عباس غلام نوري
كان الجواهري في مزرعتهِ عند أندلاع الثورة حتى سمع من المذياع ما نطق به عبد الكريم قاسم في إحدى المؤتمرات الصحفية من أنه كان يعرف الجواهري في وقت سابق وهو صديق حميم له وكان الجواهري قد قابله فعلاً في لندن إبان سفرته اليها عندما دعتهُُ جمعية الصداقة العراقية البريطانية عام 1947 وكان قاسم لايزال ضابطاً في الملحقية العراقية في لندن
وكان معجباً بالشاعر وشعرهِ فشجعتهُ هذهِ المعرفة على التعاطف مع الثورة، ثم أنه قد أيد الثورة بقصيدته "جيش العراق" التي القاها من الاذاعة وتناقلتها الصحف المحلية في اليوم التالي ومن ثم تلتها قصيدة أخرى حملت عنوان "باسم الشعب" حتى بدا الجواهري شاعر الثورة في أول عهدها.
وكما هو مألوف كانت علاقة عبدالكريم قاسم في الأيام الأولى من عمر الثورة جيدة بالجواهري، فقد وجدنا الاخير قد حيا الثورة وازدادت صلته برجالها من خلال قصائدهِ وجريدته "الرأي العام" ذات الاتجاه السياسي المساير للجمهورية، ففي معرض حديثهِ عن الثورة في بدايتها وكل الحركات التي أيدها بقوله "أنني انساق ببراءة وراء كل ثورة او ظاهرة او انقلاب او حركة أو انتفاضة تحمل في ظاهرها شعارات الولاء والانتماء الى الشعب". وهذا ما حصل للجواهري في أحداث انقلاب بكر صدقي وحركة رشيد عالي الكيلاني وانتفاضة عام 1952 ودفع به هذا الاندفاع الى الاعتقال والتشريد.
ولو تفحصنا جيداً في مذكرات الجواهري لهذهِ المدة لرأينا مدى اهتمامهِ اكثر من أي وقت مضى طوال مسيرته السياسية في العراق ومدى معايشتهِ هذه المدة لقربه من الحكومة وشخص رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ومعرفتهِ السابقة بما يشبه منعطفاً تاريخياً في حياته، وعلى الرغم من ذلك أبدى تحفظاته تجاه هذهِ المسيرة لما جرى من تنكيل بالعائلة المالكة، فأبدى شعورهِ بالذنب أحياناً. ويذكر الجواهري مدى قرب عبد الكريم قاسم منه الى درجة أن الأخير لم يرد أي طلب لهُ وأنه كان يزورهُ في بيتهِ في أثناء مرضهِ وكانت أبنتهِ عندما تستدعي رئيس الوزراء على الهاتف يطمح لتفيذ مطاليبها، ويروى أيضاً بعد مدة من الزمن من عمر الثورة كيف أن الصحيفة الفرنسية "ليموند" قالت عنهُ إنه أقوى شخصية مقربة الى الزعيم ولهُ الكلمة المسموعة وهناك قصائد القاها الجواهري تأييداً للثورة والجيش من أذاعة الثورة بعد 14تموز جاء فيها
سدد خطاي لكي أقول فأحسنا..... فلقد أتيتُ بما يجل عن الثناء
وبعد تشكيل اول حكومة جمهورية في عهد ثورة 14تموز 1958 برئاسة عبدالكريم قاسم والضباط الاحرار، التي منحت الجماهير العراقية جواً ديمقراطياً حراً في وسائل الاعلام منذ تشكيل اول وزارة، شمل الامتياز ثماني صحف سياسية كانت معطلة زمن الحكم الملكي السابق ومن بينها جريدة الشاعر محمد مهدي الجواهري "الرأي العام".
أتسمت جريدة الجواهري "الرأي العام" في الحقبة الأولى في مسيرتها بالتأييد المطلق لحكومة الثورة من خلال مقالاتها المؤيدة في شتى المجالات التي نشرها صاحبها الجواهري. وكالعادة خاطب الأخير الجماهير العراقية بمؤازرة الثورة والالتفاف حولها كما فعل في انقلاب بكر صدقي عام 1936 كما ذكرنا، ولكن في هذهِ المرة تبدو الأوضاع مختلفة عن سابقتها، اذ إن الجواهري يبدو أقرب من غيرهِ من قائد الثورة عبد الكريم قاسم وله الكلمة المسموعة والرأي السديد في كثير من الأحيان، وفي البدء طالب بمزيد من اليقظة والحذر في المرحلة الراهنة وهاجم في الوقت نفسه من أسماهم باعداء الثورة من الانتهازيين والرجعيين والوصوليين مؤكداً أن الثورة سائرة في طريقها الطبيعي نحوالتقدم وأنه لن تعيقهُ "الخفافيش التي تطير في الظلام" بحسب قوله مؤكداً أن العراقيين أبدوا ارتياحهم وفرحهم من التغيير الجديد متأملين انتشالهم من وضعهم الى حياة أفضل تخلصهم من أشكال الاستعباد والاستبداد.
عن رسالة(محمد مهدي الجواهري ودورهُ السياسي في العراق)