من أيام بغداد المثيرة في عهد  السلطان عبد الحميد الثاني

من أيام بغداد المثيرة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني

إعداد: ذاكرة عراقية

في سنة 1876 تولى السلطان عبد الحميد الثاني مقاليد السلطة في الدولة العثمانية خلفا لأخوه السلطان مراد وكان والي بغداد أثناء تولي عبد الحميد الحكم هو عبد الرحمن باشا وفي سنة 1877 نقل هذا الوالي إلى ديار بكر وحل محله في الولاية عاكف باشا.

وفي سنة 1878 عين قدري باشا واليا على بغداد ولم يمض على تعين الوالي الجديد سوى ثمانية أشهر حتى عين بمنصب وزير الداخلية لدى الدولة العثمانية. تولى عبد الرحمن باشا منصب والي بغداد بعدها وفي عهده حدثت مجاعة كبرى في المناطق التي تعرف حاليا بالعراق وقد سميت تلك السنة ببغداد بسنة البرسيمة وذلك بسبب إن كثيرًا من الأكراد قد جاءوا إلى بغداد هربا من المجاعة وهم يصرخون برسيمة برسيمة أي جوعان باللغة الكردية. وقد عزل الوالي عبد الرحمن باشا في سنة 1880 بعد فشله في حل قضية ثورة آل السعدون في الجنوب وحل محله في الولاية الوالي تقي الدين باشا. أحيل تقي الدين باشا إلى التقاعد في عام 1887 وحل محله في منصب الولاية الوالي مصطفى عاصم باشا وقد دامت مدة ولايته زهاء ثلاث سنوات كانت مليئة بالإحداث. تولى سري باشا منصب الوالي في سنة 1890 خلفا لمصطفى عاصم باشا وكان عهد هذا الوالي من أبشع العهود من حيث انتشار ظاهرة الرشوة والمحسوبية والتفسخ لدى مؤسسات الدولة في بغداد. وكما تميز عهد سري باشا باضطهاد البابيين فقد نفي رئيس الطائفة البابية في بغداد الحاج محمد حسين الأصفهاني إلى الموصل في سنة 1891. وفي 1891 تبادل كل من حسن باشا والي ديار بكر مع سري باشا على أن كل منهما يحل محل الآخر في ولايته وقد دامت ولاية حسن باشا قرابة خمسة اعوام وفي عام 1896 عين عطاء الله الكواكبي واليا على بغداد وقد دامت مدة ولايته قرابة ثلاثة أعوام وفي عام 1899 عين والي طرابلس الغرب نامق باشا والذي لقب بالصغير للتميز بينه وبين والي بغداد الأسبق نامق باشا (الكبير). حاول هذا الوالي بالتشبه بوالي بغداد الأسبق مدحت باشا من خلال قيامه بالكثير من الإصلاحات في الإنشاء والتعمير. بعدها تتابع الولاة في حكم بغداد وفي أواخر شهر أذار من سنة 1907 حدث في بغداد فيضان هائل والذي لم تشهد له بغداد مثيلا منذ زمن بعيد. وقد سمي ذلك العام بعام الفيضان. وفي سنة 1908 أعلن عن الدستور العثماني وقد إعلان الدستور هذا أدى إلى تغيرات كبيرة لدى المجتمع البغدادي.

ولاية عاصم باشا

في أيام هذا الوالي ظهر صراع بينه وبين نقيب أشراف بغداد السيد سلمان الكيلاني. وسبب هذا الصراع هو إن الوالي كان من اتباع أبو الهدى الصيادي رئيس الطريقة الرفاعية ولما كان للكيلاني حظوة لدى السلطان فأدى هذا الأمر غلى نفور أبو الهدى الصيادي. وقد عانى السيد سلمان الكيلاني طوال المدة التي كان فيها مصطفى عاصم باشا واليا على بغداد. وفي صيف 1889 ظهرت الكوليرا في العراق وقد هرب الموسرون والحكام والأجانب من بغداد متجهين نحو البراري حيث خيموا هناك وقد استمر الوباء ثلاثين يوما ثم أخذ يتضائل تدريجيا شيئا فشيئا. وكان عبد الله إبراهيم سوميخ وهو رئيس الحاخامات اليهود ولم يشأ اليهود دفنه في مقابرهم العامة والتي كانت تقع في الجهة الشرقية من بغداد وقد حصل اليهود على إذن من الوالي بدفن الحاخام عند مرقد النبي يوشع. ولكن عندما أراد اليهود فتح باب المقبرة عارضهم السادن وتطور الأمر إلى مشكلة كبيرة بين المسلمين ومعهم رئيس بلدية الكرخ عبد الله الزيبق وبين اليهود يساندهم أمير اللواء سعيد آغا حيث قاموا بكسر باب المرقد ودفنوا الجثة داخل السور المحيط بالمرقد وعندما علم الوالي بالامر أمر بالقاء القبض على رئيس الحاخامات ورفقاؤه الذين كانوا معه وحبسوا في الكنيس. وقد انتشر هذا الخبر في أوروبا وثارت ضجة حوله وقد طلب الوالي مصطفى عاصم باشا من السلطان عبد الحميد الثاني بإخراج جثة الحاخام من مدفنها ودفنها في مقبرة اليهود العامة وقد وافق السلطان بهذا الاقتراح وتم نقل الجثة في ليلة يوم 11 كانون الأول من نفس السنة وفي اليوم التالي غادر الوالي مصطفى عاصم باشا بغداد حيث تم نقله إلى ولاية أخرى.

