الفونوغراف..  طفل  توماس أديسون

الفونوغراف.. طفل توماس أديسون

مدى شلبك

فقدَ المخترع الأمريكي توماس أديسون، معظم سمعه في عمر الثانية عشرة، ويعزى السبب إلى إصابته بالحمى القرمزية. ومع ذلك اخترع أديسون عام 1877م الفونوغراف أو الحاكي؛ أول جهاز يُسجِّل الصوت ويعيد تشغيله، بينما حصل على براءة اختراعه في 19 فبراير 1878م، وكان الفونوغراف اختراع أديسون المفضل؛ فقد لقَّبه بـ"طفلي".

اختراع الفونوغراف

خطرت فكرة تسجيل الصوت في بال أديسون خلال عمله على تحسين اختراع التلغراف لصموئيل موريس، والهاتف الذي اخترعه جراهام بيل، وفكَّر أديسون بأنه ما دام بالإمكان تسجيل رموز ونقلها ككلمات، كما هي الحال بالنسبة إلى التلغراف؛ فبالتالي يمكن تسجيل اهتزازات الصوت عبر وسيط وإعادة تشغيلها.

وقد طُرحت أفكار شبيهة لفكرة أديسون سابقاً، إلا أن أديسون في عام 1877م تمكن من تسجيل جملته الأولى عبر الفونوغراف وإعادة تشغيلها: "ماري لديها حمل صغير".

واعتمد جهاز الفونوغراف على اهتزازات الصوت التي يمكن نقلها عبر وسيط، وفي جهاز أديسون اهتزازات الصوت عبر البوق؛ ما يؤدي إلى اهتزاز غشاء رقيق موصول بإبرة معدنية موضوعة على جسم أسطواني مغلَّف برقائق قصدير، وبذلك تنتقل الاهتزازات إلى رقائق القصدير، بعد أن تشكل الإبرة حزوزاً تخزِّن الاهتزازات الصوتية.

ولإعادة تشغيل الصوت المسجَّل، توضع الإبرة على الجسم الأسطواني للفونوغراف، الملفوف برقائق القصدير المحززة بفعل الإبرة، ثم يتم تدوير الجسم الأسطواني يدوياً عبر مقبض، فيخرج الصوت المسجل في الحزوز من البوق المتصل بالإبرة.

جرى تطوير الفونوغراف والأسطوانات على عدة مراحل؛ ابتداءً من الاستبدال بالقصدير القابل للتمزق أسطوانات من الشمع، في مختبرات بيل التابعة للمخترع جراهام بيل؛ ما أدى إلى حصول بيل على براءة اختراع لتصميمه الحديث، وتشجيع المستثمرين على إخراج الفونوغراف للسوق.. إلى تأسيس أديسون؛ الذي رفض التعاون مع بيل، وكان قد توقف عن تطوير الفونوغراف لصالح تطوير المصباح المتوهج.. شركة Edison Speaking Phonograph لإنتاج وبيع الفونوغراف.

طفرة موسيقية

اقترح أديسون استخدامات عديدة للفونوغراف؛ منها تسجيل الرسائل الصوتية أو الكتب للمكفوفين أو الكلمات الأخيرة للأشخاص المحتضرين أو الموسيقى، التي كانت المستفيد الأكبر من الفونوغراف، فقد قدَّم الأخير للجمهور فرصة الاستماع إلى أنواع موسيقى مختلفة، والأهم؛ خارج صالات العرض.

لكن بسبب التكلفة المرتفعة للفونوغراف بقي اقتناؤه محدوداً ومحصوراً بأصحاب الدخول المرتفعة، ومع ذلك تمكن الناس من الاستماع إلى الموسيقى عبر الفونوغراف لدقائق، من خلال ماكينات الفونوغراف التي تعمل بالعملات المعدنية في شوارع المدن، وكان متوسط ما تحرزه الآلة الواحدة لصاحبها في ولاية ميسوري الأمريكية 100 دولار في الأسبوع.

كما كان الفونوغراف نقطة الانطلاقة لعصر التسجيلات؛ فقد أخذت الأسطوانات في التطور، وبعد اعتماد الشمع في تصنيعها، ابتكر المخترع الألماني إميل برلينر، سلف الفونوغراف؛ الغراموفون، وكان عملياً أكثر، فقد استبدل برلينر بالجسم الأسطواني في الفونوغراف قرصاً مسطحاً توضع عليه أسطوانة مطاطية صلبة، ولاحقاً استُبدلت بالمطاط مادة "اللك" الصمغية، ثم أصبح يُطلق على أسطوانة الغراموفون "الفاينيل" والمصنوعة من مادة بلاستيكية.

وكانت الأقراص تحمل موجات صوتية مدتها دقيقتان إلى ثلاث دقائق فقط، وهذا ما يفسر ظهور أغاني البوب القصيرة لتتماشى مع إمكانات الغراموفون؛ إذ يقول الباحث الموسيقي مارك كاتز: "إن أغنية البوب التي تبلغ مدتها ثلاث دقائق؛ هي في الأساس اختراع للفونوغراف"، وفي أوائل القرن العشرين أصبحت أقراص الغراموفون تخزن موسيقى تصل مدتها إلى أربعين دقيقة، ما مكَّن من الاستماع إلى الأوبرا التي انتقلت بذلك إلى المنازل.

كما أدى التطور في مجال التسجيلات إلى ظهور تنافس شرس بين شركات إنتاج التسجيل والأسطوانات؛ وعلى رأسها شركتا "RCA Victor" و"Columbia Records"..

تطور الغراموفون فقد أصبح كهربائياً؛ ما سمح بإنتاج موسيقى أكثر وضوحاً ودقة. ومع انتشار الراديو خلال أوائل العشرينيات من القرن الماضي، شكَّل تهديداً حقيقياً للغراموفون، إلا أن الأخير صمد حتى السبعينيات؛ إذ قل اقتناؤه بعد ذلك، باستثناء محبيه الذين ظلوا يقتنونه، معتقدين أن الموسيقى المسجلة على الأسطوانات لها وقع خاص.