من أوراق الراحل حسين جميل.. كيف سنّ أول دستور في الدولة العراقية الحديثة؟

من أوراق الراحل حسين جميل.. كيف سنّ أول دستور في الدولة العراقية الحديثة؟

إعداد: عمار عبد القادر الزهاوي

تم انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي في يوم 25 شباط ـ فبراير1924. وفي 20آذار ـمارس 1924 صدرت إرادة ملكية بافتتاح المجلس يوم 27 آذار. فاجتمع في هذا الموعد وافتتحه الملك بخطاب كان مما قاله فيه: إن مهمات المجلس ثلاث (الأولى(البت في المعاهدة العراقية ـالبريطانية. (الثانية) سن الدستور العراقي. (الثالثة) سن قانون الانتخاب للمجلس النيابي.

انتخب المجلس عبد المحسن السعدون رئيساً له. وياسين الهاشمي و داود الحيدري نائبين للرئيس. في جلسة 31/3/1924 أودعت الحكومة المعاهدة العراقية ـالبريطانية إلى المجلس بطلب الموافقة عليها. قال الشيخ أحمد الشيخ داود ـنائب بغدادـ "كان بودي أن أكلف المجلس المحترم تأخير المذاكرة في المعاهدة إلى أن يبت في القانون الأساسي لتكون الحكومة رصينة بعد تعيين شكلها، ولكن بما أن المجلس قرر بالأكثرية قبول النظام الداخلي الذي حتم النظر في المذاكرة في المعاهدة قبل القانون الأساسي، صرت مجبوراً على الانقياد لقراره".

في جلسة 7/4/1924 قدم رئيس الوزراء مشروع القانون الأساسي إلى رئيس المجلس لعرضه على المجلس. وفي هذه الجلسة، قرر المجلس تأليف لجنة لدراسة المشروع وتقديم تقرير إلى المجلس بنتيجة دراستها، وأن تؤلف اللجنة من نائب عن كل لواء من ألوية العراق الأربعة عشر ينتخبه نواب اللواء عدا لواء الموصل فيكون له نائبان: وقد عرض على المجلس أن نواب كل لواء اجتمعوا وانتخبوا ممثلهم على الوجه التالي:

محمد الصيهود (الكوت)، سالم الخيون (المنتفك)، عمران الحاج سعدون (الحلة)، فخر الدين آل جميل (الدليم)، داود الحيدري (أربيل)، حبيب الخيزران (ديالى)، سلمان الحميد (العمارة)، رايح العطية (الديوانية) عزت باشا (السليمانية)، أمجد العمري وفتح الله سرسم)الموصل)،عمر الحاج علوان (كربلاء)، يوسف غنيمة (بغداد)، وأن اللجنة اجتمعت وانتخبت أمجد العمري رئيساً لها، ويوسف غنيمة مقرراً. (ص137). وحيث لم يكن للواء كربلاء،سوى نائب واحد، وقد انتخب في لجنة المعاهدة، فقد انتخب عمر الحاج علوان نائب كربلاء ورؤوف الجادرجي ـنائب الحلةـ لعضوية لجنة القانون الأساسي.

وقبل المجلس ذلك وصادق على جميع أعضاء اللجنة في جلسات 7و 14 و22 نيسان 1924.

بدأت المذاكرة في القانون الأساسي في جلسة 14/6/1924 وانتهت في جلسة 21/7/1924، عقد المجلس في هذه المدة ثماني عشرة جلسة.

فيما يلي سأذكر بعض ما قيل في هذه المذاكرة وما تم فيها. وحيث أن هذا البحث ليس دراسة عن الدستور،ولا هو دراسة عن عمل المجلس التأسيسي،لذلك فإن اشاراتي إلى ما قيل أو تم في هذه المذاكرات ستكون إلى لمحات ذات دلالات، سواء فيما عملت له عناصر ديمقراطية من النواب وسعت اليه لتحقيق مكاسب للشعب؛ أو ما عملت السلطة الحكومية له بالحد من مطالب الشعب الديمقراطية في صراعه مع سلطة الحكم، وبأن يخرج الدستور وهو يمنح السلطة التنفيذية سلطات واسعة تجعل لها اليد العليا في شؤون الحكم.

السيادة للأمة:

في جلسة 16/6قدم عمر الحاج علوان (كربلاء) وانطوان شماس (بغداد)، ويوسف الياس(بغداد) وروبين بطاط (بغداد)، اقتراحاً بأن يبدأ الدستور بمواد تحت عنوان "أحكام أساسية". ومن المواد التي اقترحوها مادة تقول "السيادة للأمة بصورة مطلقة، وجميع السلطات تستمد من الأمة". اقترح الرئيس إحالة الاقتراح إلى"لجنة الدستور" ووافق المجلس على رأي الرئيس. (ص487ـ488) ولم ترجع اللجنة رأيها بالاقتراح إلى المجلس.

نفي العراقي:

في جلسة 16/6 كانت المذاكرة تجري بشأن المادة الخان\مسة من مشروع الدستور وفيها أنه لايجوز إجبار شخص على تبديل مسكنه إلا بمقتضى أحكام القانون وأن "نفي العراقيين أو إبعادهم عن أوطانهم ممنوع بتاتاً". قال نوري السعيد ـوكان يومذاك وزيراً للدفاع ـ: "أنه يوجد أشخاص لا يسلكون مسلكاً طيباً فتضطر الحكومة إلى نقلهم إلى محل آخر، فتبديل السكن ضروري (ص492)". وقال السيد أحمد الفخري ـوزير العدليةـ: "إن النفي مشروع"، واستشهد بالآية القرآنية "أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض". (33:5).

