فنان قدير وشخصية محبوبة وتاريخ فني لامع

فنان قدير وشخصية محبوبة وتاريخ فني لامع

إعداد: عراقيون

شهد تاريخ الدراما الكوميدية في العراق العديد من الأسماء اللامعة التي قدمت الشيء الكثير للمسيرة الفنية في العراق، وبقيت في الذاكرة الشعبية، على الرغم من جميع عثرات العمل الفني والدرامي في العراق. ومن هذه الأسماء اللامعة يبرز اسم الفنان الراحل راسم الجميلي.

ولد راسم عليوي حسين الجميلي في محلة سراج الدين في بغداد عام 1938. اشترك في أول عمل مسرحي له وكان في الصف الخامس الابتدائي وهو مسرحية اسمها (الكتاتيب).ثم أكمل الدراسة المتوسطة والثانوية و تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بغداد في عام 1964م. عند تخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة عام 1964 دعي إلى [خدمة العلم] فدخل كلية الاحتياط أسوة بزملائه من خريجي البكالوريوس والماجستير، وبعد ستة أشهر تخرج برتبة ملازم. ولكونه فناناً فقد أحيل للعمل في إذاعة [القوات المسلحة]، ثم عمل مديرا للإذاعة حتى رقي إلى رتبة نقيب،وعند غلق هذه الإذاعة.. أرجعوه إلى الإذاعة والتلفزيون.

عمل في فرقة مسرح (14 تموز) وعمل في الفرقة القومية للتمثيل ثم أسس عام 1987 مع سامي قفطان و محمد حسين عبد الرحيم فرقة مسرح دار السلام، وقدموا من خلالها مسرحيات شعبية كثيرة،منها (ألف عافية وبيت الحبايب وفلوس وعروس). وشارك منذ منتصف الستينات في أعمال تلفزيونية مختلفة، كان أشهرها مسلسل (تحت موسى الحلاق) - في شخصية (أبو ضوية)،فقد تركت هذه الشخصية أثرا كبيرا في نفوس المشاهدين. وكان آخر عمل درامي كبير يشارك فيه، مسلسل (ذئاب الليل.)

شهادة الفنان محسن العزاوي

لم يكن المرحوم راسم الجميلي ممثلاً مسرحياً وتلفزيونياً وسينمائياً فحسب أنما يعد راسم ظاهرة متميزة في الوسط الفني.. وهذا التمايز لايعود لتكوينه الجسدي الذي يؤهله للكوميديا. فهو قبل هذه البدانة المؤذية والتي كان يشكو منها على الدوام، أنما يعود لمواهبه المتعددة.. وراسم كان ولازال قبل رحيله مؤهلاً لاداء المأساة والكوميديا معاً.. وهنا تكمن قدرة وعبقرية هذا الفنان في أن يبقى على الدوام بذاكرة المخرجين على شتى المستويات الابداعية ولهذا ترك بحق بأذهاننا الاثر الاكبر في أوساط أصدقائه ومعجبيه سواءً في العراق أم في سوريا.. ولو كان المرحومان طعمة التميمي وسليم البصري أحياء لقدموا شهادة غنية بحق هذا الفنان الموهبة.

يصر المرحوم على الدوام بأنه من ولادة عام 1937 مع علمنا أنه ولادة 1939 ولما كنت أتساءل لماذا يزيد عمره سنتين أدركت فيما بعد بأنه يود على الدوام أن يتقرب من الشيخوخة.. مفاخرةً واعتزازاً بأن العمر مهما طال أو قصر فستظل أثار الفنان في ذاكرة الناس على الدوام.

ولادته في محلة بني سعيد – بغداد، وتخرج من أكاديمية الفنون الجميلة.. وأثناء خدمته العسكرية طلبت منه دائرة التوجيه المعنوي أنذاك بتأسيس المسرح العسكري.. وأذكر أن أول مواجهة لي مع الفنان بعد عودتي من دراستي خارج العراق كانت مع النقيب راسم الجميلي أنذاك وعند أدائي له التحية العسكرية كان وقع هذا التصرف عليه شديداً للغاية ومؤثراً.. فأستدعى العريف المكلف بدخول المراجعين موجهاً له عتاباً شديداً وقاسياً قائلاً:

