المولدات الكهربائية الأهلية .. مرة أخرى

المولدات الكهربائية الأهلية .. مرة أخرى

ستار الوادي
عندما عجزت الحكومة بكافة مؤسساتها العملاقة الأصيل منها والساند وبتخصيصاتها المليونية من الدولارات هي ومن معها من الدول المانحة والساندة والمشرفة كأمريكا،عن توفير ولو ومضة كهربائية على وزن ومضة شعرية للمواطن ولو بالحدود الدنيا المتفق عليها عالمياً التي لا تقل عن اثنتي عشرة ساعة.

و بعد أن وصل المواطن الى حالة التذمر والملل واليأس وثم القنوط من رحمة الحكومة بتجهيز الكهرباء. استسلم الناس استسلاماً كلياً ورفعوا الراية البيضاء لأصحاب المولدات الأهلية وتصاعد فيض الجشع والاستغلال في نفوس ملاكي المولدات الكهربائية. تحرك ضمير الحكومة انطلاقا من الاحساس بمسؤولياتها اتجاه المواطن كما تدعي بتقديم أفضل الخدمات العامة وعلى رأسها الكهرباء للتخفيف عن كاهله المتعب اصلاً من الكهرباء وغيرها. وبعد جهد جهيد وتفكير عميق وقرار سديد اعتباطي غير علمي توصلت الى صيغة قرار فوري مفروض غير مدروس وبدون أي عناء لدراسة معضلة الكهرباء لاستنتاج المسالك والخيارات الافضل لحل هذه المعضلة التي بات مستحيلة واصبحت أمنية في عقل وقلب كل مواطن ويتطلع لليوم الذي تتحقق فيه هذه الامنية. بأن لابد للحكومة أن تتدخل على خط الكهرباء الأهلية لا لمد خطوط منها الى المنطقة الخضراء لأنهم غير محتاجين لها بل لإمداد مولدتها بالوقود شريان الكهرباء وعصبها الاساسي متمثلة بمادتين (كاز أويل والدهون) ولمدة ثلاثة أشهر غير قابلة للتمديد او التجديد مجاناً قربة لوجه الله تعالى وبثواب الشعب العراقي من الشمال الى الجنوب الأحياء منهم والأموات وخاصة شهداء سلك الكهرباء الذين سقطوا في البصرة والمحافظات الأخرى بالتظاهرات المكهربة والقاتلة بالعصي الكهربائية للقوات الأمنية. ولكن انعكست إمدادات الأجر والثواب من الحسنات الى السيئات على الحكومة والمواطن على حد سواء. مع العرض ان التدخل جاء بعد أن تمكن المواطن واصحاب المولدات من اقامة شراكة كهربائية بإطار اقتصادي مرن ومدروس من جانب اصحاب المولدات بدقة وعناية يهدف الى زيادة في مدخولات المالك النقدية وانقاص هائل بمدخولات المستهلك المادية. بالرغم من أن المعادلة غير عادلة ومنصفة ولم يكن فيها تكافؤ بين الطرفين فقد قبلها المواطن على مضض منطلقاً من مقولة للضرورات أحكام. وهذه الشراكة أخذت صيغة الاستقرار النسبي. وقد بنيت هذه الشراكة على الاركان الاستقلالية والحاجة الاستهلاكية للمواطن وتنطلق من اسس موضوعية هي موقع المنطقة والمستوى المعيشي وطول وقصر فصول السنة ومعدلات ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة ومدى توفر الوقود من عدمه ومستوى ارتفاع وانخفاض اسعارها حسب الازمات ومدى توفر قطع الغيار للمولدات حسب مناشئها واسعارها. يضاف الى ذلك أن الكهرباء الأهلية لم تكن جامدة بل تتحرك بابتكار خطوط جديدة تحمل مواصفات تختلف عن الاعتيادية ومنها الخط الليلي وهذا له سعر، والخط الذهبي وهذا أيضاً سعره ذهبي مثله، وانطلاقا من هذه الاركان والاسس جرى تحديد السعر للأمبير الواحد وانحصاره بين ما لا يقل عن 10000 الف ويزيد الى ما لا نهاية وعلى هذا شهد سوق الكهرباء الاهلية بمولدتها النفاثة التي لوثت البيئة