليك نصها .
السيد عبد الرزاق بستانه صاحب مجلة المناهل الغراء المحترم
بعد التحية
ارجو نشر ما يلي عملا بحرية النشر ولكم مزيد الشكر والامتنان
قرأت في العدد السابع عشر بمجلتكم ما كتبه الاستاذ علي الخاقاني تحت عنوان (دراسات) في الادب الشعبي ويعني بها ملا منفي عبد العباس ونسب اليه اغنيتي التي نظمتها عام 1931 وهي:
كلبك صخر جلمود ما حنّ علي انت بطرب وبكيف والبيه بيه
واغنيتي التي نظمتها عام 1932 وهي:
مكدر اكولن آه خوفي الفضيحة لاجن اصبر الروح وابكه طريحة
وكنت اود ان لا ارد عليه متمسكا بقول من قال (اذكروا محاسن موتاكم)ولكنه (احرجني فأخرجني) ، وان تلك الدراسات لم تكن دراسات ؟ وانما هي ذكريات . ومن الذكريات ما تبعث في النفوس آلاما مبرحة ، ومنها ما يحن اليه المرء ويتمتع باستعادته ! ومن العجب ان النفس كثيرا ما تطرب حتى للذكريات المؤلمة ، اذ تستعيدها مرارا وتطيل فيها التأمل والافتكار ! وعليه اقول:
ان من اظهر صفات المرء الذي يجهل الحقيقة ان يتسرع في الحكم على اشياء، ويظهر ما يبدو له بلا روية ولا تفكير ، وسبب ذلك انه ياخذ الامور بظواهرها ، وما ظرّ الاستاذ الخاقاني وهو البحاث في الادب الشعبي بلا منازع ان يمد بصره قبل ان ينشر مقالهوينظر مجموعتي (الاغاني والمغنيات)مثلما مدّورأى كراسة (الفراتيات)ليتحقق لدجيه ان ملا منفي تجرأ جرأة غير ادبية ونسب اليه اغنيتي (كلبك صخر جلمود)و (مكدر اكولن آه)، وكنت على علم ان ذلك حقدا من منفي وسببه مناصرتي للشاعر الشعبي المرحوم الشيخ فليح الحلي حول قصيدته التي مستهلها:
خل ليله ابهواها لا تعنفها حليفة شوك والتعنيف يجلفها
التي كان منفي يدعي انها من نظمه .
وما فتيء ذلك الحقد تغلي مراجله في قلبه حتى اصدر كراسته (الفراتيات) وفيها كتب ما املى عليه حقده ونسى (ان الحقد يعلو ولا يعلى عليه)، ولما اطلعت على ما جاء في كراسته اقمت الدعوى عليه في محكمة جزاء بغداد ، وعين يوم 10ــ 12ــ 1932 للمرافعة ، ولدى المرافعة اجلت الدعوى لاهميتها الى يوم 28 ــ 12 ــ 1932 ، وقبل المرافعة الثانية بيومين تألب الناس عليّ واحاطوا بي من كل جانب وفي طليعتهم صديقي المرحوم الاستاذ روفائيل بطي صاحب جريدة البلاد واصرّ على ان اترك الدعوى ولبيت طلبه على ان يكتب لي كتابا يتنازل فيه عن كل ما بدر منه في (الفراتيات) نحوي وان اجيبه عنه ويطبع كتابه مع الجواب في كراسته الثانية المعدة للطبع ، فكان الرضا ، وكان عدم طبع كتابه مع الجواب بكراسته ، ولذلك نشرت كتابه والجواب عليهفي مجموعتي (الاغاني والمغنيات) المطبوعة الطبعة الثانية بمطبعة الايتام عام 1933 واليك نص الكتاب مع الجواب المحفوظ لديّ بخطه وإمضائه:
الى الاخ عبد الكريم العلاف المحترم
اني تعرضت بكم في كتابي المعنون (الفراتيات) ولي امل ان تعفوا وتصفحوا عما جاء فيه من زلل وخطأ نشدانا للاخوة التي فقدتها من جراء ذلك الخطأ الذي صدر عن حسن نية وسوء تفاهم هذا وفي الختام ارجو الصفح عما بدر مني بكل جهة في الفراتيات ،كما ارجو قبول المعذرة والعذر عند كرام الناس مقبول اخي الكريم .
في 26 ــ 12 ــ 1932 الامضاء: منفي الشيخ عبد العباس
الجواب الى ملا منفي:
وردني كتابك وفيه كفاني اعترافك بيالخطأ الذي صدر منك تجاهي ، ولا يهمني من اغراك فاستملك حواسك وتغلغل في مواقف الضعف من قلبك حتى خدعكمن نفسك فراح يفتر عن ثغر باسم ورحت تقرع سن نادم . وثق لولا كلماتك الاخيرة بكتابك هذا لما تنازلت عن دعواي التي اقمتها عليك في محكمة جزاء بغداد . نعم ، اما انا فقد عفوت عنك وسامحتك عما بدر منك ، ولكن ما عذرك تجاه خطيئة اخرى كبيرة وكبيرة جدا جاءت في فراتياتك وهي وضع قصيدة من نظمك في رثاء سيد الشهداء الحسين (ع) بين اغاني الراقصات ! ورثاء الحسين اجل من ان يوضع بينها وهو كما تعلم عنوان بيت المجد والشرف فسامحك الله على هذه الزلة وعوض لك ما خسرت يا منفي ؟ والسلام.
هذا ما اردت بيانه إظهارا للحقيقة ، لم ارد به تبجحا ولكن خدمة للتاريخ .
27 ــ 12 ــ 1932 عبد الكريم العلاف