فنان من بلاد الرافدين

فنان من بلاد الرافدين

هادي الخزاعي

بلا عناء هكذا اوجز سلالم انطباعاتي عن هذا الفنان المغروس في حقلي المسرح والعراق كنخلى باسقة دائمة الخضرة والعطاء.

اديب القليه جي هذا الفتى الموصلي الجموح المبتلى بالطموح وبوعي بنو جيله من مثقفين. هجر الموصل وحدبائها ليستقر في الناصرية زمنا كمصور شعاعي تارة وفنان مسرحي تارات كثيرة. وفي هذا الخضم استقر مقامه في بغداد ليراوح بين الوظيفة والعمل الصحفي الذي مارسه في سنوات ميله الأبداعي الأولى منذ بداية ستينات القرن المنصرم، سيما وأن موجه العداء للواجهات التقدمية قد انطلق اوارها بعد انقلاب شباط الأسود عام 1963 الذي خنق قادته كل نفس يجنح الى الخير والوعي لتشمل هذا الموصلي الجانح نحو شواطي المحبة عبر عمله الأبداعي.

وفيما هو يتنقل من فرقة الى اخرى كان عطاءه قد استقر في فرقة اليوم. وهو بهذا الترحال ليحط على شجرة باسقة هي فرقة مسرح الصداقة التابعة للمركز الثقافي السوفيتي الذي غزا ارادات الشبيبة من كل الأعمار، فكان هذا المكان صرحا يكتض بهم: فكان الكتاب والفلم والموسيقى والرياضة والشطرنج والمسرح هبة هذا الأشعاع الثقافي.

كان الفنان القليه جي قد تبنى ادارة فرقة مسرح الصداقة التابعة للمركزكمخرج ذو ميول حداثية في فن المسرح، فقدم من الأعمال الشابة التي بز بها القمم اخراجا فتراب لطه سالم وسيرة اس لبنيان صالح والغضب لعادل كاظم وعديد من اعمال مختلفة لكتاب من بقاع الأرض، وكانت اجراس الكرملين عملا متميزا شاهدنا من خلاله لينين بشحمه ولحمه وقد تأبط شخصيته الكاتب المسرحي الدكتور نور الدين فارس الذي كان يمثل لول مرة. ولعل للفنان الماكيير بوسف سلمان دورا في ترتيش ملامح لينين على وجه نور الين فارس، فكان سبحان المستنسخ.

لأديب القليجي فضل في عدم توقف الأحتفاء بيوم المسرح العالمي في العراق عندما اعتذر المركز العراقي للمسرح عن احياء هذه الفعاليه، فما كان من القليه جي ومن خلفه اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي إلا ان يتبنوا احياء المهرجان فظفر مسرح المركز الثقافي السوفيتي (فرقة مسرح الصداقة) بهذا السبق فقدموا مسرحية مفجوع رغم انفه التي مثلها هادي الخزاعي وفارس الماشطه وطبعا كان مخرجها الفنان أديب القليه حي والتي انجزت بوقت قياسي قارب الأسبوع الواحد فقط. اما فرقة اليوم فقدمت مسرحية أشجار الليمون الحلو من صيقليا للكاتب الأيطالي لويجي بيرانلو وكان مخرجها الفنان فاروق اوهان ومثلها الفنان علي فوزي. وكانت مساهمة فرقة المسرح الفني الحديث مسرحية الصوت الأنساني لجان كوكتو واخرجها الفنان روميو يوسف ومثلتها الفانة الرائده ناهدة الرماح.

أن هذا غيض من فيض كان قد جاد به هذا المبدع وزوجته الفنانة وداد سالم. ولما حل شبح البعث على الثقافة العراقية، اجهضت فرقة مسرح الصداقة عندما امرت السلطات باغلاق المركز الثقافي السوفيتي عام 1973 متزامنا هذا الأنقلاب الثقافي في العراق مع الأنقلاب الفاشي في تشيلي.

وكان لزاما على القليه جي ورفاقه من اعضاء الفرقة ان يجدوا حلا فأنتقلوا الى فرقة المسرح الشعبي التي كانت متوقفة عن العمل. وكان للفنان الراحل الأستاذ جعفر السعدي ورئيس الفرقة وسكرتيرها الفنان اسماعيل خليل دورا في انجاح مسعى القليجي الذي كان يقف وراءه اتحاد الشبية الديمقراطي العراقي. وجند القليه جي خبرته الأدارية والفنية فقدموا من جديد مسرحية سيرة اس على مسرح بغداد مدة اسبوع، وتتابع العمل فقدمت الفرقه مسرحية بهلوان آخر زمان الذي اعدها الكاتب عبد الخالق جودت عن مسرحية لعلي سالم واخرجها المبدع عبد الوهاب الدايني ومثل فيها الفنانة زداد سالم والفنان منذر حلمي وعدنان الحداد وصبحي الخزعلي وسعدون يونس وحشد من الشبيبة يقودهم الفنان جعفر حسن وهم ينشدون مساهرين.

كانت هذه المسرحية ايذانا للعمل على مواجهة مع السلطة من نوع جديد، فبعد هذا العمل لم تتمكن الفرقة من ايجاد مكان لعروضها رغم الشعبية الهائلة التي اكتسبتها هذه الفرقه من لدن الجماهير. وفي يوم تفتق ذهن القليجه جي عن فكرة لأيجاد مكان بديل لعروض الفرقة، فكان مسرح الستين كرسيافي عمارة الأخوان في شارع السعدون (ولهذا المسرح حكاية ربما لو سردها القليجي ذاته لكانت اجمل حتما).

استمر القليجي وهو سكرتيرا لفرقة المسرح الشعبي ومخرجا للعديد من اعمالها حتى مغادرته العراق مع زوجته واطفاله ميديا وياسر وتمارا بعد ان دنى الخطر منهم ومن سواهم من المثقفين من قبل زوار الفجر الذين احكموا ادوات بطشهم عام 1979 اذ كان الرحيل في شتاء عام 1980 الى بلغاريا التي هي الآن مستقر الفنان اديب القليجي وزوجته الفنانة وداد سالم بعد ان صاروا جدودا لستة احفاد.

بلا عناء هكذا أوجز سلالم انطباعاتي عن هذا الفنان المغروس في حقلي المسرح والعراق كنخلى باسقة دائمة الخضرة والعطاء.