والسكان في العراق الاستقرار غير التام واخذت صفة الثبات والنمو الافقي توسعاً. وهنا جاء التدخل الحكومي بقوة بهذا المشروع الحيوي والمهم جداً خاصة في فصل الصيف الحار جداً للوهلة الاولى نقول حسناً فعلت الحكومة وبالتأكيد قراراها جاء عن دراسة مستفيضة وحلول ناجحة لهذه المعضلة. ولكن ما أن تكشفنا حيثيات القرار ونتائجه أنصاب المواطن بخيبة الامل والانكسار لان لا الكهرباء الوطنية موجودة ولم يحافظ على الكهرباء الاهلية التي توفرت له بشق الانفس. وأتوقع ان التدخل الحكومي غير الموفق جاء للتغطية على العجز والفشل الحكومي بتوفير الكهرباء وعلى الوعود الكاذبة وكذلك للتستر على مستوى الفساد المالي والاداري النافذ في تلك المؤسسات التي تأكل نصف ميزانية العراق سنوياً والامر الثاني أرادت أن تسجل نجاحاً لها في توفير الكهرباء لكن هذه المرة عن طريق الكهرباء الاهلية وذلك بطريقة اعطاء الوقود لأصحاب المولدات مجاناً وعدم تقديم التسهيلات اللازمة بالتحميل والنقل من والى المولدات يرافقها تعامل الدوائر المسؤولة بمزاجية وروتين وبيروقراطية ادارية عالية تعرقل عملية استلام الوقود بصورة سهلة وسلسة وهذا يعقد مشهد المراجعة مما يدفع اصحاب المولدات الاهلية الى سلوك وطرق غير شرعية بالحصول على الوقود قبل غيره ومنها الرشوة. وهنا لابد من الاشارة الى غياب منظومة التنسيق والتعاون بتطبيق نظام المناوبة بين الكهرباء الوطنية والاهلية لنضمن توفرها بالتناوب لأطول فترة ممكنة للمواطن وللتقليل من عملية استهلاك المولدات الاهلية والمحطات الحكومية التي بعكسها ستتوقف عن العمل مما يحرم المواطن من حقه في الحصول على الكهرباء ويمكن ان يتم هذا وفق برنامج وجدول متفق عليه حسب المناطق وهذه الاشكالية ظهرت في ثاني يوم من صدور القرار بان اغلب المولدات الأهلية تعطلت لانها تعمل 12 ساعة دفعة واحدة وهذا غير ممكن فنياً لان هناك غيابا شبه تام للكهرباء الوطنية في مختلف المناطق. ومن المؤشرات السلبية هو ارتفاع سعر اللتر الواحد لمادة الكاز في السوق السوداء اكثر من ضعف ما كان عليه،مما اثر تأثيرا كبيرا جداً على اصحاب المعامل والمصانع والشركات الاهلية في القطاع الخاص التي تعتمد على هذه المادة في إدارة مصالحها،مما انعكس سلباً على اسعار منتجات القطاع الخاص ارتفاعاً. مما سيثقل كاهل المواطن ويزيد من معاناة القطاع الخاص المتردد في العمل والاستثمار اصلاً. وانسحب كذلك على اجور النقل العام للقطاع الخاص وهنالك مؤشرات ايضاً بظهور مولدات وهمية لغرض استلام مادة الكاز وبيعها في السوق السوداء. وهنالك تلكؤ واضح من اصحاب المولدات بعدم الذهاب لاستلام الوقود لدوافع شخصية وانعدام روح التعاون والتضحية لوجود ضغوط من جهات سياسية لا تريد للقرار النجاح او لعدم اقتناعهم بالتسعيرة الحكومية للأمبير (7000) لان هذا لا يتناسب مع ارتفاع الاسعار بالنسبة للأدوات الاحتياطية ومستوى المعيشة الحالي واحياناً يجري تعليل التلكؤ لعدم توفر السيارات الحوضية الاختصاصية وارتفاع اجور النقل في القطاع الخاص. اما الخطوة الاخيرة التي اقدم عليها قسم من الحكومات المحلية بإعطاء مبالغ الكاز المخصص للمولدات نقداً لاصحابها وهذا سيفتح باب الفساد على مصرعيه. اولاً سيشجع على تهريب مادة الكاز