قضية الشاب الألماني

كان هناك شاب ألماني يسكن بغداد يدعى ريتشارز وكان هو من أسرة ألمانية نبيلة وفي سنة 1894 قامت إحدى العوائل المسيحية برفع دعوى على هذا الشاب بحجة إنه لاط بغلام لها كان تلميذا في مدرسة الأباء الكرمليين. وقد انقسم المجتمع البغدادي حول هذه القضية إلى فريقين فوقف فريق منهم إلى جانب الشاب الألماني بينما وقف فريق آخر ضده حيث أثبت الفحص الطبي بأن الغلام سبق اللواط معه من قبل. وقد أستآءت الحكومة الألمانية في هذه القضية ضد هذا الشاب فقامت بتعيين ريتشارز قنصلا لها ببغداد للبرهنة من إن ريتشارز بريء من هذه التهمة. وكان بذلك أول قنصل لألمانيا في بغداد.

بغداد بعد إعلان الدستور

شكل إعلان عن الدستور العثماني لأول مرة في 23 تموز 1908، تغيرا جذريا كبيرا لدى المجتمع البغدادي، وقد أدى هذا الأمر إلى تحرر الكثير من الشبان من القيود التقليدية متمثلة في أمور ثلاث وهي:

1. كثرة انتشار الأسلحة.

2. انتشار الملاهي.

3. كثرة إصدار الصحف والمجلات وبروز ظاهرة الشتائم الصحفية.

بعد إعلان الدستور قامت جمعية الاتحاد والترقي بفتح مقرات لها في جميع المدن العثمانية وكانت بغداد من بين هذه المدن التي افتتح فيها مقر للجمعية وقد كان يرأس الفرع مراد بك سليمان فأصدر صحيفة بغداد وقد كان من بين أعضاء الجمعية في بغداد كذلك الشاعران المعروفان جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي. وفي 13 تشرين الأول 1908م/ 17 رمضان 1326هـ، دخلت جماعة من الاتحاديين إلى جامع الوزير والذي كان يقع باتجاه السراي الحكومي وكان المصلون فيه يؤدون صلاة العصر وقرأ معروف الرصافي بيانا لجمعية الاتحاد والترقي كانت قد أرسلته من مقرها في سلانيك إلى بغداد. وانتشرت الإشاعات المختلفة في بغداد حول هذا الأمر وفي اليوم التالي خرجت مظاهرة في بغداد تنديدا بهذا الأمر وحصلت خروقات كبيرة أثناء المظاهرة حيث نهب كل ما كان يقع بأيدي المتظاهرين وقد حاول والي بغداد آنذاك ناظم باشا تهدئة الموقف وأرسل إلى المتظاهرين بعض أعيان بغداد بغية إقناعهم وبعدها قام الوالي بإلقاء القبض على كل من عبد اللطيف ثنيان ومعروف الرصافي لتسكين المتظاهرين. وحقق معهما ومن ثم أطلق سراحهما بعد ثبوت عدم صحة ماشاع عنهما من قبل المتظاهرين. وفي خريف عام 1908 جرى انتخاب المبعوثين (النواب) في كافة الولايات العثمانية ففاز من مدينة بغداد كل من إسماعيل حقي بابان وعلي الآلوسي وساسون حسقيل.

كتبت النبذة اعتمادا على الجزء الثالث من (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) للدكتور علي الوردي.