عطا ترزي باشي 1924-2016 وتوثيق تراث وتاريخ كركوك الحديث

عطا ترزي باشي 1924-2016 وتوثيق تراث وتاريخ كركوك الحديث

د.ابراهيم خليل العلاف

مؤرخ، وكاتب، وباحث، وشاعر من كركوك، ابتدأ الكتابة منذ اواسط الاربعينات من القرن الماضي، وكانت كتاباته الاولى، كما يقول صديقه ومجايله الاستاذ وحيد الدين بهاء الدين، تنصرف لمتابعة موضوعات تتعلق بتراث كركوك، وتاريخها، ومبانيها، ومدارسها، وجوامعها، وقشلاتها (المدنية والعسكرية) من قبيل مقالاته عن (حالة المدارس في كركوك)، و (عمارات المعارف في كركوك)، و (جسر كركوك)، و (شركة النفط في كركوك) و (قشلة كركوك القديمة)..

ولم يقف عطار ترزي باشي عند تلك الموضوعات، بل اتسع اهتمامه ليتناول موضوعات تتعلق بجغرافية كركوك، وتركيبتها السكانية، واوضاع الصحافة والادب والفن فيها، وقبل فترة خرج علينا بموسوعته الموسومة (شعراء كركوك) وكتابه (التاريخ الشعري للعمارات والمؤسسات بكركوك). ويقصد بالتاريخ الشعري هنا التأريخ بحساب الجمل المعروف في العصور الاسلامية.

ان عطا ترزي باشي، في توثيقه لاصول كركوك وجذورها الضاربة في اعماق التاريخ والحضارة، وباللغتين العربية والتركمانية، يقول الاستاذ وحيد الدين بهاء: ((أصيل أصالة كركوك كيانا ووجدانا وزمانا ومكانا، واقعا وطابعا، كركوك هذه الحاضرة التاريخية هي موطنه وموطن أبائه، نبع الهامه، يستمد منها القوة والقدرة))، لذلك شغلت (كركوك) مساحة واسعة في فكر وذهنية وهواجس هذا المؤرخ، كما شغلت (الموصل) من قبل فكر وذهنية وهواجس المؤرخ سعيد الديوه جي.

عمل عطا ترزي باشي في الصحافة، وكتب لها منذ الاربعينات من القرن الماضي. وقد حظيت (جريدة كركوك) بالقسط الاعظم من مقالاته ودراساته، فلقد بلغ عدد ما نشره في هذه الجريدة، على سبيل المثال، (28) مادة باللغتين العربية والتركمانية. ولم تكن المقالات تقليدية، وانما كانت متطورة تدعو الى التحديث والتغيير، وتركز على ضرورة تطوير كركوك وتغيير احوالها العمرانية وجعلها مدينة تليق بتاريخها وارثها الحضاري الموغل في القدم.

بعد ثورة 14 تموز 1958 أصدر في كركوك، وعدد من زملائه في الاشهر الاولى من الثورة، جريدة جديدة باسم (البشير)، وكان الى جانبه كل من حبيب الهرمزي، ومحمد الحاج عزت، وجاء في ترويستها انها جريدة ادبية ثقافية ناطقة باللغتين العربية والتركمانية. وقد تولى عطار ترزي باشي تحرير القسم التركماني، وصدر العدد الاول من الجريدة في 23 ايلول 1958، وكان صاحب امتيازها (محمد امين عصري) وسكرتير تحريرها عطا ترزي نفسه، ثم انضم الاستاذ الاديب وحيد الدين بهاء الدين الى هيئة تحريرها وكانت الجريدة تطبع في كركوك، وصدر منها (26) عددا خلال الستة اشهر التي اعقبت الثورة. وأولت الجريدة اهتماما بكركوك وتراثها وتاريخها، لكنها نشرت مقالات لم ترض السلطة الحاكمة انذاك، فصدر أمر الحاكم العسكري العام احمد صالح العبدي بأغلاقها. وفوق هذا تعرض رئيس تحريرها عطا ترزي باشي الى الاعتقال ثم اطلق سراحه بعد ذلك.. ويبدو ان التصاقه بهموم بني جلدته التركمان والتعبير عن مشكلات مدينته وشعبه وبلاده كانت وراء المشاكل التي تعرض لها.

مارس عطا ترزي المحاماة، وتولى رئاسة (غرفة المحامين) في كركوك التابعة لنقابة المحامين العراقيين فترة من الزمن.

