من تاريخ مدينة قلعة صالح

من تاريخ مدينة قلعة صالح

علي كاظم درجال الربيعي

ذكرت بعض المصادر التاريخية أن قضاء قلعة صالح الذي أسس عام 1865م سمي بهذا الاسم نسبة إلى (صالح بن سليمان النجدي) الذي انتدبته الحكومة العثمانية آنذاك لقمع تمرد حدث في إحدى العشائر ((عدم دفع ألضرائب الى الحكومة العثمانية))

وهو الذي انشأ قلعة في الموقع الذي كان قد عسكر فيه فسميت المدينة باسمه. وأيضاً أشرف على إسكان مجاميع من الناس على ضفتي نهر (الكرمة) الذي يربط نهر دجلة بنهر المجرية.وكانت تسمى بالشطرة ثم سميت (شطرة العمارة) تميزاً عن شطرة المنتفك وتسهيلاً لمصالح البرق والبريد وذلك عام 1884م وأضافت هذه المصادر أنه تم ربط جانبي النهر في قلعة صالح بواسطة (عبارة) كما بنى الوالي العثماني (مصطفى عاصم باشا) فيها جامعاً وتأسست فيها مدرسة.وفي عهد الاحتلال الإنكليزي أنشأت أول مدرسة ابتدائية.

وكان عدد نفوس القضاء آنذاك 3045.وكانت قرية العزير قبل أن تكون (ناحية) مرتبطة بهذا القضاء وهي من أقدم مدن ميسان لأنها عاصمة ولاية ميسان (المذار) كما فيها مقام النبي عزير عليه السلام. ويقول (غضبان الرومي) من مواليد قلعة صالح في مذكراته: كان والدي نجارا مشهورا يصنع الزوارق والمعروفة باسم (الطّرادة) كما انه كان ماهرا جدا بعمل (الفدن جمع فدان) وهي المحاريث الخشبية وكان يشاركه في الصنعة عمي (سهر).وأضاف الرومي قائلا: ان القلعة كما أتذكرها من طفولتي تقع على الجهة اليسرى من نهر دجلة وتمتد من الغرب الى الشرق الجنوبي على ساحل دجلة، ويبلغ طولها حوالي الكيلو متر. وكانت تتكون من مجموعة من البيوت الطينية والقصبية. والبيوت مبنية مباشرة على ضفاف النهر، وخلفها البساتين، ومن الجانب الثاني لنهر دجلة أي الجهة اليمنى لا توجد بيوت وانما بساتين نخل فقط. ولم يكن هناك جسر يربط الضفتين، وانما العبور بواسطة (بلم) ويطلق على منطقة العبور المعيبر. وكان هناك اثنان واحدة في الجهة الشرقية والثانية في الغربية.وفي الحرب العالمية الأولى وضعت طبقة (عبارة) مقابلة الى مركز البلدية، وهي عبارة عن دوبتين مربوطتين مع بعضهما ومسمر عليهما خشب مثبت على الجهتين وتشبه الى حد ما الجسر المتحرك. وكان العبور ملتزم من قبل أشخاص يلتزمونه من البلدية. واستمرت الحالة الى اواخر الستينات حيث بني جسر ثابت في موضع الطبكة.مركز المدينة ويحتوي على بناية مبنية من الطابوق وهي مركز الشرطة وبيت القائم مقام والمدرسة الابتدائية التركية ودائرة البرق والبريد ومركز القائمقامية نفسها وجامعان وجميعها كانت مبنية من الطابوق. اما مندي المندائية فكان مبني من القصب.

ويقع السوق في مركز المدينة ويمتد من الشمال الى الجنوب متقاطعا مع البنايات الحكومية والمدرسة والجوامع، والسوق بحد ذاته يشبه اسواق العراق الاخرى في كونه متكون من دكانين صغيرة متلاصقة لبعضها البعض مربوطة من الاعلى بسقف جمالي يمنع المطر وكذلك يقي الناس من شدة الحر. وفي الحرب العالمية الاولى أي بعد عام 1914 بدأت تنتشر الفوانيس النفطية بكثرة، وفي الثلاثينات اضيئت قصبة قلعة صالح بالكهرباء، وعم استعمالها بين الناس. ولم تكن وسائل الصحة موجودة قبل الحرب العالمية الاولى واتذكر انه في الزمن العثماني ارسل الينا رجل صحي اسمه (ما مندي) وهو يوناني الاصل وليس طبيبا بل شبه صيدلي او موظف صحي، وقد وضع أدوية على رفوف داخل غرفة طينية وكان يعطي الناس منها بعض الأدوية خاصة للحمى او الإسهال، وكانت حمى الملاريا تنتشر بين الناس وكنا نسميها(الرجافة) اذ يصاب المريض بارتجاف شديد يعقبه حرارة وعرق ثم تنقطع لتعود في اليوم الثاني.وعندما انتشرت الملاريا ذلك المرض اللعين لم يقف مدير مدرستنا المصري الجنسية والمدعو (قسطنطين البيلاوي)، مكتوف اليدين فهو وطبيب قلعة صالح الهندي الجنسية كانوا يجمعوننا وقت الصباح ويطلبون وقوفنا ليسقونا مادة وردية اللون مرة كالحنظل تسمى القنقينة او (الكينينة). وحينئذ بدأت الحمى تفارقنا وبدأنا نشعر بتحسن صحتنا وتقدم أحوالنا، ولم يكن الحال منطبقا علينا نحن الصغار طلاب المدرسة، انما كان الحال مع أهلنا في بيوتنا ومع اخوتنا وآبائنا فكانت بيوتنا وأهلنا مراكز لانتشار هذا الوباء.في سنة 1923 حزيران انتقل الى قلعة صالح وباء الكوليرا وكان يسمى (ابو زوعة) أي ان الانسان يبدأ بالتقيؤ الكثير والإسهال المستمر ثم يموت. وبدأ الناس يشعرون بأن التطعيم ضروري فتهافتوا على الدوائر الصحية.

وكان هناك طبيب واحد اسمه (قسطنطين بالفلو) وهو يوناني درس في بيروت وعين في قلعة صالح ولم يكن يجيد العربية، فكنت أرافقه بصفتي أحد المعلمين في الكثير من جولاته في القرى لمكافحة المرض. ولقد أغلقت المدرسة العثمانية بعد 1914 وحين احتل الجيش الإنكليزي قلعة صالح في حزيران 1915 وتمركز فيها واحتل العمارة بعد يوم واحد من قلعة صالح وبعد فترة وجيزة تعقب الجيش العثماني حتى علي الغربي، ووقف هناك. كان الجيش البريطاني يأتي من البصرة مشيا على الاقدام واكثره مكون من الجنود الأفغانيين والأستراليين، وقد تمركز قسم منهم في قلعة صالح ليكون مركزا لمرور الجيش الى العمارة فما فوق. وبدخول الإنكليز سنة 1915 تغيرت العملة، فجاءت الروبية بدلا من المجيدي والقران والبارة وعند دخولهم ايضا دخلت العملة الورقية وقبلها كانت الليرة الذهبية، ثم جاء الباون الذهبي وفيه صورة الملكة فكتوريا وادورد ووزنه حوالي 10 غرامات، وفي سنة 1919م دخل الدينار العراقي واستعمل بدلا من تلك العملة، وأبدل الناس نقودهم الى العملة العراقية.

ومدرسة قلعة صالح أثرية وتاريخية يرجع إنشائها الى عام (1916) حيث كانت تشغل بيت الشيخة (منيرة) زوجة الشيخ عصمان بعدها انتقلت الى هذه البناية الواقعة على حافة شارع نهر الكرمة المندرس بعد ان تم التبرع من قبل اهالي القضاء عام (1925)، وهي اول مدرسة ليس في القضاء بل في المحافظة والتي خرجت الكثير من العلماء والأطباء امثال العالم عبد الجبار عبد ألله وغيره الكثير. ان اغلب العشائر التي كانت تسكن قضاء قلعة صالح من البو محمد وبني مالك والسواعد وآل ازيرج والفريجات والسراي البو زيد والطليبات والشويلات والساده في المجر الكبير، حيث كان المجر ناحية تابعة الى قلعة صالح، ومن مشايخ القضاء الشيخ فالح بن صيهود وحاتم بن صيهود والشيخ زبون اليسر وعصمان اليسر والشيخ صافي الأمين والشيخ السيد حسن السيد خلف وأخيه السيد الشيخ محمد ومن رؤساء الدين الصابئين الشيخ عبد الله الشيخ سام والشيخ فرج الشيخ سام وشيخ زهرون الشيخ محي.وكان يسكن منطقة الاهوار الواقعة بين قلعة صالح والحويزة عشيرة " الشَدّة" و من افخاذهم النوافل وهؤلاء يسكنون على تلول (ايشان) وهي بالحقيقة مناطق اثرية لمملكة ميسان القديمة في وسط الهور ويربون الجاموس ويصيدون الاسماك ويصنعون البواري من القصب والبردي وهي حصران من قصب. وكانوا صلة الوصل بين عشائر العراق وعشائر الحويزة التي كانت تحت سيطرة الشيخ خزعل الشيخ جابرالكعبي اما بالنسبة الى اهوار القضاء فانها لم تسلم من عمليات التجفيف وما رافق تلك العملية من هجر اغلب عوائل الاهوار الواقعة في منطقة (الترابة) الاهوار الشرقية واليوم رجع اغلب ساكنيها الى مزاولة اعمالهم في الصيد وتربية المواشي وغيرها. وعلى بعد (10-11) كيلو متر تقريبا من مركز القضاء يوجد مقام عبد الله بن علي بن ابي طالب (ع)، المولود سنة 37هـ، حيث يوجد مقام ومزار ترتاده الناس منذ القدم، عرف المقام باسماء والقاب عديدة شاعت بين الناس في الماضي والحاضر وبعض هذه الألقاب كانت حصيلة كرامات لحوادث وقضايا أقترنت بأسمه ووقعت في مرقده الشريف,وأول هذه الألقاب هو (الامام عبد الله) وهو اللقب الذي أطلقه عليه سكان محافظة ميسان وهناك ألقاب عديدة غيرها مثل (ابو صخريه) أستشهد سنة 67هـ في معركة المذار الثانية ودفن في مكانه هذا وقد مر مرقده بمراحل عديدة من البناء والتطوير.