هل حاول والي مصر محمد علي باشا الكبير الحاق العراق بولايته؟

هل حاول والي مصر محمد علي باشا الكبير الحاق العراق بولايته؟

سهير نبيل كمال

بعد نجـاح إبراهيم باشا في إسقـاط الدرعية عاصمة السعودية الأولى عام 1818 م وتوغله نحو الإحسـاء والقطيف في الخليج العربي، أخذ محمد علي يهتم بأخبار العراق وبأحواله غير المستقرة، فضلاً عمّا كان يعانيه من الفقر والمرض،

فطلب محمد علي من محافظ المدينة المنورة في عام 1821 م أن يوافيه بأنباء العراق أولاً بأول وطالبه " أن يكون دائماً على بينة من أحوال بغداد فيرسل إليها الجواسيس من المدينة أو من قبيلة شمر او عنزة من ذوي العلاقات هناك "، وأن يوافيه بكل الأنباء التي يحملها إليه هؤلاء العملاء، وخاصة أن العراق كان يواجه احتمال الغزو الفارسي عليه.

في عام 1822 م جاءت الفرصة مواتية لمحمد علي لإرسال قـوات مصرية إلى العراق ولكن بطلب وأمر من السلطان العثماني محمود الثاني، فقد كتب الصدر الأعظم باسم السلطان إلى محمد علي بتاريخ 1831 م يقول له فيها: " أن والي بغداد قـد أقر بعجزه في درء اعتداء العجم وصدهم عن بغداد ". وطلب منه المعونة بإرساله حملة كببرة يرأسها ابنه إبراهيم باشا إلى بغداد لكي يقوم بمهمة الدفاع عنها، ولكن محمد علي رفض طلب السلطان بحكمة وروية متذرعاً بأنه يواجه حرباً في السودان، وأنه يراقب تحركات البريطانيين في البحر الأحمر، ولكنه وعـده في أن ينفذ مطالبه بعد عام من هذا الوقت، وفعلاً كانت لدى محمد علي حرب دائرة في السودان ورغبة في فتح المنطقة الأفريقية ولم تكن سياسته تجاه الولايات العربية في المنطقة الأسيوية قد تبلورت بعد بشكل كامل، فضلاً عن أن مخاوفه في أن تكون هذه فكرة محفوفة بالمخاطر.

وتشير بعض المصادر أن محمد علي لم يَـرَ أن هذا التكليف قد يحقق له أهدافه ومآربه فاعتذر بحجة حربه مع السودان. ولقد قال للسلطان أنه سوف يتوجه إلى العراق بعد عام من هـذا الوقت، ولكـن العراق زال عنه خطـر التهديد الفارسي بعد ذلك.

ولقد تواردت التقارير السرية البريطانية بين بومباي، وبغداد، ودمشق، والقاهرة، وكلها تنذر بقرب وقـوع نزاع خطيـر بين محمد علي والسلطان بسبب العراق، وإن السكان على أمل وتحفز من التخلص من الحكم الذي يرزحون تحته، فقد كتب القنصل الإنكليزي في بغداد إلى وزارة الخارجية عام 1833 م، أنه يقول: " ان بغـداد ترزح في الوقت الحاضر تحت أسوأ حكم عرفته في تاريخها، وأن الأهالي يضجون من سوء تصرف واليها علي رضا باشا ويتطلعون إلى محمد علي ".

وقد كتـب الكولونيل تايلر، وهو وكيل شركة الهند الشرقية البريطانية في بغداد إلى حكومته، ما يأتي: " الناس في انتظار (إبراهيم) ". وقد أضاف تايلور قائلاٌ: " إنّ الأهالي هنا يفضلون حكم باشا مصر وليس في العراق من يستطيع أن يقاوم أية محاولة يقوم بها محمد علي لغزو العراق ".

