المجلس النيابي وتشكيل الاحزاب السياسية قبل الحرب العالمية الثانية

المجلس النيابي وتشكيل الاحزاب السياسية قبل الحرب العالمية الثانية

خيري الدين العمري

لقد جرت في العراق تسع عمليات انتخاب حتى اندلاع الحرب العامية الثانية عام 1939، وتألفت تسعة مجالس نيابية. وكان عدد النواب (88) نائباً إلى سنة 1934 ثم أصبحوا في وزارة علي جودت (110 نائباً). وهنا ندرج قائمة بأعمار المجالس النيابية وأسماء رؤساء الوزارات الذين رشحوا النواب فيها.

الأول 16 تموز 1925 19كانون ثاني 1928 3 6 2 عبد المحسن السعدون

الثاني 13 أيار 1928 1 تموز 1930 18 1 2 عبد المحسن السعدون

الثالث 1تشرين الثاني 1930 8تشرين ثاني1932 7 0 2 نوري السعيد

الرابع 8 آذار 1933 4 أيلول 1934 27 5 1 ناجي شوكت

الخامس 29 كانون أول 1934 9 نيسان 1935 11 3 0 علي جودت

السادس 8 آب 1935 31تشرين أول1936 22 2 1 حكمت سليمان

السابع 27 شباط 1937 30 آب 1939 1 6 2 جميل المدفعي

الثامن 23 كانون أول 1937 5 شباط 1939 15 1 2 نوري السعيد

التاسع 12 حزيران 1939 الله أعلــم الله أعلــم

وهكذا نجد أن أطول المجالس عمراً هو المجلس الأول الذي قام بترشيح نوابه السعدون إذا ما استثنينا المجلس القائم الآن. وأقصر المجالس عمراً هو المجلس الخامس الذي انضوى تحت لواء علي جودت رئيس الوزارة.

وأما آفة حلّ المجالس النيابية فقد عمّت على الجميع. ولولا آفة الحل، لما احتوت المدة من سنة 1925 وسنة 1941 أكثر من أربعة مجالس – على وفق الامتداد الزمني الشرعي لكل دورة مجلس.

لكن في المجلسين الأول والثاني، فقد كانا يسيران على وفق نظام حزبي منظّم، فضلاً عن تنظيم المعارضة نفسها. فالحكومة برئاسة عبد المحسن السعدون كانت تستند إلى حزب برلماني هو (حزب التقدم). أما المعارضة فكانت بزعامة ياسين الهاشمي المستندة إلى حزب الشعب.

وفي المجلس الثالث كان حزب العهد بزعامة نوري السعيد هو المسيطر على المجلس، في الوقت الذي كانت فيه المعارضة غائبة (غير موجودة) بسبب استقالة أقطابها.

أما المجلس النيابي الرابع، فقد أوجد فيه ناجي شوكت شيئاً جديداً يسمى (كتلة) … إلى أن استقال ناجي شوكت وترك الشقاء على من بقى … في الوقت الذي كان يمثل المعارضة ياسين الهاشمي.

وفي المجلس النيابي الخامس قام علي جودت الأيوبي بتشكيل حزب برلماني تحت أسم (حزب الوحدة). وفي الفترة عينها كان ياسين الهاشمي قد جمع شمل المعارضة؛ إلا أن هذا المجلس لم يمكث تحت القبة أكثر من ثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً. وللطرفة نقول أن وزارة علي جودت قد حذت حذو وزارة نوري السعيد في أخذها (تعهدات خطية) من مرشحي النيابة يتعهدون فيها بأنهم داخلون في حزب الوحدة. وعلى الرغم من ذلك فإن مجلس علي جودت لم يقض العدة وهي ثلاثة أشهر وعشرة أيام إلاّ وأصبح في (خبر كان) ثم تبعثر، ثم دفن في مقبرة الأحزاب العراقية. وقد حاول البعض أن يبعثوا هذا الحزب من الموت بزعامة جميل المدفعي فلم يفلحوا.

وفي المجلس السادس الذي كان زعيمه ياسين الهاشمي، ألغى الهاشمي (حزب الأخاء) (حزبه وحزب رشيد عالي) واكتفى بكتلة برلمانية، وهي البدعة التي أصبحت سنّة شرعية.

