شيخ الفنانين العراقيين فؤاد سالم: الأغنية التي حاربت الطغيان

شيخ الفنانين العراقيين فؤاد سالم: الأغنية التي حاربت الطغيان

حسين محمد العراقي

قصة نجاح من رحم معاناة أتحفنا فؤاد سالم بها بفنه الرائع في أكثر من ثلاثة عقود تلاقفتها الأذهان من آخر شبر من البصرة الفيحاء وحتى آخر حجر من جبال كردستان الشماء أندمجت من البداية و حتى النهاية.

مواويله التي غناها بأعذب الألحان يطن صداها حتى اليوم جعلته باقيا دائماً في عيون مشاهديه ومستمعيه بصوته الشجية وأصبح طربه أكثر شيوعاً في العراق ومن يتابع الواقع الفني للفنان فؤاد سالم يجده في أتم القبول لدى الجمهور لأنه يحمل وجها فنيا بارعا وصوتا لامعا وذائقة سمعية بكل ما حملت الكلمة من فحوى، فنه يخلق روح الدهشة لدى المستمع ويوفر مقومات المتعة التي يتطلبها البناء الفني للشعر وللحن المكتوب.فؤاد سالم أصبح من أساطير الفن العراقي وقد تواكب مع عالم العراق وقدم لنفسهِ ما وصل اليه بفنه الزاخر وكان الأمين على الفن العراقي والملهم لتراثه. له العديد من الظهورات في ميادين المسرح والتلفزيون، وأصبح ركيزة من ركائز الفن الحقيقي بالعراق بصفته المصدر للأغنية العراقية.فؤاد سالم هو الحب بمعناه المألوف والمتداول في قلب العاشق للوطن والأرض في أيام غربة المنافي، والقلب لا يتذوق الفرح بلا محبة والفنان فؤاد سالم هو محبة وذوق أكثر ناس العراق الجريح.

ومن الصعب على المرء أن ينسى هذا الفنان الذي ترك الأثر في نفوس العراقيين خصوصاً جيل السبعينات ولحد الآن، وكم تكلمَ عنه شعب العراق مخلدا اسمه في ارجاء الوطن.فنان السبعينات فؤاد سالم حالة من السعادة عشناها مع عز الفن ولم يكن عابراً، علماً أينما يتوجه وفي كل زمان و مكان من بقعة أرض العراق فهو المحترم بشخصيته وأغلب شعب العراق يحيونه ُ بتثمين وأعتزاز وكانوا سعداء وفخورين بفنه لأنه قمة الصوت الحنون في الكلام واللحن والشعر والأداء والأخراج وبات جسراً عبر عليه الاخرون وألتصق بحب وشغف العراقيين وكان يطرب الجميع بسعادة غامرة ويرسم على الوجوه بسمة واسعة وأصبح محط أنظار.كنت أراهن على فنه منذ ظهوره على المرئي لأنه يصل الى المستوى المطلوب، وهو من أوائل الفنانين الذين بنوا اللبنة الأولى للفن العراقي المتوازن في السنوات أعلاه لكن للأسف الأغنية السبعينية لم تعد موجودة الآن لكن فؤاد أحبه الجميع وأعطى حبهِ للفن العراقي بدون أنانية وقد قربتهُ أحاسيسه من الطفولة وأصبح بفنه خبرة وحين نستمع أليهِ نستعيد ذكرى الأيام الخوالي التي نعشقها للعراق في أيام الغربة و لحب هذا الفنان الذي أصبح عنوان الوفاء والولاء لشعب العراق بكل ما تنطوي عليه القيم في ذاته.ومهما كتبت الأقلام ونطقت الأفواه وعبرت العقول فهي نقطة من بحر.

أن عميد الفن العراقي العندليب المهاجر الفنان فؤاد سالم لم يفهم بعصره ألا الطريق الواحد المبني على الحرية وسعادة الأنسان لكن للأسف في الأعوام اللاحقة عومل بحملة مسعورة فضاق ذرعاً وأضطُهد وذاق الأمرين لأنه رفض أن يقف أمام المايك ويمجد الطاغية وصودرت جُل أغانيه وأرشيفه الخاص بفنه المميز وحُرم الجمهور منهُ، ولم يستسلم للمغريات وقد كابد سنوات الجمر والعناء وأيام اللوعات المؤلمة التي عاشها في السبعينات وقد جار الزمن عليه بسبب الضغوط المتتالية وخرج من طوفان جروحه وعلى أثرها سلك طريق الغربة وولدت مظالم الهجرة وقد أختزنت حياته الأوجاع عن طريقها وأصبح من أُباة الضيم؟ وعند خروجه من العراق ومعايشته للغربة لم يخبئ نفسه في المهجر وكان يظهر نهاراً جهاراً أعلامياً وينشد للحرية وللمظلومين ولا أمواج ترده وكان مؤمناً حقاً بأنه مُلك العراقيين وأن عطاءه بوتقة تصب في خدمتهم، ويأبى لنفسه أن يتردد لأنه صاحب مبدأ حر، أننا نبكي دموع مكتومة على هذا الفنان الذي ضيع عمره بالغربة، واليوم الأغنية العراقية الحزينة تسأل عن الفنان فؤاد سالم لأنه رسالة فن من عنوان أصل وبودي ان اقول هنا ان العراق الآن بأنتظارك ولا يزال جريحا ومن يداوي جراحه سوى المبدع، رغم ان الشرخ كبير والجرح كبير لكن جمهورك بأمس الحاجة، وهو يطلب عودته شكلاَ أو صورة أو هيكل لكي تضمد لنا جروح العراق دجلة والفرات التي أمطرت عيناها دم بسبب فراقكم وضياع أغانيكم الحزينة التي أصبحت غير محمية وكفاكم غربة.

