رياض فخري البياتي
انتهز أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار فرصة مرور اللواء العشرين من معسكر جلولاء إلى بغداد في تموز 1958م، بناء الى أوامر صدرت من رئاسة أركان الجيش, لغرض تعزيز موقف حكومة الاتحاد العربي، ومساندة الجيش الأردني ضد التهديدات الصهيونية، لكنه في حقيقة الأمر كان الهدف الحقيقي من وراء ذلك التحرك العسكري هو الزحف بقوة عسكرية لضرب الوحدة العربية في سوريا ثم القضاء على الثورة الشعبية في لبنان.
وكان اللواء المذكور بإمرة الزعيم الركن حقي محمد علي والتابع للفرقة الثالثة، وقد اتفق أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار على تنفيذ الثورة، مستغلين فرصة مرور اللواء العشرين في مدينة بغداد، فضلاً عن تواجد الكبار الثلاثة (الملك فيصل الأول، والوصي عبد الإله ونوري السعيد) في بغداد, وتم توزيع المهام بين كبار الضباط العسكريين.
حذر الملك حسين بن طلال ملك الأردن العائلة المالكة بوجود نية لدى ضباط الجيش لإحداث انقلاب ضد نظام الحكم الملكي في العراق، وكذلك وردت معلومات إلى ولي العهد عبد الإله حول ذلك من شعبة الاستخبارات الخاصة التابعة للواء الحرس الملكي التي كانت توصل المعلومات المتعلقة بالضباط الأحرار، فضلاً عن المعلومات التي قدمها ضباط الجيش بخصوص تنظيم الضباط الأحرار، كما رصـدت مديرية الأمـن العامة التي كان يرأسـها بهجت العطية حركات الضباط الاحرار، وقدمت معلومات مسهبة عنهم، لكن رئيس اركان الجيش الفريق الركن محمد رفيق عارف استخف بتلك المعلومات في محاولة منه للظهور بمظهر عدم الضعف امام رؤسائه, ولاسيما انه يتولى منصب عسكري كبير, فضلا عن ارتباط مديرية الاستخبارات العسكرية به بحكم منصبه, مما قد يجعله في موقف محرج.
بدأ تنفيذ خطة الثورة ليلة 13 / 14 تموز لما دخل اللواء العشرون مدينة بغداد قادماً من جلولاء بطريقه الى الاردن، وفي الساعة الخامسة صباحاً من يوم الرابع عشر من تموز سيطر العسكريون على اهدافهم التي نيطت بهم وحسب ماكان مخططاً له، وقد اذيع البيان الاول للثورة في الساعة السادسة من صباح يوم 14 تموز من دار الاذاعة العراقية.
بدأ الهجوم على قصر الرحاب في الساعة السادسة من صباح يوم الرابع عشر من تموز، وصدرت الاوامر الى الرائد منذر سليم للتوجه على راس سريته الى القصر المذكور، واعتقال الملك فيصل الثاني والوصي عبد الاله، وقد قام بتوزيع افراد سريته حول قصر الرحاب بانتظار الاوامر لبدء الهجوم عليه.
وقد قام احد الضباط في الحرس الملكي بالاتصال بقصر الرحاب والادلاء بمعلومات افادت الى قيام وحدات اللواء العشرين بالسيطرة على بغداد، وان هنالك انقلاباً قد حدث، وانذرالرائد منذر سليم حامية الحرس الملكي طالباً منهم التسليم.
بدأ اطلاق النار باتجاه القصر في الساعة السادسة والربع من يوم 14 تموز، وقد اصابت احدى تلك الاطلاقات نوافذ غرفة نوم ولي العهد عبد الإله وحطمت زجاج إحدى نوافذها، وقد طلب ولي العهد عبد الإله من آمر قوة حماية القصر طه بامرني ان يقوم بكسب الوقت لحين استدعاء قوات موالية للقصر.
قامت قوة الحماية في القصر الملكي بالرد على رشقات الرصاص التي صوبها المهاجمون نحو القصر، لكن المهاجمين تعززت قوتهم بمقدم الضباط الاحرار من الوحدات العسكرية القريبة من قصر الرحاب.
وكان من ضمن اولئك الضباط عبد الستار سبع العبوسي، الذي قام بجلب مدفع عيار(106) ملم مضاد للدروع لاستخدامه للهجوم على قصر الرحاب، وقام عدد من الضباط والجنود باقتحام حديقة القصر من الباب الجانبي، كما قام عبد الستار سبع العبوسي باطلاق ثلاثة قنابل من المدفع الذي كان بحوزته، مما ادى الى تصاعد السنة اللهب من غرف القصر.
اضطر افراد الاسرة المالكة للنزول الى اقبية وسراديب القصر للاحتماء من رشقات الاطلاقات النارية والقنابل التي كانت تنهال على القصر، إذ تأزم الموقف اكثر لما قدمت اعدادٌ اخرى لمساندة المهاجمين على القصر، فضلاً عن انضمام امر قوة حماية القصر طه البامرني بعد ان اقتنع ان خطة الثورة هي التي سترجح كفتها، وانه لم تعد الملك فيصل الثاني او ولي العهد عبد الإله بارقة أمل في السيطرة على الموقف، وعلى اثر ذلك استسلمت قوة حماية القصر.
