موفق خلف العلياوي
منذ الأيام الأولى لثورة الرابع عشر من تموز عام 1958, سارعت الدكتورة نزيهة الدليمي مع عدد من النساء لفتح مقر لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة في مبنى الاتحاد النسائي العراقي, بعد رفض السيدة آسيا توفيق وهبي, رئيسة الاتحاد المجيء إلى مقر الاتحاد لاتخاذ موقف مؤيد للثورة,
من خلال مكالمة تليفونية معها, فضلاً عن قيام عضوات الرابطة العاملات في الاتحاد بإجراء اتصالات واسعة مع النساء عن طريق تشكيل فرق نسائية, تطرق أبواب البيوت وتدخلها, شارحة أهداف الثورة الوطنية والديمقراطية, مطالبه إياهن بتأييد الثورة, وضم جهودهن عن طريق العمل في الرابطة, وتذكر السيدة بلقيس الشيخلي بأنها ذهبت برفقة زكية خليفة, وهي من العضوات البارزات في الحزب الشيوعي العراقي, والدكتورة فريدة الماشطة - كان عملهن جمع النساء للانضمام للرابطة - إلى عيادة الدكتورة نزيهة الدليمي في الشواكة بعد يومين من إعلان الثورة قائلة: " كانت العيادة تغص بالنساء واذكر منهن سافرة جميل حافظ و لميعة عباس عمارة وابتهاج الأوقاتي وحياة النهر وآمنة النهر, وهن من شابات الرابطة. وكانت فرحة الدكتورة نزيهة الدليمي لا توصف بكسب مجموعة من الشابات إلى الرابطة, إذ إنها استقبلتني بقولها أهلا بك شابة الرابطة التي ترعى حقوق النساء ".
وأثناء اللقاء طلبت الدكتورة نزيهة من الرابطيات الاختلاط بالنسوة للتعرف على معاناتهن, ولاسيما سكان الصرائف التي كانت تملأ محيط بغداد, التي يعيش سكانها ظروفاً متردية جداً, وتذكر السيدة بلقيس الشيخلي قائلة: " كانت الدكتورة نزيهة الدليمي توجه فرقاً منا نحن الرابطيات للعمل في منطقة الصرائف لغرض التوعية الصحية والاجتماعية ومحو الأمية وتزودنا بما يردها من أدوية لتوزيعها على السكان وكم من مرة رافقتنا سيراً على الأقدام لتجري الفحص الطبي للنسوة والأطفال, وتقدم النصح وتكتب الوصفات دون مقابل, محدثة إيانا بأن لابد من يوم قادم يتغير فيه واقع هذا السوء ".
كان نشاط الدكتورة نزيهة الدليمي واضحاً منذ الأيام الأولى لثورة الرابع عشر من تموز, ويتضح ذلك من خلال حركتها الدؤوبة بين صفوف النساء, إذ جعلت من عيادتها الطبية مقراً لهن, وحرصت على فتح المجال أمام الشابات منهن للعمل في صفوف الحركة النسوية, لدورهن في التأثير على شريحة الفتيات اللاتي ضمن إدراكهن العقلي.
عملت الدكتورة نزيهة الدليمي على فتح فروع للرابطة في مدن العراق كالبصرة والعمارة وكربلاء والنجف وأربيل والسليمانية وكركوك, قبل تقديم طلب إجازتها,عبر تشكيل لجان ٍتحضيريةٍ في مراكز الألوية أخذت على عاتقها توجيه نداء إلى النساء من مختلف الأطياف والمكونات للانضمام للرابطة, ففي الثاني والعشرين من آب عام 1958, نشرت جريدة الزمان نداء اللجنة التحضيرية في كركوك, للإعلان عن مساندتهن ومؤازرتهن للهيئة المؤسسة لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة, و جاء في النداء " إننا الهيئة التحضيرية لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة في كركوك يسرنا أن نبارك ونساند بكل حرارة نداء اللجنة المؤسسة لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة في جمهوريتنا الفتية ويشرفنا أن نكون في طليعة النساء والفتيات المتطوعات للدفاع عن جمهوريتنا, بأرواحنا وبكل ما نملك. ونحن بدورنا وفي هذه المناسبة المجيدة ندعو كافة المواطنات في كركوك للالتفاف حول رابطتهن الديمقراطية – رابطة الدفاع عن حقوق المرأة في مدينة كركوك – في سبيل حقوقهن العادلة لأن في التنظيم وحدة تظهر قوة وتكاتف كافة المواطنات في الدفاع عن جمهوريتنا الفتية..."