من خولك أن لا تسمح بدخول أستاذي ومعلمي.. فنظرت اليه مندهشاً بأن يقلل من أندفاعه الحماسي أزاء هذا الامر، وهذا اللقاء كان بمثابة الدرس الذي كنت أدعو له على الدوام بأحترام الرواد وهذا ماأكده راسم في السلوك والخلق والاحترام.. وعندما وجد في الجو العسكري مساحة ضيقة للكشف عن أبداعاته واجتهاداته المتنوعة، قدم طلباً الى رئيس الجمهورية أنذاك المرحوم أحمد حسن البكر مسترحماً بالنظر الى وضعه الصحي والبدانة التي بدأت تتسع لا بسبب ترفه أو شهية للطعام أنما السمنة تعود الى تكوين وجذور عائلية بحيث لم تسنح له كل المحاولات للتغلب عليها.. ومع تأكيدي ومعايشتي معه أثناء تنفيذ جميع المسلسلات التي شاركته أن وجباته الثلاث كانت تقتصر على وجبة ليلية واحدة.. لاتتسع بحجمها الى معدة طفل.

راسم الجميلي كان بحق أنساناً خلاقاً يبحث على الدوام سبل مشاغلة الحياة بشتى صورها المأساوية والضاحكة بنفس الوقت.. فسعى الى تأسيس برنامج للاطفال (3 أسئلة) خاض فيها تجربة ناجحة لا لهدف شخصي للحصول على شهرة أو ثروة.. أنما تعود المجازفة هذه الى فهمه العميق وأدراكه الحقيقي لآهمية أن تتوسع مدارك الاجيال على معارف متعددة.. وقد أقترح عليّ قبل أقل من شهر برنامجاً ليعالج قضية أساسية في حياة الناس.. أطلق عليه عنوان.. من يكونون؟ أو من هم؟ مستلهماً مواضيع من كتب متعددة، قد بحث عنها في أروقة وأزقة دمشق القديمة.

والحديث عن يوميات راسم قد تطول لايام وأسابيع.. فهو قارىْ وباحث ومتقصي جيد..بدليل ان اصداره لاكثر من كتاب تناول في الاول(تاريخ بغداد) والذي اعتمد عليه الكثير من المعدين لبرامج اذاعيه خاصه ايام رمضان.. وكتاب (فنون الطباخة) والذي أورد فيه جميع أصناف المأكولات البغدادية والعراقية عامة وكيفية طبخها ولذلك لم يأت اعتباطاً لتقديم برنامجه الناجح 1/2 ستاو.

راسم الجميلي كان عضواً بارزاً في فرقة 14/تموز وأثر كثيراً في تطوير كفاءة العاملين فيها وهذا ماأدركته عند أخراجي مسرحية (مجدي من عفك) تأليف صباح عطوان وأخراجي كان راسم في مقدمة الملتزمين في الحضور ومعالجة المواقف الخاطئة أثناء العرض الذي أستغرق قرابة الثلاثة أشهر.. كان فيها المرحوم النموذج الذي يحتذي به بقية العاملين.. كان يحيط بالفنان طيلة مسيرته نخبة طليعيه من فناني الدراما العراقية بدأً من الاستاذ أسعد عبد الرزاق والمرحوم وجيه عبد الغني والفنان القدير قاسم الملاك والمرحوم فوزي مهدي وفاضل جاسم وحاتم سلمان.. وقد اثرى فيما بعد بخطوات أكثر عمقاً في فهم التوجه الحقيقي للمسرح فعمل بأخلاص وتفان مع فناننا القدير سامي قفطان.. في مسرحيات متعددة أراد الراحل من خلالها أن يرسم طريقه الكوميدي المسرحي الخاص وفق تصوراته وذاكرته الفنية الغنية بألافكار فاتفق مع زميله سامي قفطان بتأسيس مسرح دار السلام بذلا فيه جهوداً مضنية بعد تحويله من سينما أيلة للسقوط الى مسرح كان واحداً من المواقع التي حفزت جماهير غفيرة للتردد عليه.. وأن فاتني شيء بل أشياء كثيرة وطريفة عن حياة هذا الفنان القديرة فلا تفوتني ذكرياتي معه عندما عمل معي في مسرحية -حرم صاحب المعالي ومجالس التراث- ومهاجر بريسبان التي اعدت بأسم المحلة وكان فيها المحرك الاعظم بسبب الجدية والاداء المتقن كممثل له قدرة هائلة عندما يتحول تدريجياً من فنون الكوميديا الى فنون التراجيديا باسلوب سلس يؤكد حضوره كمجتهد عندما يتناول الشخصية ويحللها وفق تصور قد لا يصل اليه مخرج العرض.

