التدخين في الجيل الماضي

التدخين في الجيل الماضي

الشيخ جلال الحنفي

كانت السجائر تصنع في علب صدفية تحفظ في الجيب وهو تطور ظهر في عالم التدخين اذ كان المدخنون اوائل هذا القرن يدخنون السجائر المزبنة التي فيها زبانات اي يكون للسجارة عقد مبروم من الورق وكان المدخنون يضعون سجائرهم في علب معدنية تفتح وتسد يدسونها في جيوبهم لا وجود لها اليوم

وكانت السجائر تباع من قبل (التتنجية) فما من سوق في بغداد الا وفيه اكثر من (تتنجي) يبيع هذه السجائر ويبيع انواع من التتن الهندي والشيرازي وكان هناك من يستعمل (السيلان) جمع سبيل وهو ما طوره الغرب وسموه (البايب) وباعة السجائر يصفون هذه السجائر الى ما كان نمرة 2 ونمرة 3 ما يوصف بانه (كاسكين) وكانت صناعة السجائر في بغداد غالبا ما ينهض بها اناس في بيوتهم وهناك مصطلحات كثيرة جدا في هذه الساحة وهي اليوم لا وجود لها.

ان عشرات الالفاظ التي كانت تستعمل في هذه الصناعة لم تعد من ألفاظ التداول اليومي في ايامنا منها كلمة (اصبع، بقجة، خردة، ملاين) وغيرها.. ومازلنا نحوم في حومة التدخين والتتن فان المناسبة تدعونا الى ان نذكر (النواركيل) وكانت منتشرة في المقاهي ولكل نركيلة توابعها ومفرداتها ومنها (المربيج) وهو انبوب لطيف الصنع يضعه المدخن في فمه يستخرج الدخان من الماء الذي في قعر الشيشة، والمجال الذي يكون الامتصاص منه يسمى (تخم) او (امزك). وكان اصل النركيلة وسبب تسميتها بذلك انهم كانوا يصنعون من جوز الهند وعاء لها.

وقد شاهدته في الصغر ومما كان يشيع بين الناس في اوائل هذا القرن من هذه المكيفات (البرنوطي) وهو مسحوق التتن يعطرونه بالعطور ويجعلونه في علب صغيرة لطيفة مفضضة يخرج منها الرجل شيئا بين اصابع يده (السبابة والابهام) ينسه في انفه فيستنشقه ويقدمه للضيوف وكانوا يقولون ان البرنوطي يفتح افاق المخ لانه يجر الى العطاس في غالب الاحيان وكلمة البرنوطي اصلها (برن اوت) اي حشيشة الانف وقد اثبت على وصف صنع البرنوطي في كتاب الصناعات والحرف البغدادية) ومن المكيفات التي تستخرج من التتن ما يسمى (السويكة) وما يسمى كذلك (تتن سنون) وهو شيء واثق لمنظر يدسون منه شيئا قليلا في بطن الشفة وهذه المكيفات في اخر القرن الذي نحن فيه لم يعد لها وجود ظاهر.. ان تطوير صناعة السجائر ادى الى التقليل من حدوث الحرائق اذ كان شيء من النار يقع من السجارة القديمة على غفلة فيحترق ما تقع عليه فلما صارت السجائر تصنع بالمعامل الحديثة لم يقع منها شيء يحرق الثياب وغيرها.

وبعض المدخنين في تلك الايام كانوا يشترون دفترا يسمونه (بابرة) يقطعون منه الورقة ويضعون فيها التتن ويلفونها ويدخنونها وكانوا يستعملون الوسائل في اشعال النار كأنها الأصل الذي اخذت منه (القداحة) وهذه الطريقة قد تكون ما تزال موجودة في البوادي والأرياف.

ان ما ذكرته من امر التدخين وشؤونه على الوضع الذي سردته فيه كان متفشيا في سائر أنحاء بغداد وليس من الامور الخاصة ببعض الناس غير ان النركيلة ما تزال موجودة في بعض المقاهي البغدادية وكذلك يرى بعض ذوي المكانة ان شخصيات البلد يستعملونها حتى اليوم.