لواء العمارة في سنة 1930

لواء العمارة في سنة 1930

عبد الرزاق الحسني

1ـ نظرة عامة فيه

اضطراب حبل الأمن في جنوبي العراق عام ١٢٧٦هـ! بتمرد عشائر (البو محمد) على الحكومة العثمانية، فرفع زعيمها الكبير فيصل بن خليفة راية العصيان عليها. فاضطرت الحكومة إلى سوق جيش لجب عليها قاد زمامه (اللواء محمد باشا الدياربكرلي) فكانت الحرب سجالاً بين الطرفين.

ثم انتهت بكسر فيصل بن خليفة وتنظيم الحكومة مقراً عسكرياً لها على ضفة دجلة اليسرى أسماه الأهلون (الأوردي) وهي لفظة تركية معناها مقر الجيش ولا يزال هناك من يطلق هذا الاسم على البقعة التي أنشئت فيها (العمارة) بعد قليل من الزمن.

ولما هدأت الحالة هناك وعادت السكينة إلى مقرها والسيوف إلى غمودها: نظمت الحكومة العثمانية (لواء عسكرياً) لحفظ الأمن في هاتيك الربوع ولمشارفة سير جباية الأموال الأميرية وأنشأت لجيشها المقيم هناك عمارة فخمة للسكنى وللتحصن فيها عند الاقتضاء وكان المجاورون لعمارة الجيش يفتحون بعض الحوانيت قياماً بما يحتاج إليه الجند ثم أنشئوا جملة مساكن لهم فانتشرت بذلك الحركة العمرانية وأطلق الأهلون ورجال الحكومة كلمة (العمارة) على ذلك المقر العسكري. وبعد مضي حولين كاملين على الحركة التأديبية المار ذكرها نظمت الحكومة (قضاءاً مدنياً) أطلقت عليه أسم (قضاء العمارة) فأخذ الأهلون يختلفون إليه من جهات نائية طمعاً في وفرة الكسب وعذوبة الهواء ونشف الأرض فأصبحت (العمارة) جنة غناء ومتنزهاً وتعد اليوم (باريس العراق) في نظر بعضهم لجمال موقعها وخصب تربتها وكان قائم مقامها إذ ذاك عبد القادر بك فأرخ الأخرس تاريخ إنشاء العمارة قائلاً:

قل لمن يسأل عن تاريخها (قد عمرت أيام عبد القادر)

أي عام ١٢٧٨هـ ــ ١٨٦١م.

وتقدر نفوسها بـ (١٩. ٣٠٠) نسمة وفيها رصيف على طوار النهر يبلغ طوله زهاء ٥٠٠ متر.

قلنا أن العمارة قائمة على ضفة دجلة اليسرى. أما الحقيقة فأنها واقعة على رأس الزاوية النائية من الأنهر الثلاثة: دجلة والكحلاء والمشرح (بفتح الراء وتشديده) فيها دار أمارة

فخمة ودار مسكن متوسطة الكبر ومستشفى ملكي جميل ومدارس جديدة البناء وسوق مستقيمة ترى فيها الحوانيت مشيدة على نسق واحد وعدة قصور شاهقة وحمامات جميلة ويربطها بالجانب الأيمن جسر من حديد أنشأته سلطة الاحتلال. ومعظم مبانيها منشأ على الطراز الصحي ولا سيما الواقع منها على ساحل دجلة. ومما يزيد في بهائها وجود الكهربية فيها.

وفي العمارة الآن ثلاثة أجسر أحدها يربط ضفة المشرح الواحدة بالأخرى والثاني يصل ضفة نهر الكحلاء اليمنى بضفته اليسرى. والثالث وهو الحديدي يربط جانبي البلدة أحدها بالآخر. وهذا الجسر أعظم الأجسر.

وكان فيها قطار حديدي ثم رفع بزوال الاحتلال البريطاني للعراق وانتهاء الحركات العسكرية فيه والبلدة تبعد عن جنوبي بغداد ٣٥٨ ميلاً بطريق النهر وتصلها بها جادة مستقيمة لسير السيارات تحمل الركاب من بغداد إلى البصرة رأساً عن طريق دجلة. كما تربط السكة الحديدية بغداد بالبصرة عن طريق الفرات وتسير البواخر والزوارق التجارية في دجلة مارة بالكوت والعمارة وهما من أهم مرفئها.

2 - حدود اللواء وتوزيع أراضيه

تقع أراضي العمارة على ضفاف دجلة والكحلاء والمشرح وتمتد من جنوبي لواء الكوت حتى حدود لواء البصرة وتحاذيه جبال بشت كوه الإيرانية الشهيرة. وهذه الجبال تفيد بعض مزارع اللواء البعيدة عن دجلة أو عن النهيرات المتشعبة من دجلة فوائد عظيمة لأنها تسقيها بينابيع المياه التي تتفجر فيها. ويحده من الشمال أراضي السودة على ضفة دجلة اليسرى وأراضي عشيرة المقاصيص على ضفة دجلة اليمنى ويحده من الجنوب أراضي الكسارة المحاذية لناحية العزيز (بالتصغير) العائد إلى لواء البصرة ومن الشرق أراضي الحويزة الإيرانية وجبال بشت كوه ومن الغرب بطيحة الغراف فالبطائح الشهيرة في التاريخ المتصلة بأراضي لواء المنتفق.

