مخرجون عملت معهم بالمسرح.. محسن العزاوي

مخرجون عملت معهم بالمسرح.. محسن العزاوي

يوسف العاني

فنان راحل

كان واحداً من طلبة معهد الفنون الجميلة بفرع التمثيل.. لكنه وهو القادم من الناصرية جنوبي العراق، يمتلئ حماسة ونشاطاً داخل المعهد رغبة منه ان يطور هوايته المسرحية لا سيما وان له في مدينته بعض محاولات مسرحية ناجحة..

هكذا عرفت عنه وكنت التقيه بين الحين والحين.. فيدور بيننا حديث جاد يكسره "محسن" بدعابات حلوة من اجل ان "يرطب" الجو.. وانا اقول له.. "انك من حيث المظهر تصلح للادوار الجادة" لكن ذلك لايمنع من ان تكون ممثلاً يجيد الادوار الكوميدية وهذا هو المطلوب من الممثل الناجح. وينهي دراسته ويسافر الى جيكوسلوفاكيا.. ويدرس المسرح ويؤخذ بمدارس او صراعات واتجاهات بما فيه من غنى في الاشكال الفنية والاساليب الحديثة.. والتقيه هناك فاجده جذوة متقدة من الحماس لمسرح العراق.. ويعود.. وينغمرفي العمل المسرحي.. في فرقة اتحاد المسرحيين والفرقة القومية مخرجا متميزاً محاولاً ان يتعدد في عطائه المسرحي من اجل تنوع في الاختيار يصل حد التناقض..

ويأتيني ذات يوم ليسألني رأيي في تقديم مسرحية لاجاثا كرستي في المسرح العراقي وكان ينوي كما اتذكر تعريف هذه المسرحية وكنا انذاك في عام 1986.. نظرت اليه اولاً وابديت له عدم "حبي " لاجاثا كرستي وما تقدم واكدت له معرفتي بعروض مسرحياتها التي تقدم عشرات السنين في انكلترا واميريكا.. ثم وصلت الى ردي على سؤاله.. بسؤال مني.. ولماذا هذه المظاهرة.؟ وانا بسؤالي هذا استعرضت محسن العزاوي عبر متابعتي له.. وما قدمه من اعمال مسرحية وصفتها بالمتناقضة.. فهو بالنسبة لي مخرج "قلب" بضم القاف وفتح اللام ينتقل في اعماله بين العديد من النماذج تراه يأخذ "الكورة"و "طنطل" من طه سالم وينجح باخراجها لفرقة اتحاد الفنانين ويقفز الى "الغزاة" لعلي الشوك ومنه الى "شكسبير" في روميو وجوليت.. قدمها للفرقة القومية واضاف لها – للفرقة- مجالس التراث لقاسم محمد ومملكة الشحاذين لفرقة 14 تموز وجذور الحب والمحلة لابراهيم البصري وقبلها نشيد الارض.. ثم فرمان الوالي لفرقتنا - المسرح الفني الحديث - ثم حرم صاحب المعالي.. للفرقة القومية مرة اخرى وهكذا.. ثم يعود ليقدم" الوصية" لاجاثا كريستي" اليس في هذا دلالة على ان محسن العزاوي لا يستطيع البقاء في مكان واحد او زمان واحد او اسلوب او اتجاه واحد.. وهذا يعني بعد تأملي له ولرؤاه الفنية والفكرية.. حالة صحية في تقديم الوان ومضامين واساليب مختلفة في مسرح بلد مازال يغذ السير في مصاف التجربة الرحبة في المسرح العالمي اولاً.. وانه يعطي غنى في تجربة الممثل من جهة اخرى..