فضلاً عن برقيات التأييد لقرارات حكومة الثورة التي كانت ترسلها فروع الرابطة في عدد من ألوية ومدن العراق, إذ بعثت لجنة رابطة الدفاع عن حقوق المرأة فرع الصليخ ببرقية تأييد إلى حكومة الثورة, باركت فيها إصدارها لقانون الإصلاح الزراعي, ذي العدد (30) لسنة 1958, مُعدَةَ إياه بالخطوة التي سيكون لها صدى عميق في نفوس جميع العراقيات, كونه يعني التقدم والرفاه للمرأة العراقية "التي كانت تعاني كثيراً من الأوضاع البالية التي خلفها الإقطاع ونماها وكانت تدعمه الفئة الحاكمة البائدة والاستعمار", تبعتها برقيات تأييد للقانون من لجان الرابطة في كل من الديوانية, والوزيرية, كما بعثت الدكتورة نزيهة الدليمي وعدد من النساء, برقية تأييد إلى الحكومة لقرارها الجريء جاء فيها: " تقف هؤلاء النسوة لتحيي بملء صوتها زعيمها المفدى الذي أنقذنا من جحيم الإقطاع, تلك القاعدة الكبرى التي يرتكز عليها الأجنبي المستعمر التي كان عن طريقها يضرب نطاقاً من الجهل والفقر والمرض والعبودية حول هذا الشعب المناضل.أن توزيع الأراضي على أخوتنا الفلاحين معناه القضاء على الحياة البائسة الشقية التي فرضها الإقطاع المتجرد من كل معاني العدالة والإنسانية على السواد الأعظم من الشعب العراقي, وقد عانت أختنا الفلاحة من هذه الحياة المرة أنواع العذاب والحرمان. أن هذه الثورة الاجتماعية الجبارة تعني المسكن اللائق ونعمة العلم والتقدم والرفاه لهؤلاء الأخوة المواطنين" وفي السياق ذاته, بعثت لجنة الرابطة في مدينة العمارة برقية عبرت فيها عن تأييدها لخطوة الحكومة في " القضاء على الإقطاع دعامة الاستعمار... خطوة أخرى عظيمة نحو بناء مستقبل أفضل وحياة مرفهة كريمة لشعبنا الأبي ".
وذكرت جريدة الزمان بأنها تلقت برقيات تأييد لصدور قانون الإصلاح الزراعي موقعة بإسم عدد من نساء هيبة خاتون في الأعظمية, ومحلة المسجد في الموصل, كما نشرت برقيات تأييد لنفس الموضوع من قبل نساء الرابطة في الكرادة منطقة البوليسخانة, وأربيل, فضلاً عن برقية الهيئة التدريسية وطالبات ابتدائية تكريت للبنات.
كثفت الدكتورة نزيهة الدليمي من نشاطها في الدفاع عن حقوق المرأة العراقية متخذة من أجواء الانفتاح الديمقراطي التي سادت بعد الثورة مجالاً واسعاً لتحركها بهدف منح الرابطة إجازة رسمية يسمح لها بالعمل علناً, وتخصيص مقر رسمي لها من قبل الحكومة, فقد ذهبت بصحبة وفد من نساء الرابطة, والتقين برئيس الوزراء (عبد الكريم قاسم) في مقر وزارة الدفاع, طالبن الأخير الاعتراف برابطة الدفاع عن حقوق المرأة وإشراك المرأة في فصائل المقاومة الشعبية, ومساعدة الرابطة في فتح مراكز لها لمكافحة الأمية للنساء اللواتي حُرمن من التعليم.
اجرت صحيفة الزمان حوارٍ معها للتعرف على تجربتها في هذا الميدان, سلطت فيه الضوء على الحركة النسائية في العهد الملكي وما كانت تعانيه وعن دورها في ظل النظام الجمهوري, وللتعريف بدور الرابطة وبدايات تأسيسها ذكرت: " لقد تأسست الرابطة بعد نضال دام طويل, من أجل حصول النساء العراقيات على حقوقهن الديمقراطية المسلوبة... إن الرابطة تأسست في بداية عام 1952 بعد أن قدمنا طلباً إلى وزارة الداخلية بتكوين جمعية باسم - جمعية تحرير المرأة – غير إن الجهات المعنية لم تجزنا فاضطررنا للعمل الخفي. وكان العمل أول تأسيس الرابطة بين المثقفات بشكل رئيسي, خصوصاً الأخوات اللواتي, كان لهن دور في انتفاضة الشعب المجيدة عام 1948".
عن رسالة (نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية)