محسن العزاوي يمسرح سيرته الذاتية

محسن العزاوي يمسرح سيرته الذاتية

عبد العليم البناء

أصدر الفنان القدير محسن العزاوي الذي عرف مخرجا مسرحيا لا يشق له غبار مذكراته (الرهان على الزمان) مع عنوان فرعي دال (سيرة ذاتية بفصول ومشاهد عن حياة الفنان محسن العزاوي) ليمسرح سيرته الذاتية في ما يشبه مسرحيته الأخيرة عبر الصورة والوثيقة مقسما إياها إلى فصول ومشاهد كما هو الحال في أية مسرحية تقليدية.

وهو ما لم نألفه في السير الذاتية التي سردها أقرانه من مبدعي المسرح العراقي والعربي واضعاً على الغلاف صورتين له إحداهما وهو لما يزل في منتصف العمر ورمز لها (زمن الشباب) والثانية وقد تجاوز السبعين ورمز لها (زمن الشيخوخة) ليكتب في الصفحة الثانية من الغلاف كلاماً يقترب من حكمة الشيوخ وربما الشعر:

" عشقت الشباب..وأحببت الشيخوخة.. أحببت الناس فأحبوني لأن عبير الحياة هو هو.. ".

وفي مقدمة السيرة التي ابتدأها بقوله "لا أحلم كثيرا بالمستقبل إنما أستذكر الماضي دوماً " أكد " اختبرت أكثر من سبعين عاما مضى الكثير منها وأنا مدرك أن الإنسان حتى لو امتلك نصف قلب– كما هو حالي اليوم- فإن الشعور والحس والجمال والذاكرة عنده لا تنضب وهي تستذكر بقوة مشاهد وأحداث وفواجع ومسرات الماضي".

مضيفاً: والذي سيقرأ ولو القليل من مذكراتي سيتأكد من أن الفنان لا يخلق مصادفة والذين أدركوا قيمة الحياة فترجموها بفنهم إلى حقائقهم الباقون برغم غيابهم.. ".

وبما يقترب من تقديم الوصية الأخيرة للشباب للجمع بين الماضي والحاضر وهم يتقدمون نحو المستقبل أوضح: " قد يكون القادم هو الأحسن والأجمل.. وخاصة لأؤلئك القادمين من الشباب الذين احترموا الماضي والحاضر ليقتحموا بإرادتهم الطريق القادم المضاء بالأمل والإبداع ليكملوا بعدنا المشوار الذي بدأناه ".

في الفصل الأول (أوراق ومشاهد للزمن يتناول في المشهد الأول منه (التجربة الإخراجية: ثقافة وخيال) بداياته وملامح ولوجه إلى عالم المسرح في مدينته الناصرية معرجا على فن الإخراج المسرحي الذي أصبح فيما بعد من أساطينه وبحصيلة وافرة بلغت خمسا وستين مسرحية محلية وعربية وأجنبية بعد أن تدرج في ممارسة مختلف الاختصاصات المسرحية قبل وبعد دخوله معهد الفنون الجميلة في بغداد ومن ثم دراسته في جيكوسلوفاكيا والتحاقه بالمسرح الوطني الجيكي متوقفا عند مختلف التجارب الإخراجية التي عرفها هنا وهناك فضلا عن مفهوم الإخراج والمخرج المسرحي وعلاقته بالممثلين وغيرهم.

وفي المشهد الثاني من الفصل الأول (مسرحيون رواد كتبوا عني) يدرج شهادات فنية بحقه لنخبة من أعلام المسرح العراقي: يوسف العاني وسامي عبد الحميد وصلاح القصب وعقيل مهدي يوسف وفاضل خليل وشفيق المهدي وسامي قفطان وعزيز خيون وعواطف نعيم وليلى محمد.

ويواصل مشوار ذكرياته في مشاهد الفصل الرابع والخامس بحميمية جميلة وممتعة مفعمة بالمعلومات والمواقف والمفارقات التي أفرزتها تنقلاته بين الناصرية وبغداد وأجنبية وعربية لا سيما دراسته في معهد الفنون الجميلة وتتلمذه على أيدي كبار الأساتذة إذ لم تفته شاردة أو واردة منها مع مقارنات بين ما كان عليه وما آل إليه في الوقت الراهن مع تفصيل لمرحلة دراسته الأكاديمية في براغ بكلية الفنون الدرامية وزواجه من فتاة جيكوسلوفاكية.

وكرس الفصل السادس لعودته إلى العراق بعد انتهاء دراسته في جيكوسلوفاكيا في العام 1966 ومعاناتها المتنوعة من عدم التعيين المباشر والانتداب للتدريس في السعودية ومن ثم العودة مجددا إلى جيكوسلوفاكيا ودراسته في كلية الفلسفة لتأريخ المسرح في القرنين التاسع عشر والعشرين لغاية العام 1972 لكن الحنين للوطن وللفرق المسرحية العراقية واجواء وحلاوة النجاح بعد كل مسرحية أخرجها في بغداد دفعته للعودة قبل إكمال دراسته الماجستير بشهرين وسوقه إلى الخدمة العسكرية بعد أن أعتبر هاربا أومتخلفا عنها ولكنه وبعد المحاكمة والغرامة بحقه والبالغة خمسة دنانير أحيل للخدمة في المسرح العسكري الى جانب الفنانين: جواد الشكرجي ومحمود ابو العباس وطه علوان ومكي عواد..

ومن ثم العمل في السينما والمسرح كما جاء في الفصل السابع وتدرجه في مواقع المسؤولية مديرا للفرقة القومية للتمثيل وإخراجه لعدد من مسرحياتها المهمة والناجحة واستقطابه لنخبة من ابرز الكتاب والمخرجين والفنانين وتوليه ادارة الفرقة القومية للفنون الشعبية ومن ثم مسؤولية شركة بابل للإنتاج السينمائي والتلفزيــوني.

وفي الفصل العاشر (صحبة في حياتي الفنية) قدم هذه المرة شهاداته بحق مجموعة من ابرز فناني المسرح العراقي الأحياء والأموات. وفي الحادي عشر توقف عن ذاكرة السنين لرواد المسرح العراقي ليختتم بالفصل الثاني عشر مذكراته الممسرحة بتداعيات وإرهاصات مختلفة من زواجه المبكر من أجنبية وزواجه المتأخر من عراقية وما قيل فيه من شهادات متنوعة مع ملف لصور مختلفة من مسيرته وأحداث مسرحية مع شخوص وأحداث وصور عائلته، زوجته وولديه سنان وسامان وعائلتيهما مع خاتمة توجها بأمنية لم تتحقق " كنت أتمنى أن تكتب خاتمة هذه السيرة بقلم أحدهم، (سنان أو سامان أو أم سنان) وهم الأقرب إلى الروح والقلب لكنني آثرت أن تكون بقلمي لأنه أقرب إلى نفسي روحاً وجسداً وإحساساً"…؟!.