من المحطات الحكومية وانتعاش السوق السوداء مما يؤدي الى ارتفاع الاسعار والمضاربات وتصبح المبالغ غير كافية مما يدفع اصحاب المولدات الى مطالبة الحكومة بدفع الفروقات بين فترة واخرى. ناهيك عن الاجراء التعسفي بحق الذين لم يطبقوا القرار بازالة مولداتهم وايقافها عن العمل او ايداع اصحاب المولدات بالسجون بتهمة المادة 4/1 أرهاب كهربائي. وبما أن القرار جاء من فوق الى الاسفل عكس كل القرارات في العالم التي غالباً ما تنطلق من القاعدة الى القيادة لكي تصدر على شكل قرار ملزم. كان الأولى بالحكومة بل يجب عليها قبل استصدار هكذا قرار ان تبدأ بدراسة مستفيضة للمعضلة من خلال اجتماعات ولقاءات مكثفة وحسب المناطق مع اصحاب المولدات والمجالس البلدية ومجالس المحافظات والمحافظين ومسؤولي الطاقة في كل محافظة يعاضدها جهد شعبي متمثل بمنظمات المجتمع المدني ومجالس الاسناد لغرض التوصل الى افضل السبل لإنجاح هذا القرار وقبل فصل الصيف بمدة كافية. والامر الذي أرادته الحكومة حسنة لها هو التقرب من المواطن الذي اصبح يبتعد عنها كثيراً لسوء ادارة البلد بكل مرافقه وأرادت ان تتقرب عليه بمجانية الوقود وانخفاض سعر الامبير وإثارة الارتياح في نفسه بواسطة البرودة الاهلية التي تجعله ينام قرير العين راقداً بهدوء تام حتى يستيقظ مبكراً وبكامل قواه البدنية والعقلية ليشارك بفعالية عالية في بناء واعمار العراق ولكن كل ما ارادته الحكومة ان يكون حسنة لها انقلب ضدها أي بمعنى ان السحر انقلب على الساحر لا لشيء وانما لأن الحكومة لم تكن صاحبة قرار وادارية تامة بادارة شؤون البلد بأي مفصل من مفاصلها وكان الاجدر بها ان يكون تدخلها غير مباشر عبر تسهيلات هامة مثل تخفيض اسعار الوقود نسبة معينة كامتياز لاصحاب المولدات وتوفير مادة كاز اويل والدهون على مدار 24 ساعة وفي محطات محددة وبيع مولدات ضخمة بالتقسيط المريح وكذلك أجبار المستوردين الأصليين للمولدات بفتح ورش صيانة ما بعد البيع وبضمانات محددة وتوفير سيارات حوضية لنقل المنتج من والى، وتقديم مكافآت مجزية للمبدعين والمتعاونين من اصحاب المولدات من خلال تقييم لجان خاصة وتنظيم برنامج خاص تلفزيوني يلتقي باصحاب المولدات الاهلية للاطلاع على المشاكل والمعاناة والمقترحات لتخفيف ذلك وتطوير مايمكن تطويره ومنح شهادات تقديرية للمتميزين منهم على اساس مدى تعاونه مع المواطن ومقدار الخدمة التي يقدمها كماً ونوعاً. لا أن تفرض الدول قراراتها فرضاً وتنسى الاقناع ومبدأ الثواب ويكون اسلوب المحاسبة فتح باب السجون للمخالفين للقرار بدون أي سند قانوني،فعلى الحكومة ان تقف وقفة مراجعة سريعة وتصحيح مسار قرارها قبل ان تصل التداعيات الى حد انعدام الاثنين الكهرباء الوطنية والكهرباء الاهلية ويحرم المواطن من الاثنين لا هذه ولا تلك ((لاحظت برجيله ولا اخذت سيد علي) ولا بد ان نضع تلك التسأولات أمام انظار الحكومة. هل اردتم تخريب العلاقة بين المواطن واصحاب المولدات الاهلية؟ او هل اردتم الهاء المواطن بهذا المشكلة لحين عبور الحكومة مهلة المئة يوم؟ أو هل هو سوء حظ الحكومة امام المواطن؟ أو هل الحكومة جاهلة الى هذه الدرجة بمبادئ ادارة الدولة؟ او هل هناك متربصون بالحكومة لافشال كل مفصل يشكل نجاحا لخدمة المواطن أم ماذا؟