تساؤلات طرحتها على نفسي بعد ان قلت له في بداية حديثي معه عن مسرحية الوصية لاجاثا كرستي.. " لماذا هذه المغامرة " مع كل ما ذكرت عدت الى تجربتي مع " محسن العزاوي" المخرج القريب الى القلب في العمل وفي الزمالة الفنية والصداقة الحلوة تجربتي ممثلاً في " مجالس التراث" وما مر بها وبنا عام 1979 في المغرب وفي فرمان الوالي.. حين قدمت في فرقتنا المسرح الفني الحديث 1983 وكاتباً في مسرحية حرم صاحب المعالي- التي قدمتها الفرقة القومية اواخر عام 1979. اولاً وقبل ذكر تفاصيل "عملي " مع محسن اننا عملنا سوية في مسرحية " بونتو لا وتابعه ماتي.. وكما سميت – البيك والسائق- اخرجها الراحل ابراهيم جلال.. لتكون انموذجاً في كمال الرؤية " البرشتيه" عبر المخرج وانا وقاسم محمد ومحسن العزاوي ممثلون في المسرحية.. وكيف تقدم محسن ممثلاً قديراً ولامعاً ليؤكد عمق الفهم ودلالة الشخصية الفنية المثقفة التي لا تعتمد على الموهبة حسب.. وكنت سعيدا به وبمشاركتنا في عمل كبير مع مخرج كبير. في مجالس التراث وانا اختصر اسم المسرحية " احداث وشخصيات في مجالس التراث" التي الفها واخرجها قاسم محمد وقدمها عبر الفرقة القومية. محسن ارادة ان يقدمها برؤية اخرى او باسلوب آخر دون المساس بالمضمون او الفكرة الاساس فيها.. كنا سعداء بالمحاولة وكنت راغباً في معرفة جوهر العمل الذي يتمسك به محسن من خلال التطبيق المباشر وليس الرؤية من خارج العمل المسرحي.

كنت اشعر بمتعة وشفافية.. وسلاسة الطرح منه مخرجا مهذباً لا يخدش ممثله ولا يجنح نحو النقد القاسي بقدر ما يطرح وجهة نظر تكاد تقبل منذ الوهلة الاولى.. وفي مسرحية.. "مجالس التراث" ممثلون كبار ليس من السهل عبورهم في الاعيب مسرحية ساذجة العكس كان هو المتوفر.. محسن كان يحسب حساب ما يقول وما يقترح وما يطرح.. وبمرور الوقت كنا نحن الحريصين عليه مخرجاً.. وعلى المسرحية لانها منه ومنا وخلفها يقف مسرحي اخر نحترمه ونقدره هو قاسم محمد- كما ذكرت. ولهذا السبب وحين وقعنا في اكثر من مشكلة في المغرب منذ العرض الاول حين لم تسنح لنا فرصة اجراء البروفات.. تحولنا كلنا مخرجين من مدرسة "محسن العزاوي" جعفر السعدي وسامي عبد الحميد وانا وبقية المجموعة.. يراقب بعضنا البعض لنتجاوز الخطأ حين يقع نتغلب عليه دون ان يدرك المشاهد ذلك.. فكانت من اجمل العروض التي قدمت آنذاك. وطلب مني محسن.. تعريف مسرحيته لبرنسلاف لوسيتس اليوغسلافي وحين قرأتها قررت كتابت مسرحية عراقية بشخصيات اعرفها وفي زمن كان الممكن حدوث وقائعها ليتسلمها "محسن" وتقدمها الفرقة القومية بنجاح كبير.. بل نموذج للكوميديا العالية المستوى.. قدمها اعضاء وعضوات الفرقة القومية باداء عال خال من السطحية او النزول الى التهريج الذي يضاعف الاضحاك فيها.. ولكن يمتص فكرتها ودلالاتها وفي وقتنا -المسرح الفني الحديث- قدم "فرمان الوالي" ومعنا عدد من ممثلات الكوميديا المعروفات ونحن معهم متحدياً بها انها قد تحولت من مسرحية مغناة في الاصل.. لتكون مجرد مسرحية تقليدية لم ترتفع الى ما كنا نحلم به ونريد من توفير المتعة منها.. وكانت رغم ذلك تجربة لنا جميعا مع مخرج مبدع ومجرب.. هو محسن العزاوي.

· عن موقع الحوار المتمدن