من تاريخ العمل الإجتماعي الخيري في العراق جمعية بيوت الأمة

من تاريخ العمل الإجتماعي الخيري في العراق جمعية بيوت الأمة

أياد يونس عريبي

قامت مجموعة من مثقفي المجتمع العراقي في 11 اب 1935 بتأسيس جمعية بيوت الامةتأثر القائمون بتأسيس هذه الجمعية تأثراً كبيراً بما حدث من امثالها في تركيا التي كانت تسمى بيوت الشعب، فسعوا الى محاكاته وكانت بيوت الامة التركية تتألف من عدة شعب مختلفة هي: اللغات, التاريخ, الادب, الفنون الجميلة, التمثيل, الالعاب, التعاون الاجتماعي, المدارس الشعبية, المحاضرات, المكتبات, المطبعة, القرية, المتاحف والمعارض.

اشار المنهاج الاساسي لجمعية بيوت الامة بان غايتها هو تهذيب ابناء القرى والعشائر تهذيباً اجتماعياً وصحياً واخلاقياً في بيوت الامة التي تنظمها الجمعية خصيصا لهذه الغاية وذلك بالوسائل العلمية.كان الهدف من تأسيس هذه الجمعية هو النهوض بالشعب العراقي من الناحيتين التهذيبية والصحية وقد شملها الملك غازي برعايته وتبرع لها بارض تقيم عليها بنايتها على حسابه الخاص, وقد اقتدى فريق من المحسنين بعاهل العراق فقدموا لها المساعدات بإنشاء بيوت للامة في القرى والارياف لمكافحة الامية والامراض وقد امدت مديرية الصحة العامة هذا المشروع بجمهرة من موظفيها الصحيين للقيام بخدمة ابناء الشعب من الوجهة الصحية، كما ان وزارة المعارف نسبت تعيين جماعة من المعلمين للتدريس والارشاد، وبعد اجتماع اعضاء الهيئة التأسيسية تم انتخاب الهيئة الادارية من مولود مخلص رئيسا والدكتورحنا خياط نائب الرئيس ورؤوف الكبيسي محاسب عام, وجميل دلالي امين الصندوق ويحيى قاف السكرتير, وعدد من الاعضاء المنتسبين للجمعية.

بذلت جمعية بيوت الامة جهود في رفع المستوى الصحي والتعليمي وحسب امكانياتها المتيسرة، فقد انشأت (بيوت الامة) في الاحياء الفقيرة, وتم تعيين معلمين فيها لتعليم الصغار، ومضمدين لمداواة المرضى في منطقة الشالجيةوكمب الارمن والشيخ عمر والطارمية ببغداد، وشملت نشاطات الجمعية من الوية العراق الاخرى ومنها البصرة، فقد تم فتح فرع للجمعية فيها قام بأنشاء ستة بيوت وعين في كل بيت معلم ومضمد صحي، كما اضاف فرع البصرة الى نشاطاته مهمة العناية بالنساء الفقيرات فشكل لجنة نسائية ضمت عناصر نسائية مثقفة وقع على عاتقهن مهمة "تعليم الاميات في المدارس الليلية، واكساء الفقيرات وتضميد الفقيرات منهن" وارشادهن على النظافة، ووجوب الاغتسال ومراجعة المستوصفات الحكومية والاهلية والابتعاد عن الاوساخ لتجنب الجراثيم, والى غير ذلك.

وقد انشأت الجمعية لجنة خاصة سمتها اللجنة العاملة من الدكتورانطوان عمانوئيل رئيسا، وتوفيق السمعاني صاحب صحيفة الزمان البغدادية نائبا للرئيس، وعثمان الشيخ سعيد سكرتيرا والدكتور وارتان ونوري الحاج ايوب عضوان واتخذت مقرها في مقر جمعية الطيران ذاته.

لم يقتصر نشاط الجمعية على انشاء البيوت، بل انها حذت حذو "جمعية مدرسة التفيض الاهلية" في فتح مدارس ثانوية كانت اولها قد افتتحت في شارع الرشيد عند (عقد النصارى) مجاور المتوسطة المركزية الحكومية, كما افتتحت لها ثانوية اخرى في شارع الشيخ عمر، وقد استمرت جمعية بيوت الامة في اقامة الحفلات الغنائية والتمثيلية لمنفعة الجمعية الى اواخر سني الاربعينيات من القرن الماضي, وكان المشرفون على هذه النشاطات التي تقوم بها الجمعية كل من السيد نور الدين الرفاعي واخيه طاهر الرفاعي.

اقدمت جمعية بيوت الامة على أصدار مجلة علمية ثقافية نصف شهرية باسم "المعرفة" كان المشرف على اصدارها نور الدين الرفاعي وقد صدر العدد الاول منها بالقطع الصغير في اليوم الاول من تشرين الاول عام 1949، ولم يدم صدورها وذلك بسبب الموضوعات التي كانت تنشر فيها والتي لم تلق الرواج من القراء.