في عام 1832 م دخلت القوات المصرية بلاد الشام (دمشق)، واندلع الصراع بين السلطان محمـود الثاني ومحمد علي، وبخاصة بعد تعديه على ممتلكات السلطان، فضلاً عن معرفته السابقة بأهـداف محمد علي في التوجـه صوب العراق، وخاصة بعد سيطـرة خورشيد باشا على مناطق واسعة مـن الجزيرة العربية والخليج العربي، وعندما وضع ابراهيم باشا يده على الشام أرسل طلائع جيشه إلى جهة الفرات فدخلت أورفه، وكانت تابعة لولاية بغداد، وقد كان هـدف ابراهيم باشا من حملته في الشام هو العامل الوحدوي، وقد أكدّ هذا العامل الرسالة التي أرسلها إلى محمد باشا والي حلب يقول فيها: " أنه يريد انتزاع بلاد العرب وما يجاورها وإنقاذ الأمة من المصائب التي ابتليت بها "، وأكد هذا الهدف في رسالة أخرى موجهة إلى والده محمد علي حيث يقول: " أن على المرء أن يضحي بحياته في سبيل قومه وعشيرته ".

من الملاحظ حقاً كان للنصر الذي أحرزه كل من خورشيد باشا وإبراهيم باشا في كل من الجزيرة ثم الشام، كان له أثر فعال في استنهاض همم العراقيين من أجل التخلص من الحكم العثماني وهذا يدل وبشكل قاطع على أن الشعب كان يرغب في الإنضمام إلى معسكر محمد علي، ومما يؤكد هذا الكلام هو الأنتفاضات المتلاحقة التي قامت في معظـم الولايات العراقية وخاصة في الموصل والبصرة وبغـداد والتي كان هدفها الأساسي هو الالتحاق بالقوات المصرية لتشكيل قوة وحدوية في المنطقة.

أ: موقف أهالي بغداد من محمد علي:

لقد حاولت الدولة العثمانية جعل العراق قاعدة لضرب قوات محمد علي المتواجدة في بـلاد الشام، لذلك عمدت القـوات المصرية إلى تحريض القبائل وشيوخ العشائر، فضلاً عن بعض المتنفذين في جميع أنحاء العراق من أجل القيام بثورات لإخلال الأمـن في العراق، ولعـدم السماح للقـوات العثمانية من الإلتفات إلى القوات المصرية المتواجدة في بلاد الشام أو السماح لها بمهاجمتها.

ولقد أكدت بعض المصادر أن هناك تحالفاً بين صفوق الفارس شيخ مشايخ شمر الجربا ويحيى باشا الجليلي والي الموصل السابق للقيـام بمهاجمة القوات العثمانية في بغداد، وكانت بتحريض ورغبة القوات المصرية في الشام، وقد حدث هذا التمرد سنة 1832 ـ 1833 م، ولقد كان هذا التحالف ضد العثمانيين رغبة من صفوق في أن يبقى على استقلاله عن الدولة، ولقد ضرب الشيخ صفوق الحصار حول بغداد في ايلول، ولكنه ترك بغداد بعد ذلك عزل ويريد أن يعود إلى الولاية، وذلك للتحركات التي قامت بها عشيرة عنزة ضد شمر ويدفع محمد علي باشا مما جعلها تتراجع.

وقد كان المحرض لصفوق هو يحيى باشا الجليلي، وكما تذكر المصادر ان المتعاون مع عشيرة شمر هو إبراهيم باشا المتواجد في الشـام في تلك الفتـرة وأصبح قريب من حـدود العراق الشمالية، لذلـك رأى يحيى باشا في هـذه فرصة مناسبة لكي يعـود إلى ولايته على الموصل.

لقد كان صفوق يوجه رسائل التحريض على الثورة ضد العثمانيين إلى جميع القيادات في العراق، وعمل على إحكام السيطرة على بغداد وقطع طريق الإتصال بين علي رضا باشا وبين الحكومة في استانبول، ولم يرد إلى الحكومة العثمانية سوى تقريرين في فترة الحصار الذي دام خمسة شهـور بيَّن فيها الأوضـاع والمعاناة، ولقد تم إرسالها بواسطة البريد البريطاني المتوجه إلى سفارتها في استانبول.

كما تناقلت الإشاعات عن وجود عدد من المستشارين العسكريين المصريين في معسكر صفوق،كما أنه قام هو والشيخ (محمد الجدعان) وهو أحد شيوخ العقيل وشيخ عشيرة زبيد، بتوجيه رسائل إلى إبراهيم باشا يعلمونه فيها بتأييدهم للقوات المصرية ويرجونه في أن يرسل قوة رمزية قوامها (300) فارس مصري ليستطيعوا ان يعلنوا انضمامهم رسمياً إلى مصر.

عن رسالة (سياسة محمد علي باشا والي مصر تجاه العرا ق والخليج العربي)