خرج الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله وبقية افراد العائلة المالكة الى حديقة القصر، بعد ان طلب الضباط الاحرار منهم ذلك لنقلهم الى وزارة الدفاع بسيارات عسكرية، وخلال سيرهم في حديقة القصر دخل النقيب عبد الستار سبع العبوسي من الباب الرئيسي حاملاً غدارة في يده، وقام باطلاق رصاصه صوب العائلة المالكة، ثم توالى إطلاق الرصاص.
من المهاجمين على القصر، فسقط الملك فيصل الثاني وولي العهد عبد الاله والملكة نفيسة والدة ولي العهد والأميرة عابدية قتلى على الفور، فيما جرحت الأميرة هيام زوجة ولي العهد عبد الإله مع خادمتها(1).
إن المهمة التي كانت مناطة بالقوة التي هاجمت قصر الرحاب هي اعتقال الملك فيصل الثاني والوصي عبد الاله، لذلك هنالك سؤال يطرح نفسه حول الدوافع الحقيقية لقيام النقيب عبد الستار سبع العبوسي باغتيال العائلة المالكة وخاصة الملك فيصل الثاني، الذي لم يكن له أي دور حقيقي في ادارة سياسية الدولة بسبب هيمنة ولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد على القرار السياسي للسلطة؟. ويشاع أن النقيب عبد الستار سبع العبوسي توجه بعد تنفيذ تلك العملية ودخل علي عبد السلام محمد عارف مسرعاً وقد احتضنه قائلاً: (قتلتهم... قتلتهم كلهم)، والحقيقة ان عبد الستار العبوسي كان يجهل في ذلك الوقت مكان عبد السلام عارف.
هنالك رواية عن قيام عبد الستار العبوسي بذلك الفعل بتاثير ما تردد الى ذهنه حول حوادث حركة مايس 1941م، التحررية، وما لاقاه الضباط الاحرار من اعدام وتنكيل من قبل السلطة لذلك اراد ان لاتتكرر المأساة مرة اخرى ويقوم عبد الإله بشنق ضباط الثورة لذلك اقدم على تلك العملية.
وهنالك رواية اخرى حول دوافع قيام النقيب عبد الستار سبع العبوسي بتلك العملية، والتي افادت ان المذكور قام بتلك العملية انتقاماً لاغتيال ابن عمه رشيد العبوسي الذي اغتيل في الولايات المتحدة الامريكية، ظناً منه ان اغتياله قد تم بامر من ولي العهد عبد الإله.
فيما روى عبد الستار سبع العبوسي حول قيامه برمي العائلة المالكة بالرصاص صبيحة يوم 14 تموز 1958م, انه كان عملاً غير مقصود من قبله، وانه جاء كرد فعل على اطلاقات نارية صوبت نحوه اثناء خروج العائلة المالكة الى حديقة قصر الرحاب لغرض استلامها، وقد انتابه الندم الشديد من جراء قيامه بتلك العملية.
وهنالك رأي طرح احتمالين حول الدوافع الحقيقية لاغتيال العائلة المالكة، الاحتمال الأول كون تلك العملية قد خطط لها مسبقاً من قبل المهاجمين، بعد ان استقر رأي قيادات الثورة العسكرية والمدنية على اغتيال الملك فيصل الثاني الى جانب عبد الاله ونوري السعيد حين اتفقت على ذلك يوم الحادي عشر من تموز، اما الاحتمال الثاني فكون تلك العملية قد حدثت نتيجة ضغوط وحماس الموقف الذي عاشه المهاجمون في حينها.
وهنالك شائعة افادت ان عبد السلام محمد عارف قد جاهر علناً امام من كان يامن جانبهم حول نيته المبيتة في تصفية الثلاثة الكبار (الملك فيصل الثاني, وعبد الاله ونوري السعيد), وانه الوحيد من بين الضباط الأحرار قد صرح علناً بذلك، وقال حين بحث مصير الثلاثة الكبار مع الضباط الأحرار ان من الواجب قتل الثلاثة، حتى لا تكون حجة محتملة لدول حلف بغداد والأردن للقيام بأي تدخل عسكري.
وقد انقسم زعماء جبهة الاتحاد الوطني على انفسهم حول موضوع التخلص من الملك فيصل الثاني، فقد ايد بعضهم ابقاء الملك فيصل الثاني على عرشه واجباره على تشكيل وزارة دستورية واجراء انتخابات حرة، ثم تقرر السلطة التشريعية نفي الملك واعلان الجمهورية فيما ايد اخرون امثال كامل الجادرجي فكرة التخلص من الملك فيصل الثاني، واقترح بعض الضباط الأحرار على ابقاء حياة الملك فيصل الثاني، وذلك لاعتقادهم بوقوعه تحت هيمنة خاله ولي العهد عبد الإله من جهة, ونوري السعيد من جهة اخرى وما شهده العراق بسببهما من سياسات متشددة حيال الاوضاع الداخلية في العراق.
نقلت جثث العائلة المالكة الى وزارة الدفاع، لكن الجماهير اعترضت السيارة التي نقلت جثثهم، وقامت بسحب جثة عبد الإله وسحلها، ثم علقت على باب وزارة الدفاع في المكان نفسه الذي علقت فيه جثة صلاح الدين الصباغ عام 1945م بعد إعدامه، بسبب اشتراكه في حركة مايس 1941م، ولم ينجُ من تلك العملية سوى الاميرة هيام زوجة ولي العهد عبد الإله وخادمتها، اذ تم نقلهما الى المستشفى الملكي وانقاذ حياتهما.
عن رسالة (ظاهرة الاغتيالات السياسية في العراق خلال الحكم الملكي)