أن هجرة الفنان فؤاد سالم والتي تجاوزت اكثر من ثلاثة عقود كانت مدرسة حقيقية وأستاذها الزمن، وكان يحس ويشعر ويفهم ويحن للعراق الذي هو بمفهومه جنة الله في الأرض و كان يردد القول ولحد الآن (أنا مشتاك يا بغداد ما ينحمل الفراك) وكان يحزن لبغداد أيام العجاف ويفرح لفرحها، علماً أن الأنسان أكبر من الخطا والظلم الذي يقع به ويصبح ضحية للذين يصنعونه، والفنان فؤاد سالم قد غنى ليعبر عن الواقع الفاسد ورسم فنه بحروف ارادها أن تتحقق، أضف الى ذلك ان فنه كاد يقوده للضياع و جعلهُ يعيش تحت الكواليس يوم ذاك والى الدهاليز المظلمة في سجن الحاكم؟ أو الى المواجع في عالم تراكم فيه الجهل والتخلف، وغنى ليتحدى الباطل عن الأنتشار، وغنى لكي يصلح الفكر المنحرف وأراد لغنائه أن يتحول الى صراخ لمحاربة الطغيان وكانت الآهات التي تتوج مواويله أختزلت معانات ومضطهدين ومعذبين شعب العراق وكان يريد بفنه الغنائي ترجمانا لعذابات الآخرين فكان يقول نعم نعم للحياة الحرة الكريمة المحروم منها الأنسان العراقي رغم التكميم على الكلمة والغذاء في زمن لا يأتي بالعيش الكريم الذي يرتقي للمستوى المطلوب للأنسان العراقي وقدم ما مطلوب منه من أجل الأنسان العراقي وحقوقه وهو لم ينل منها شيء؟ بعد ما قدم الكثير ومنه فراق الأهل الأحبة والوطن أكثر من ثلاثة عقود وقد أتى التاسع من نيسان عام 2003 ولا طيب يلوح بالأفق من جانبه وحقوقه وهنا أصبح بين شقي الرحا؟ و للأسف ما من ناظر لقد مضى العمر وطحنتهُ الغربة على وشك أن ينتهي يا دعاة الحق، أين أنتم من الفنان فؤاد سالم؟ يراعنا قد ملْ لماذا هذا الصمت والسلبية واللامبالاة؟ توجهت الى نقيب الفنانين السابق حسين البصري وعند زيارتي له مراراً وتكراراً قبل عام وقبيل أن يسلم النقابة الى زميله المندلاوي وكلما أسألهُ عن جروح هذا الفنان أعلاه لكن للأسف لا حياة لمن تنادي وكان موقفه خجول لانه جعل الفنان أعلاه على رفوف النسيان، في طي النسيان؛ بلا عنوان..

ان فناننا القدير له مكانة خاصة بقلوبنا بطربه الناصع والحكيم للمتلقي العراقي وبات علما يرفرف في بغداد وباقي المحافظات، وأصبح من كوكبة الفنانين المميزين ويستحق التقدير لأنه أعطى لفنه أبعاد عالية وفق رؤيا نادرة وأصبح بفنه المجتهد والمثابر يعشقه الجميع لأنه مشروع رائع للفن العراقي وأصبحت له قاعدة جماهيرية واسعة وكان نبرة تحمل الصدق، وكانت طريقة الفنان فؤاد سالم تتناسب مع جروح وإيلام شعب العراق المعذب والمغترب وفي أقسى أمتحان للأنسان وهي (الغربة؟)، وكان معبراً حقيقياً عن الحنين طليق اللسان له مخيلة خصبة تستوعب الذكاء والبديهية بسرعة فائقة التصور، أن الأغاني التي قدمها قد عالجت الكثير من مشاكل كان يعاني منها عراقيو المهجر ترجمها الفنان فؤاد سالم الى راحة النفوس، وكنا نرتعد ونرتجف و يُغرق أهدابنا عندما نسمع أغنية (منهلي؟؟ جاني كتاب من خلي ومنهلي قريتة وصب دمع عيني منهلي) وهي الرسالة الأنسانية التي ما زال صداها مدوياً في النفوس منذُ مطلع ثمانينات القرن الماضي وكانت تمتزج فيها الرهبة مع المتعة الفنية لحنين الوطن وعند سماعنا لها يعاودنا السرور ويدخل في قلوبنا همسات حزينة وأنسام عليلة لأن الفنان أعلاه من قوافل الزمن الصاعد الى النور وعند أدائها كونت صرخة مدوية في عالم المرئي المسموع.واعرف ان لدى الفنان فؤاد سالم حقيبة كبرى من جواهر للفن العراقي الأصيل في غربتهِ المريرة الذي عاشها من السبعينات ولحد الآن قدمها بصبره وكفاحه الدؤوب وسوف يذكرها التأريخ والمؤرخون للفن، وان وجود الفني النموذج الذي يحتذى به دخل التأريخ من أبوابه العريضة ونمت أواصره بالمحبة وسيبقى في ذاكرة العقول والقلوب…