كان أنتسابه الى الفرقة القومية قد فتح أفاقاً واسعة لكثير من الفنانين ممن يتميزون بالقدرة والاثر الطيب بعد كل عرض مسرحي حيث أن مجرد أشراك راسم في أي عرض مسرحي كان يمنحه طعماً ومذاقاً خاص به.

راسم الجميلي (رحمه الله) كان حلقة مؤثرة في سلسلة أنجازات فنية رائعة.. وكان رقيق الفؤاد، بدليل حزنه الدائم على كل ضحية أو شهادة عراقي.. وكان شديد التعلق عندما يتحدث عن الوطن والناس الابرياء الذي يستشهدون قتلاً أو غدراَ.. فهو فنان قدير كان له وعياً خاصاً بأهمية الحياة وكان مسعاه على الدوام أن يترجم هذا الوعي والمخزون الثقافي المتنوع لديه الى حقائق مما أثرت أنسانيته وجعلته في مصاب فناني الشعب.

وذكر الاستاذ مازن لطيف في ذكراه:

لايزال المشاهد العراقي يتذكر وبأستمرار الادوار التي أدى أدوارها الفنان العراقي راسم الجميلي احد اهم رواد الكوميديا في، فمن ينسى دور أبو ضوية في تحت موسى الحلاق الذي رسخ في مخيلة المشاهد العراقي..ربطتني علاقة مودة واحترام بالجيملي عندما تعرفت عليه في شارع المتنبي ليكون صديقا قريبا الى روحي كونه شخصية نقية جدا في حياته العامة والخاصة، كان حضوره في شارع المتنبي بشكل يومي تقريبا لمدة ثلاثة سنوات قبل احتلال العراق عام 2003 وكان يهتم بالكتاب ويعشق بغداد التي كتب عنها كتابه الاول"البغداديون"اما الجزء الثاني الذي كان يود ان ينشر ويطبع في العراق وكنت احثه دائما وأقدم له المصادر التي تهتم تاريخ بغداد.. ويتناول في الجزء الثاني محلات بغداد القديمة وأشقيائها ومومستها وشخصياتها وفنانيها، حاول ان يجد من يطبعها فلم يجد.. تخبرنا السيرة الذاتية للفنان راسم الجميلي انه ولد في محلة سراج الدين في بغداد عام 1938 وتخرج تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد عام دعي الى الخدمة العسكرية فدخل كلية الإحتياط إسوة بزملائة من خريجي البكالوريوس والماجستير، وبعد ستة أشهر تخرج برتبة ملازم. لكونة فناناً فقد أحيل للعمل في إذاعة القوات المسلحة، ثم عمل مديرا للإذاعة حتى رقي إلى رتبة نقيب اول.

عمل في التلفزيون (حياة العظماء) والذي كان يقدمه المرحوم د. عزيز شلال وقد أسند إليّ فيه دور والد حاتم الطائي أنيطت بة مهمة إدارة قسم برامج الأطفال، - برنامج المسابقات الذي إكتسب شهرة واسعة لدى الصغار والكبار وفي كل محافظات العراق ويعد هذا البرانامج رائداً للبرامج العربية في مغادرة المحلية ودخول العالمية

كان تسجيل الحلقات الأولى لمدارس بغداد ثم توجهوا إلى المحافظات فسجلت حلقات شملت مدارس العراق كافة،، وتوسع المشروع فتوجهوا إلى الأقطار العربية فسجلنت حلقات في مصر،السودان، الأردن،سوريا،المغرب العربي و الخليج العربي. في نهاية التسعينات تعرض كغيره من الفنانين الرواد الى ضيق في العيش اضطر الى بيع كتبه الشخصية..لكي يحافظ على وضعه لم يمدح النظام ولم تربطه علاقات مع البعثيين كان يقرأالكتب التي تفضحهم، بعد سقوط النظام جاء الى شارع لامتنبي وفي اعلى صوته صاح لاتوجد من الان فصاعدا كتباً ممنوعة كل شي مشاع في الشارع وهذا ما حصل في شارع المتنبي بالضبط.. وداعا صديقي العزيزمتمنيا صحوة فنية وأخلاقية وأعتذار للشعب الذي عشقك.

وقال الاستاذ هادي الحسيني:

ستطاع راسم الجميلي الذي عرف بأسم (أبو ضوية) منذ بداياته الاولى أن يجسد الشخصية البغدادية المرحة على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يمّر بها المواطن البغدادي آنذاك، ونجح ليكون كذلك، فيما أصبح ذاكرة عراقية بحد ذاتها داخل البيت العراقي الفقير والغني على حد سواء، وخلال مسيرته الفنية الطويلة التي قاربت على النصف قرن من الزمان لم نسمع أن راسم الجميلي قد مجد أو طبل أو تقرب من الطغاة الذين تعاقبوا على حكم العراق وبخاصة ذلك النظام الدكتاتوري الذي ذهب الى مزبلة التاريخ بطريقة اكثر من مذلة ومهينة، كما فعل بعض الفنانين الذين اخلصوا لتك الانظمة! لقد أخلص هذا الفنان لفنه وشعبه ووطنه بطريقة جسد فيها حبه الكبير للعراق ولهذا فلم يسجل على هذا الفنان المبدع أية نقطة سلبية في هذا الاتجاه.

لم تنسَ الذاكرة العراقية تلك النخبة المميزة في تاريخ الفن العراقي الذين أسهموا اسهاماً فاعلاً في ترسيخ مبادئه الحقيقية التي تم تشييدها على الاخلاص للفن وحده، فكان راسم الجميل من بين هؤلاء الذين تجمعوا في مسلسل لا يمكن للذاكرة العراقية ان تنساه الا وهو (تحت موسى الحلاق) فكان سليم البصري وخليل الرفاعي وراسم الجميلي الذين غادرونا الواحد تلو الاخر علامة مضيئة بتاريخ الفن العراقي.

تعريف بابرز اعماله الفنية:

شترك في أول عمل مسرحي له وكان في الصف الخامس الابتدائي وهو مسرحية اسمها الكتاتيب وتعني (معلم الأولاد) باللهجة البغدادية الدارجة،انتقل إلى ثانوية غازي ثم دخل أكاديمية الفنون الجميلة من زملاء دورته ضياء البياتي، وعمانوئيل رسام، ورسام الداودي تخرج فيها في عام 1964م.

عند تخرجة من أكاديمية الفنون الجميلة عام 1964دعي إلى [خدمة العلم] فدخل كلية الاحتياط إسوة بزملائة من خريجي البكالوريوس والماجستير، بعد ستة أشهر تخرج برتبة ملازم. لكونة فناناً قد أحيل للعمل في إذاعة [القوات المسلحة]، ثم عمل مديرا للإذاعة حتى رقي إلى رتبة نقيب عند غلق هذه الإذاعة.. وفي المسرح العراقي عمل في فرقة مسرح (14 تموز) ثم عمل في الفرقة القومية للتمثيل وأسس عام 1987 مع سامي قفطان و محمد حسين عبد الرحيم فرقة مسرح دار السلام، وقدموا من خلالها مسرحيات شعبية كثيرة منها:

* ألف عافية

* بيت الحبايب

* فلوس وعروس

وفي العمل التلفزيوني: مسلسل (حياة العظماء) والذي كان يقدمه المرحوم د. عزيز شلال وقد أسند إليّ فيه دور والد حاتم الطائي. مسلسل تحت موسى الحلاق - في شخصية أبو ضوية فقد تركت هذه الشخصية أثرا كبيرا في نفوس المشاهدين.مسلسل ذئاب الليل - إخراج - حسن حسني (فنان عراقي)

مسلسل الكوميدي انباع الوطن الذي عرض في رمضان 2007 وهو من إخراج المخرج المبدع اوس الشرقي.. وكان هذا اخر اعماله التي انجزها قبيل وفاته بشهرين مسلسل انباع الوطن وقد حقق شهره كبيره جدا وسطع نجم الفنان الراحل الجميلي مره أخرى في هذا العمل وأبدع بشكل كبير

ومن اعماله المشهورة برنامج المسابقات الذي اكتسب شهرة واسعة لدى الصغار والكبار وفي كل محافظات العراق.يعد هذا البرانامج رائداً للبرامج العربية في مغادرة المحلية و دخول العالمية وقد كان تسجيل الحلقات الأولى لمدارس بغداد ثم توجهوا إلى المحافظات فسجلت حلقات شملت مدارس العراق ثم توسع المشروع فتوجهوا إلى الأقطار العربية فسجلنت حلقات في مصر - السودان - الأردن - سوريا - المغرب العربي والخليج العربي. ولزيادة شهرة ونجاح البرنامج فقد انفتح البرناج نحو العالمية ليشمل: إسطنبول وصوفيا، اليونان،لندن،باريس والهند.

وفاته

توفي في العاصمة السورية دمشق في صبيحة 1 كانون الثاني 2007 عن عمر يناهز الـ 69 عاما أثر إصابته بالعجز الكلوي ودُفن في مقبرة الغرباء في سوريا، وبعدها نقل جثمانه إلى العراق ودفن في بغداد.