عادل العرداوي
استقبلنا الأستاذ الأزدي ضيوفا في بيته بدشداشته البغدادية معلناً رفضه بوضوح لكل أساليب الاستقبال الرسمي، رجل في العقد السادس، يبدو عليه المرح والنشاط من خلال لحظة الاستقبال الأولى لنا, ولا يزال يحتفظ بقامته المعتدلة.
قلنا للأستاذ الأزدي حدثنا عن نفسك في البداية.. قال:- ولدت في محلة "المجارية" سنة 1919 ونشأت في محلة "القراغول" القريبة منها. درست القرآن وختمته على يد أحد (ملالي) بغداد في منطقة قريبة, وأذكر جيدا حفلة الختمة التي أقيمت لي بالمناسبة علما بأني ختمت القرآن وعمري أربع سنوات فقط.
بعد ذلك دخلت مدرسة التفيض الأهلية وكانت من بين المدارس القليلة الجيدة في بغداد كالمدرسة المامونية, البارودية, الجعفرية، والفضل. بعد الابتدائية دخلت مدرسة الصنائع – قسم التجارة وكنت حينها أكتب إلى بعض الجرائد, وتخرجت منها كنجار, بعدها مباشرة دخلت مدرسة المعلمين الريفية في الرستمية وتخرجت منها عام 1939. بعد تخرجي عملت معلما في منطقة كويرش في بابل وفيها كنت أكتب المقالات. والواقع أني بدأت بكتابة المسائل الفكهة تأثرا بالكرخي ونوري ثابت صاحب جريدة حبزبوز.
عملت في جريدة (الناقد) وكان صاحبها ميخائيل تيسي الذي سبق أن حصل على امتياز لجريدته السابقة (كناس الشوارع). كان ميخائيل فكها ولكن ليس على مستوى شعبي بسيط وإنما على مستوى المثقفين والمتعلمين في ذلك الوقت.
النكتة للنكتة..
لم أكن اكتب المسائل من اجل النقد في البداية وإنما كانت من اجل أضحاك الناس فقط.. ولم أكن أدرك ما تتركه النكتة من أثر لدى المواطن. ألا أنني اكتشفت أهميتها بعد انخراطي في مدرسة الصنائع واختلاطي بطلاب عرفت فيما بعد أنهم محترفي سياسة, حيث أطلعوني على أشياء كثيرة لم أكن أفهمها سابقاً. في عام 1936 بدأت بتطعيم الفكاهة بالمفاهيم السياسية من خلال كتاباتي في الصحف وبدأت أطلع على كتب غير تلك التي أقرأها سابقاً. وفي هذه الفترة كنت أكتب إلى الجريدة (الحارس) التي كان يصدرها السيد مكي حسين جميل.
في عام 1940 تركت التعليم نهائيا لكي اعمل ف الصحافة. فعملت في جريدة (الكشكول) و (النديم) و (بالك) التي تعني أفسح المجال والتي استبدل أسمها فيما بعد بالعهد الجديد, وقد عملت على إصدارها فترة من الزمن.
ترك الصحافة خوفاً من السجن
في حركات 1941 عملت في جريدة النهار المسائية اليومية والتي كان يصدرها السيد عبد الله حسن. وقد بدأت الجريدة بإصدار ملحق أسبوعي حربي, إلا أن اعتقال صاحب الجريدة بعد انتهاء الحركة ولد في نفسي الذعر من السجن, فتركت الصحافة لأعمل في منطقة أبي غريب وبعد شهر واحد أرسل في طلبي السيد (جبران ملكون) صاحب جريدة(الأخبار) والذي كان لا يجيد القراءة والكتابة, فعملت في صحيفته حتى عام 1953.
نقد ذاتي
لم تكن الصحف بالمفهوم الحالي للصحافة, وإذا استثنينا من تلك الفترة بعضا الصحف كالأخبار والبلاد والزمان والشعب والحوادث واليقظة, فأن ما عداها, كان يعتبر كشكولا لا ينم ما يكتب فيها عن تفهم لمفهوم الصحافة أو الأعلام. ولو عرض علي موضوع للنشر من المواضيع التي كنت أكتبها (أنا) في الصحف لرفضته وسخرت من كتابه.
ملاحظية المطبوعات
كانت الامتيازات تصدر عن ملاحظية المطبوعات وهي دائرة صغيرة تابعة لوزارة الداخلية والتي أصبحت فيها بعد مديرية الدعاية, وكانت أغلب هذه الامتيازات تعطي نتيجة لعلاقات شخصية بين أصحاب تلك الصحف وموظفي هذه الدائرة لذلك ترى أن الصحف التي تصدر آنذاك كثيرة هدفها العمل والاعتياش كما كانت كثرتها وقلتها ترتبط بواقع الظروف السياسية التي يمر بها البلد.