انشأت الجمعية عدداً من المستوصفات منها مستوصف في منطقة الكاظمية واخر في الشواكة بجانب الكرخ من بغداد, وثالث في مدينة الوشاش قرب جسر الخر واهتم المركز الاجتماعي في تل محمد (بغداد الجديدة) الذي شيد عام 1952 بواجب تقديم الخدمة الصحية، اذكان من بين وحداته المتعددة الوحدة الصحية التي احتوت على صالة لانتظار المرضى واخرى للفحص الطبي وثالثة للصيدلة، اما ملاك هذه الوحدة فتتألفمن طبيب ومضمد وممرضة وقابلة، ووجدت وحدة اخرى للأمومة والطفولة اشتملت على غرفة للتوليد واخرى للقابلة وصالة تستوعب ستة اسره للوالدات حديثا، وصالة صغيرة للإرشاد الصحي للأمهات والعناية بالأطفال المولودين حديثا.

وتأسست فروع للجمعية في اماكن متعددة من العراق، منها فرع في الكاظمية حيث كان يرأسها التاجر هاشم البياع، اما فرع النجف فقد تألفت لجنته التأسيسية من السادة: حسن السيد هادي زوين وعبد الوهاب كمونة، ومحمد رؤوف عباس الجواهري، وجواد حسام، وجواد كاظم وغيرهم, وفي البصرة حيث تكونت هيئتها الادارية عام 1941 من عبد القادر السياب وعبد الرحمن المنصور وغيرهم.

واسهاماً من المرأة العراقية التي عرف عنها حرصها الواضح للنهوض ببنات جنسها ورفع مستواهن الثقافي والاجتماعي ومكافحة الجهل المتفشي بينهن، فقد بادرت مجموعة من فضليات السيدات في لواء بغداد بتأسيس فرع نسوي للجمعية في العام 1936، وقد تألفت هيئته الادارية من ثمينة توفيق معاونة مدرسة الفنون البيتية وخيرية نوري مديرة مدرسة الحيدرية وسرية الخوجة المدرسة في المدرسة الثانوية ومنيرة الفضلي المعلمة في المدرسة المركزية.

دعمت وزارة المعارف عمل الفرع النسوي للجمعية، فسمحت لها بالإفادة من مساحات وابنية المدارس بعد اوقات الدوام الرسمي في تقديم الدروس لتعليم الاميات من الفتيات والامهات، والاناث اللواتي لا تسمح لهن احوالهن المادية على مواصلة التعليموقد وصل المبلغ الذي يصرف على التعليم في هذه الجمعية حوالي (500) دينار، وهو مبلغ كبير في تلك المرحلة، لاسيما اذا علمنا ان راتب الموظف في هذه المدة نفسها يتراوح من اربعة الى سبعة دنانير.

نال الفرع النسوي مؤازرة الاسرة المالكة، أذ أقامت حفلتين تمثيليتين برعاية الملكة عالية في الحادي والعشرين من نيسان, وفي الثالث عشر من ايار عام 1942، وخصص ريع هذه الحفلات لدعم الجمعية، واقام الفرع النسائي لجمعية بيوت الامة حفلة خيرية في قاعة الملك فيصل الثاني في السادس من نيسان عام 1944 حضرتها الملكة عالية مع شقيقاتها، والقت فيها رئيسة الجمعية روز خدوري كلمة تحدثت فيها عن غاية الجمعية واهدافها النبيلة وسعيها المتواصل لتأسيس دار ايتام يضم الفتيات المشردات، وتحدثت الملكة مع عضوات الهيئة الادارية معربة عن سرورها لجهودهن، فكانت كلمتها عاملا مشجعا لاستمرار نشاط الجمعية. توج الفرع اعماله بأنشاء دار لإيواء الفتيات المشردات (ميتم) اذ قامت الجمعية عام 1947 بأجراء اكتتاب عام بهدف انشاء هذا الميتم، وتحقيق مختلف الأغراض الانسانية النبيلة لخدمة الطبقات الفقيرة في مدينة بغداد، وقد انشئ هذا الميتم وسمي باسم "ميتم الملكة عالية".

وقد حدد الفرع النسوي طموحه الاساسي بمكافحة الامية المتفشية بين طبقات المجتمع، لذلك سارع الفرع لفتح عدد من المدارس المسائية في منطقتي الكرخ والكاظمية، وقد اخذت عدد من السيدات على عاتقهن التدريس مجاناً في هذه المدارس التي تلقن فيها الفتيات الاميات دروساً في القراءة والكتابة والتربية والارشادات الصحية، واستمر الفرع بتقديم خدماته الرامية لمكافحة الامية حتى عام 1948 عندما اغلقت مدارس الجمعية ابوابها بفعل الحرب الفلسطينية، وتوجهت الجمعية بعملها لمعالجة اثار الحرب.

توسعت الجمعية في اداء اعمال الخدمة الاجتماعية، في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وتألفت الهيئة الادارية لها في عام 1951 من العضوات الاتية اسمائهن: علية يحيى قاسم الرئيسة، وظفيره جعفر نائبة الرئيسة، وانعام الدليمي للسكرتارية، وبدرية علي لأمانة الصندوق، والعضوات زكية العبايجي وجورجيت موتكة وبليغة رسو.

بعد قرار الغلق الشهير الذي صدر في عام 1954أعيد تأسيسها في العام ذاته حيث انشات عدة مستوصفات منها مستوصف في الكاظمية, واخر في الشواكة بالكرخ وثالث قرب جسر الخر وقد اغلقت عام 1956.

عن رسالة(الجمعيات الاجتماعية والدينية والفنية واثرها الثقافي في بغداد 1933-1958).