د. مجول محمد العكيدي
في عام 1946 بلغ الشيخ امجد الزهاوي العالم الديني الكبير وابن عم الاستاذ ناظم الزهاوي الشخصية الوطنية واليسارية المعروفة السن القانوني للتقاعد وكانت هذه فرصة للتخلص منه من قبل الجهات المسؤولة بسبب التصلب الذي عرف عنه في مواقفه تجاه تدخلات بعض الساسة العراقيين في عمله وقد استخدمت تلك الجهات اساليب عديدة لكي تجعله يترك العمل منها عدم ترقيته وابقاء راتبه كما هو ستون ديناراً ولمدة أحد عشرة عاماً
(كما كان للجهات المسؤولة اغراض عديدة لاخراجه من عمله أدرك الزهاوي وبعد ان رأى في مواقفه المتصلبة في بعض القضايا التي أنتصر فيها للحق بانه اصبح محارباً لذلك قرر تقديم تقاعده وكان ذلك القرار موضع استغراب الاوساط القانونية والصحفية التي أثارت ضجة.
أحيل ناظم الزهاوي الى المحاكمة في الاول من أيلول 1946 وكان السبب في ذلك عائداً في الاساس الى قيام ناظم الزهاوي بنشر مقالاً في جريدة السياسة(ناظم الزهاوي " مذبحة كاروباغي " جريدة السياسة (بغداد) العدد (10)، 18 تموز 1946) هاجم فيه حكومة ارشد العمري رئيس الوزراء بسبب المذبحة التي وقعت في كركوك بين عمال شركة النفط بعد ان قامت الشرطة باطلاق الرصاص على عمال تلك الشركة الذين تظاهروا في حديقة (كاروباغي) مما ادى الى مقتل خمسة اشخاص وجرح اربعة عشر شخصاً واصابة تسعة اشخاص من الشرطة كان دفاع الزهاوي عن ناظم الزهاوي قد اثار جدلاً في الاوساط القانونية والسياسية وكان مثار ذلك الجدل: ((كيف يدافع عالم ديني معروف بتقواه وورعه وزهده عن رجل كان متهم بنشر الماركسية الشيوعية))؟ وظهرت عدة تفسيرات لذلك منها ما برر دفاع الزهاوي عن حرية الرأي ومنها فسر ذلك لصلة القربى التي كانت تجمع الزهاوي بالزهاوي المتهم أي كانت تجمع بين الاثنين وحدة اللقب يمكن ان نرجع الرأي الذي اكد على ان الزهاوي قبل الدفاع عن ناظم الزهاوي انطلاقاً من ادراك الزهاوي بان البلاد كانت تواجه وضعاً لا يحترم حرية الفكر فضلاً عن الحاح والدة ناظم الزهاوي على الزهاوي في اثناء زيارتها اليه في داره وتوسلها اليه للدفاع عن أبنها في قضية تخص الصحافة ليس الا كانت قضية ناظم الزهاوي هي أول وآخر قضية توكل فيها الزهاوي بعد احالته على التقاعد ولذلك قام بتجديد اجازة ممارسة المحاماة التي كان قد الغاها عام 1933 بعد توليه مهام رئاسة مجلس التمييز الشرعي السني، وفي الثالث من ايلول تشكلت المحكمة الكبرى في بغداد برئاسة القاضي احمد طه وعضوية محمد الهاشمي ومحمد الشماع وكانوا حكاماً من الدرجة الاولى ومأذونين بالقضاء من قبل البلاط الملكي، وتشكلت هيئة الدفاع عن المتهم ناظم الزهاوي ومعه عبد الله مسعود الذي نشر هو الآخر مقالاً في العدد نفسه، وكذلك شريف الشيخ وتألفت من تسعة وثلاثين محامياً ومنهم فضلاً عن الزهاوي عزيز شريف وعبد الجبار العبيدي وعبد الصمد الراوي وآخرون، وبعد الاستماع الى افادة ناظم الزهاوي، بدأ الزهاوي بالدفاع عن المتهمين فاوضح الدواعي التي دعت الى نشر مقالاتهم بانها دواعٍ وطنية هدفوا من ورائها الدفاع عن حقوق الشعب واستنكار الاعمال التي قام بها بعض الافراد، ومما جاء في دفاعه: ((أن الاتهام قد حدد القصد باخبار كاذبة وليس في ذلك سوء بل الظاهرة من الصحافة القيام بواجبها فان الساكت عن الحق شيطان اخرس ولا سيما من نصب نفسه لذلك. ((فخير الصحف من ترشد وخير الحكومات من تسترشد..)) وبعد انتهاء الزهاوي من دفاعه تم اجراء المذاكرة صدر قرار المحكمة النهائي باطلاق سراح ناظم الزهاوي وحبس عبد الله مسعود وشريف الشيخ لمدة شهر واحد وبعد انتهاء هذه القضية سئل الزهاوي عن سبب قبوله الدفاع عن ناظم الزهاوي؟ وكان جوابه: ((ألم يأمرنا الله؟ عز وجل " ان نحكم بين الناس بالعدل) وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ(بعد دراستي للقضية وجدت ان ما ورد في المقال حق لكونه ارشادياً يدعو المسؤولين الى تصحيح مواقفهم وسياستهم تجاه الشعب..)).
عن رسالة (الشيخ أمجد الزهاوي).