ولد عطا ترزي باشي سنة 1924، واكمل دراسته فيها، ثم ذهب الى بغداد ودخل كلية الحقوق (القانون حاليا) في جامعة بغداد وتخرج فيها.. ولم يمارس المحاماة بعد تخرجه كثيرا بل انغمس في عالم الصحافة والتأليف والبحث في التأريخ والتراث.

كتب الاستاذ نصرت مردان في الحوار المتمدن (العدد 728) 29 كانون الثاني 2004 مقالا عن عطا ترزي بعنوان: ((عطا ترزي باشي (يوثق) تاريخ الطباعة والصحافة في كركوك 1879 ـ1985)) قال فيه ان الباحث القدير الاستاذ عطا ترزي باشي يعد مؤرخا رائدا، ومما كتبه، مقالاته ودراساته ومؤلفاته التي وثق فيها لتاريخ الصحافة الكركوكية وبواكيرها الاولى..

ولعل من اولى مقالاته في هذا المجال مقالته الموسومة: ((الصحافة عندنا)) في صحيفة الشورى يوم 22 تشرين الثاني 1947، وفي تموز 1952 كتب سلسلة مقالات عن ((تاريخ الصحافة في كركوك)) في جريدة كركوك. وخلال المدة من 1959 حتى 1963، كتب مقالات عديدة عن الصحافة الكركوكية في صحف ومجلات عراقية وعربية من ابرزها مقالته عن: (تاريخ الطباعة في كركوك) نشرتها له مجلة (الثقافة الجديدة) البغدادية يوم 1 كانون الاول 1962 و(تاريخ الصحافة في كركوك) نشرتها مجلة المكتبة التي كانت تصدر عن مكتبة المثنى ببغداد (عدد حزيران 1963). و(في تاريخ الرقابة على الصحف) التي نشرتها له (مجلة الحديث) السورية سنة 1959.

كما اهتم عطا ترزي بالشعر والشعراء، وفي موسوعته ((شعراء اربيل في القرون الثلاثة الاخيرة))، أرخ لسير وقصائد (48) شاعرا تركمانيا منهم الشعراء عبد الله افندي وعبدي ماثل وعبد الله نامي وغريبي يوسف افندي اربيللي، وعبد الجبار كاني، وعبد الله غوثي، ويحيى نزهت،وكمال صفوت، ومحمد سعد بن محمد سعيد النقشبندي، وابنه الشيخ علي، وابراهيم حقي حيدر، ومحمد حمدي، ويونس ناجي، وصنعان احمد، ونسرين اربيل، وجرجيس باغجه جي، وعدنان قصاب اوغلو، ومحمود قصاب اوغلو، وشمس الدين ولي، وعثمان اغا العثماني، وعبد الله (قاصد)،وحافظ، واغا حاج قاسم دزدار، وخضر محمد، وسداد اربيللي، ومحمد حرابي، وملا ياسين، واحمد ثريا، وعبد الرزاق اغا.

من كتب عطا ترزي باشي المنشورة (موسوعة شعراء كركوك) كركوك شاعر لري (10 اجزاء) و (تاريخ الصحافة والمطبوعات في كركوك 1879 ـ1985) (كركوده باصين ومطبوعات تاريخي)، وكتاب(اغاني كركوك (خويرات كركوك)، وكتاب الامثال الشعبية في كركوك (كركوده اسيكر سوزي) وكتاب (الانغام الكركوكلية) (كركوك هوالري) وكتاب (كركوده عماره وتأسيسلرك، منظوم تاريخلري، (كركوك، 2005). وليس من السهولة رصد كل ما كتبه عطا ترزي باشي فذلك يحتاج الى وقت وجهد وتخصص في علم المكتبات لكن جمع ما كتب يظل ضرورة يحتاجها الباحث وعسى ان يتصدى أحد تلامذته أو اصدقائه لهذا المشروع العلمي الكبير والذي نحا فيه عطا ترزي باشي نحو العلماء والمثقفين العراقيين الذين حرصوا على كشف مكنونات تاريخ وتراث بلادهم دون ان يكون لديهم اي هدف اخر فاستحقوا الذكر والتقدير.

لقد كرم الاستاذ عطا ترزي باشي مرات عديدة داخل بلده وخارجه وكان آخر ما كرم به منحه شهادة الدكتوراه الفخرية من(جامعة فوكتور) الاذربيجانية العالمية يوم 8 تشرين الاول 2007 تقديرا لما اسداه من خدمات للثقافة التركمانية خصوصا وللثقافة العراقية عموما.

توفي في كركوك بعد صراع طويل مع المرض يوم 31 آذار -مارت سنة 2016. رحمة الله عليه وجزي خيرا على ماقدم لوطنه ومدينته.