وفي المجلس السابع تكتل بعض النواب تحت راية (حزب الاصلاح الشعبي) حتى قيل عن هذا الحزب أنه (حزب شيوعي بلشفي) … لكن بعد حين زال هذا العنوان وبقى المجلس يتخبط في دياجير النفاق والتزلّف، ابتداءً من مصادرة أموال الوزراء السابقين ومحاكمتهم، مروراً باقتراحات نصب تمثال المرحوم بكر صدقي وإهدائه داراً كونه المنقذ الأعظم لهذه الأمة...! ! ثم رأينا فيما بعد كيف تبعثر المنافقون عند مقتل بكر صدقي وكيف انقلبوا على حكمت منقلباً، وأي منقلب …؟! وهكذا ذهب هذا المجلس بعد أن سجّل على نفسه الاعتراف بمشروعية (أم الكبائر رقم 2)، وهي زج الجيش في السياسة، الأمر الذي أثمر (زقومية).

وأما المجلس الثامن فقد جاء إلى القبة بترشيح المدفعي، إلاّ أن هذا المجلس لم يكن يسنده حزب ولم تكن تؤيده كتلة، رغم أن الكثيرين ممن أصبحوا (نواباً) قد كوفئوا (بالنيابة) بناءً على تأييدهم المدفعي بإرسالهم البرقيات خالعين عليه زعامة (حزب الوحدة) الذي مات وهو في مهده. وقد كانت من مثالب هذا المجلس تأييده سياسة اسدال الستار على الماضي، وهي (أم الكبائر).

كان في يقين نوري السعيد عند تشكيله لحزب العهد ان يكون ذلك تيمناً بجمعية العهد التي تشكلت في العهد العثماني وكان السعيد من أبرز أعضائها.

ومما ثبت تاريخياً أن أساس اقدام السعيد على تشكيل الحزب هو الحاح الملك فيصل الأول عليه بعد الاتفاق مع المندوب السامي البريطاني (فرنسيس همفريز) على فكرة مفادها ان السعيد هو أبرز من يستطيع عقد معاهدة جديدة للعراق مع بريطانيا بناء على طلب وإلحاح من جانب الأخيرة. وفعلا حصل ذلك، حيث تم في عهد حزب (العهد) تصديق المعاهدة العراقية البريطانية المعروفة باسم (معاهدة سنة 1930) التي جوبهت في حينها بالرفض وقيام المظاهرات والاحتجاجات. فقد كانت الشعارات المرفوعة على اليافطات صدى لارادة المتظاهرين.. (يحيا العراق) و (ارادة الأمة فوق الجميع) و (لا معاهدة.. فليسقط الخونة). ومع ذلك تم عقد المعاهدة في الثلاثين من حزيران سنة 1930 فأضربت مدينة بغداد واستمر الاضراب دون انقطاع لمدة اربعة عشر يوماً.

وبعدها حدث خلاف داخل العهد حين قدم جميل المدفعي رئيس مجلس النواب مذكرة احتجاج على تصرفات مزاحم الباجه جي. وفي سنة 1935 شكّل المدفعي وزارته الثالثة مُدخلاً معه السعيد في تلك الوزارة وعيّن علي جودت الأيوبي رئيس حزب الوحدة الوطنية رئيساً لمجلس النواب.

وعلى أثر ذلك الخلاف قام المدفعي بالانفصال عن حزب السعيد وعمل لوحده على تأسيس حزب سياسي جديد يدعو اليه معارفه ويجمع تحت خيمته أنصاره وكل من يناصب الباشوات (الهاشمي والسعيد) العداء …!!

وقد تأملت الشخصيات التي تقدمت إلى المدفعي بمساعدتها في اسناد الحزب، ان يكون هذا العهد مفتاحاً جديداً للعمل السياسي الوطني وملاذاً خالصاً من تأثير النفوذ البريطاني لما عرف عن المدفعي مناوأته الانكليز وخاصة مواقفه العدائية منهم في ثورة تلعفر سنة 1920. الا ان طموح مؤيدي المدفعي في ذلك ذهب أدراج الرياح حين قام بكر صدقي بانقلابه المفاجئ سنة 1936 فانتهت بذلك حياة حزب العهد وحزب الوحدة (الذي لم ير النور) فتشتت السياسيون جميعاً شذر مذر في الآفاق. ومما يجدر ذكره ان حزب الوحدة الوطنية الذي أسسه في أيلول من سنة 1934 علي جودت الأيوبي كان على أثر الانشقاق الذي حصل داخل حزب الاخاء الوطني الهاشمي، وقيام الأيوبي بتشكيل الوزارة في 27 آب سنة 1934. ومن أبرز قادته صالح باش أعيان وسالم قاسم أغا وبهاء الدين النوري ونجيب الراوي وحازم تحسين أغا والحاج رايح العطية وعبد الهادي الجلبي.

عن مذكرات العمري المخطوطة (مقدمات ونتائج)