قرندل.. وحبزبوز
في عام 1947 أصدرت مجلتي "قرندل" التي بقيت حتى ثورة 14 تموز 1958, وكنت أعمل في تلك الأثناء في جريدة الأخبار والنديم. ولم تكن مجلة " قرندل " هي المجلة الفكاهية الناقدة الوحيدة بل كانت إلى جانبها مجلة (الوادي).. كما أن مجلتي التي كنت أصدرها بـ (24) صفحة فتط لم تكن أول مجلة كاريكترية فكاهية فقد سبقني السيد نوري ثابت بجريدته (حبزبوز), ألا أن الاختلاف بين قرندل وحبزبوز هو أن الأخيرة كانت تحمل صورة غلاف واحدة لا تتغير في كل الأعداد على عكس قرندل التي كانت تصدر بأشكال متغيرة في كل عدد.
قصة قرندل- وصرخة الموضة
الواقع أن أسم "قرندل" كان يعتبر من بين أخر صرخات موضة الأسماء في ذلك الوقت فقد ظهرت أسماء (أبو حمد وحبزبوز والحارس) فورد ببالي أسم قديم (قرندل) وقرندل هذا شخصية بغدادية فلكلورية ساذجة, يمكن أنه كان شخصا غبيا يجوب أزقة بغداد فتدعوه بعض رباب البيوت أحيانا ليساعدهن في طحن البرغل أو التمن ليستخدمنه في صنع الكبة وبعد أن يقوم قرندل بهذا الواجب يتعب وينام وعند نضج الطعام وحضور المائدة يطلب رب البيت أيقاظ قرندل لتناول الطعام فتجيبه ربة البيت بأنه نائم ومرتاح. وعلى هذا فقد شاع مثل ببغداد: "وكت دك الكبة تعال قرندل, و وكت الأكل خطية نايم". وأذكر أن صديقي الشاعر علي الخطيب قد نظم بيتين من الشعر بحق قرندل:
إذا كان الغذاء وجدتني
أنوء به دقا وما منه آكل
فأن كان دق قيل أين قرندل
وأن كان أكل نام قرندل
كان سعر مجلة "قرندل" 30 فلسا ثم أرتفع إلى 50 فلسا وقد كانت أو مجلة عراقية يطبع غلافها بلونين. ومن الأقلام الصحفية التي عملت في المجلة آنذاك: حافظ القباني، سعاد الهرمزي, خالد قادر, عبد المجيد لطفي, جعفر الخليلي, عبد الرزاق الهلالي وعلي حيدر. وكانت مجلة مفتوحة.
الفن أيام زمان
لم يكن الفن من أجل الحياة ولا من اجل الفن وإنما كان وسيلة للتجارة والعيش ما عدا بعض الفنانين الذين تحملوا الكثير من العقبات من أجل الهدف السامي للفن منهم: الأستاذ حقي الشبلي وعبد الله العزاوي ومحمود شوكت.. ومن الفنانات المشهورات في ذلك الوقت كل الملاهي والسينمات تتمركز في منطقة الميدان واذكر أن السيدة أم كلثوم عند قدومها إلى العراق عام 1933 أحيت حفلتها الغنائية في فندق الهلال بمناسبة زواج (الوصي على عرش المملكة!!) في ذلك الوقت وقد ألقى الشاعر الزهاوي قصيدة ترحيب لأم كلثوم, كما وصف السيد نوري ثابت على صفحات (حبزبوز) المعاناة التي رافقت حفل استقبال السيدة, وكيف كانت تتعصب بوشاح قهوائي وترتدي معطفا قهوائيا وحذاءً قهوائيا أيضا ووصفها بأنها (كالقهوة الشكرلي). جاءت بعدها فرقة الطليعة المصرية وقدمت مسرحيتها على قاعة الشعب الحالية. كما قدم إلى العراق في تلك الفترة أيضا الأستاذ محمد عبد الوهاب وغنى على مسرح معرض بغداد الصناعي الزراعي الذي يقع في المكان التي تقع فيه مصلحة إسالة الماء الحالية. وأذكر أيضا بأن الأستاذ يوسف وهبي والسيدة فاطمة رشدي حضرا إلى العراق مع فرقتهما وقدموا عروضهم. كانت الفرق المسرحية البغدادية فقيرة جدا وأكثرها شكلت نتيجة هواية تجمع أصحابها, ولقلة وجود المسارح نجد أن أعضاء هذه الفرق غالبا ما ينتظرون قدوم شهر محرم الحرام حيث تغلق الملاهي فتبدأ الفرق المسرحية استخدام مسارحها.
مجلة امانة العاصمة 1987