وطريقة توزيع الأراضي الزراعية في هذا اللواء لا تشبه الطرق المتبعة في بقية الألوية. بل توزع على شيوخ القبائل بطريق الأفدان المعروفة في القرون الوسطى بأن يعطي الشيخ الفلاني المقاطعة الفلانية لمدة تتراوح بين السنتين والخمس سنوات ويكون الشيخ في غضون هذه المدة حر التصرف فيها لا ينازعه إياها منازع ولا يلتزم بتشغيل الفلاح الفلاني أو إرضاء الشيخ الفلاني أو خطب ود الحكومة. ولقد بحت أصوات الناقمين على هذه السياسة المتبعة منذ تأسيس لواء العمارة ولكن الحكومة لا تصغي إلى نقد الناقدين أو صراخ المستغيثين اعتقاداً منها أن من شأن هذه الطرقة في توزيع الأراضي الزراعية مد ظلال الأمن على جميع ربوع اللواء في حين أن الألوية التي تعطي فيها الأراضي الأميرية بطرق (التسقام) أي التكليف تسعر نار الفتن والاضطرابات فيها بين آونة وأخرى.

ولست ممن يستحسن أو يقبح شيئاً من هذا القبيل إلا أني أقول كلمة واحدة طالما سمعتها من أفواه العماريين والرجال المصلحين وهي أن طريقة توزيع الأراضي الزراعية في لواء العمارة أشبه شيء بالطرق المتبعة في القرون الوسطى المعروفة بقرون الأفدان والفروسية وكفى.

3 - تنظيمات اللواء الإدارية

يتقوم لواء العمارة من قضائين هما قضاء علي الغربي وقضاء قلعة صالح ومن ناحية واحدة يقال لها ناحية المشرح ومركز اللواء الذي مر البحث عنه وأربع قرى مهمة: وهي المسيعيدة وكميت والمجر الكبير والمجر الصغير. وكيفية إدارة هذه القرى تكون بتعيين رئيس بلدية لكل منها ولهذا الرئيس سلطة جزائية محدودة من الدرجة الثالثة للنظر في الدعاوي الجزائية الطفيفة التي تحدث في قريته، وجميع هذه القرى مربوطة بمركز اللواء رأساً.

وهذه القرى الأربع معمورة عمراناً يناسب مركزها وأهميتها الزراعية. واليك الآن بعد كل منها عن مركز اللواء مع زمن تمصيرها ونفوسها حسب الإحصاء الرسمي الأخير.

فقرية المسيعيدة قائمة على ضفة نهر الكحلاء اليمنى في محل يبعد عن الشمال الشرقي لمدينة العمارة ١٩ ميلاً وكانت قبل تعرف بالقلعة. وهي القلعة التي أنشأها الشيخ خليفة رئيس البو محمد عام ١٢٦٥هـ ونفوسها اليوم ١٣٣٠ نسمة.

وقرية المجر الكبير تبعد عن شرقي العمارة ١٩ ميلاً أيضاً وأسسها الشيخ صهيود أحد رؤساء البو محمد عام ١٢٩٣هـ وقيل أن سبب تسميتها بهذا الاسم يرجع إلى وقوعها على النهر المسمى باسمها والذي يجر الماء بكثرة من دجلة ونفوسها الآن ٢٦٥٧ نسمة.

أما قرية المجر الصغير فتبعد عن غربي العمارة ١٤ ميلاً وهي أقل عمراناً واضعف شأناً من قرية المجر الكبير وواقعة على ضفة النهر المسمى باسمها وقد أنشأها رئيس الأزيرق الشيخ سلمان عام ١٢٩٥ وتقدر نفوسها بألف نسمة.

وأما قرية كميت فقد سميت بهذا الاسم لوقوعها على النهر المسمى باسمها وهي تبعد عن شمالي العمارة ٢٩ ميلاً وأنشأها الشيخ حطاب أحد رؤساء البو دراج وذلك في سنة ١٢٩٥ وفيها من النفوس زهاء ١٧٣٠.

أما ناحية المشرح فمركزها (الحلفاية) وهي قرية على (المشرح) من الجهة اليسرى وتبعد عن العمارة ٢٠ ميلاً وفيها زهاء ١٨٦٠ نسمة.

4 - قضاء قلعة صالح

صالح أحد أصحاب الرتب الذين تولوا قيادة عسكرالهايتة، وأنشأت الحكومة العثمانية فرقته عام ١٢٧٠ وكانت رتبته دلي باش وهو في الأصل زعيم من زعماء البو محمد شيد بعد إنشاء العمارة بخمس سنوات قلعة نسبت إليه فقالوا (قلعة صالح) وهي مركز القضاء المسمى باسمها وكانت تسمى في زمن الأتراك شطرة العمارة تميزاً لها من شطرة المنتفق ثم سميت بقلعة صالح تميزاً من قلعة سكر الواقعة في لواء المنتفق.

5ــ قضاء علي الغربي

بين العمارة والكوت قبران في قريتين مختلفتين يحترمهما أبناء الشيعة لنسبة الأول إلى

(علي) أحد أحفاد الإمام موسى بن جعفر (ع) - على ما يرى - وهو قائم على دجلة من الجهة اليمنى. ولنسبة الأخر إلى (علي الشجري) من أحفاد الحسن بن علي (ع) وهو قائم على جهة دجلة اليسرى في محل يبعد عن القبر الأول ٣٢ ميلاً. وقد صحف الأهلون (علي الشجري) فقالوا (علي الشرجي) وكان نعمة بن عرار أحد شيوخ بني لأم شاد عام ١٢٨١هـ بقرية قرب القبر الأول سماها (القلعة) إلا أن سكان هذه القرية استبدلوا هذا الاسم ب (علي الغربي) لوقوعها في غرب (علي الشرجي وهو لفظ العامة لكلمة الشرقي) تميزاً لها عن تلك.

مجلة (لغة العرب) ــ اذار 1930