عارض بعض النواب قبول النفي إلى خارج إلى العراق أو الإبعاد في داخله. وأخذ المجلس بعدم جواز إجبار شخص على تبديل مسكنه او تعريضه لقيود إلا بمقتضى القانون"أمّا التعذيب ونفي العراقيين إلى خارج المملكة العراقية فممنوع بتاتاً".

التعذيب:

وبشأن ما ورد في المادة الخامسة من المشروع عن منع "التعذيب".تكلم عدد من النواب مستنكرين التعذيب حتى جلد التلميذ في المدرسة وجلد الجندي لمخالفة ارتكبها كانت محل الاعتراض.

الحقوق القومية للأكراد وحقهم في التدريس بالكردية في مدارسهم:

وعندما تليت المادة الرابعة عشرة من الموضوع التي تقرر أن"للطوائف المختلفة حقّ تأسيس المدارس لتعليم أفرادها بلغتها الخاصة" تكلم عبد المحسن السعدون في الموضوع –وكان قد ترك رئاسة المجلس ليشترك في المذاكرة-وبعد أن أشار إلى الخطأ ألذي ارتكبه الحاكمون في الدولة العثمانية بـ"غمط منافع الأمم وحقوق الطوائف" وحذّر من ممارسة هذا الخطأ، قال: "أرى من اللازم والضروري أن نكون أحراراً ونعطي الحرية إلى جميع العناصر...إن في العراق عنصراً عظيماً هو العنصر الكردي، فإذا لم نعط العنصر الكردي حقه وندع مدارسهم تدرس اللغة الكردية فقد تكون النتيجة غير حسنة...فأتمنى من المجلس أن لا يبخل في إعطاء هذا الحق حتى تكون القلوب متحدة ومتفقة الوحدة العربية التي نتمناها". (جلسة 16\6ص17-518) وقد أيد السعدون أمجد العمري-نائب الموصل-(ص518)و’ملاّ محمد – نائب أربيل –.

جدل حول مجلس الأعيان:

موضوع مجلس الأعيان في مذاكرات المجلس التأسيسي، هل يبقى عليه ـكما قرر المشروع ـ أم يلغى؟ تسميته.. تكوينه.. جرى حوله حديث طويل وجدل كثير.

دعا عمر الحاج علوان ـ نائب كربلاء ـ إلى إلغاء وجوده في المشروع، وأيده في هذا الرأي الشيخ أحمد الشيخ داود ـنائب بغداد ـ والدكتور داود الجلبي ـنائب الموصل ـ وحتى بعد أن كانت الأكثرية في المجلس تقر صيغة المواد التي تنص على دور لمجلس الأعيان، كان داود الجلبي يطلب من جديد اتخاذ قرار بالحاجة إلى مجلس الأعيان أم ينبغي إلغاءه. وبعد أن حسم هذا الأمر بالإبقاء على مجلس الأعيان، كما جاء في المشروع، اعترض داود الجلبي على التسمية وقال:" إن الأعيان كما تعلمون رؤساء البلاد وأكابرها، فهل تريدون أن يسمى مجلس الأعيان مجلس الأوباش؟ واقترح تسمية المجلس "مجلس الشيوخ" كما هي التسمية في الدستور المصري.

وبعد أن أبقت الأكثرية على التسمية كما جاءت في المشروع "مجلس الأعيان" أثير موضوع تكوينه. دعا الشيخ أحمد الشيخ داود أن يتكون بالانتخاب. ولما وجد النواب الذين كانوا يعملون على الحصول على ما يمكن الحصول عليه من حقوق للشعب، أو التقليل من المكاسب للسلطة التنفيذية والحد منها ما أمكن ذلك، لما رأى هؤلاء النواب أن اتجاه الأكثرية في المجلس هو إلى أبقاء تكوين مجلس الأعيان بالتعيين من قبل الملك كما جاء في المشروع، أرادوا الوصول مع الأكثرية إلى حل وسط، بأن يكون المجلس بالانتخاب والتعيين كما هو الأمر في تكوين مجلس الشيوخ المصري، حيث يقرر دستور 1923 أن يكون ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين، ويعين الملك خمسي الأعضاء.

وقدموا اقتراحات متعددة للكيفية التي يتم بها تكوين المجلس بالانتخاب والتعيين، ورفضت الأكثرية كل تلك الاقتراحات وأبقت على ما جاء به مشروع الدستور بأن يعين الملك جميع أعضاء مجلس الأعيان.. في جلسة 21 حزيران 1921 قرأت الفقرة 6 من المادة 24 من المشروع ونصها "الملك يعين أعضاء مجلس الأعيان ويقبل استقالتهم من مناصبهم".

قدمت عدة اقتراحات عن هذه المادة. تصنف بثلاث فكرات هي: (أولا) ــ تأجيل البت في هذه الفقرة إلى أن يدقق المجلس موضوع مجلس الأعيان في مادة آتية ــ قدمه ناجي السويدي. (ثانيا) ــ أن يكون نصف أعضاء مجلس الأعيان بالتعيين ونصفهم بالانتخاب ـ قدمه عبد الرزاق الرويشدي. (ثالثا) ــ إبقاء المادة كما هي بالمشروع ــ قدمه احمد الفخري وآخرون..

من أوراق حسين جميل المعدة للنشر من قبل حفيد الكاتب.