زهرة الزيراوي
النشأة الثقافية
فتح الدكتور عزيز الحبابي عينيه في بيت ذي شغف بالعلم، و كان الكتاب اللبنة الأولى شرط المرحلة لدخول باب المعرفة، أن يمر الطالب بالكتاب لحفظ القرآن الكريم.تابع لحبابي دراسته الإبتدائية، بعدها انتقل إلى ثانوية مولاي إدريس بفاس، زاول أنشطة عديدة في المجالات الرياضية و الفنية،
و صادف في بداية شبابه أن الكفاح الوطني قد رسم عدة معالم في ربوع الوطن المغربي، فسجل محمد الحبابي حضوره في هذا الكفاح فاضطر الفرنسيون المستعمرون لأن يسجنوه، ثم انتهت هذه المضايقات بطرده من المعاهد التعليمية. ففر إلى باريس ليتابع دراسته محروما من المنحة الدراسية.
و في فرنسا حصل على الإجازة في الفلسفة، و على دبلوم اللغات الشرقية بباريس، ثم دبلوم الدراسات العليا في الآداب، و توج أخيرا كل ذلك بدكتوراه دولة في الفلسفة من جامعة الصوربون بميزة الشرف العليا.
مجالات العمل
عمل الدكتور محمد عزيز الحبابي في عدة مجالات، و أدى أدوارا في ميدان العلم و الآداب و الفلسفة، فقد التحق بالمركز الوطني للبحوث العلمية بفرنسا و ظل يحاضر في كثير من الجامعات الأوروبية.
أسند له كرسي بجامعة محمد الخامس، و تولى عمادة كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط. وفي 1969 أعير إلى حكومة الجمهورية الجزائرية، فدرس بالجامعة ثم أصبح مستشارا للبحث العلمي بوزارة التعليم العالي.
عاد إلى المغرب عام 1974.بعد ذلك انكب نهائيا على البحث، إذ عضويته بخمس أكاديميات ألزمته بالتفرغ
و هذه الأكادميات هي:
ــ عضو أكاديمية المملكة المغربية منذ تأسيسها.
ــ عضو أكاديمية علوم ما وراء البحار بفرنسا.
ــ عضو أكاديمية البحر الأبيض المتوسط بإيطاليا
ــ عضو أكاديمية الدولة لفلسفة الفنون بسويسرا.
ــ مراسل بمجمع اللغة العربية بالقاهرة.
الإنتـــــــــاج
يعد الفيلسوف لحبابي غزير الإنتاج، و قد كتب باللغة العربية و الفرنسية، و نالت بعض آثاره المعرفية جوائز، منها ما تحفل به الجامعات و يعد من المراجع الأساسية، إما في الأصل أو عن طريق الترجمة. وترجمت مؤلفاته إلى أكثر من ثلاثين لغة.
مؤلفــاته بالعربية
مفكرو الإسلام ــ الرباط مطبعة أمينة.
بؤس و ضياع ــ بيروت.
من الكائن إلى الشخص ــ دراسات في الشخصيات القاهرة دار المعارف.
الشخصيات الإسلامية ــ القاهرة دار المعرف 1 و 2.
من الحريات إلى التحرر ــ القاهرة دار المعارف ط 1 و 2.
جيل الظمأ رواية ــ بيروت المطبعة المصرية الطبعة السادسة جمعية التأليف و الترجمة و النشر الرباط.
و الكثير من مؤلفاته الكثيرة التي لا يمكن سردها كلها. هذه مؤلفاته التي أشير إليها في الغالب، و هناك التي لم يشر إليها. أعماله لا تفتأ تخدم الأدب و العلم بل أن بعضها يعتبر محط دراسات و بحوث جامعية، و ثمة مؤلفات عديدة ستأخد طريقها في القريب إلى النشر لتنضاف إلى ذلك الصرح الشامخ، في عالم الفكر الفلسفي للدكتور محمد عزيز لحبابي.
انتقل الفيلسوف إلى رحاب العالم الآخر في أغسطس من عام 1993 بالرباط عندما ننسب العَظَمة إلى أية حضارة فإننا غالبًا نعتمد في الحكم على المنجزات الثقافية والفنية للحضارة؛ لأنها لا تُستورد كما تُستورد التكنولوجيا. هذا ما يحدد أهمية ما يبلغه المجتمع من شروط الوعي، وهذا ما دفع نخبة من المثقفين في مرحلة الاستقلال لتأسيس جمعية [اتحاد كتاب المغرب] كمنظمة ثقافية مستقلة يرأسها الفيلسوف محمد عزيز لحبابي مع مجموعة من الفرسان جمعت بينهم العوامل السياسية والاجتماعية والحُلم الثقافي منذ مقتبل حياتهم.
1961 يطالعنا مجموعة من الفرسان رفقة الفيلسوف محمد عزيز الحبابي بأحلامهم.هؤلاء الفرسان تطلّعوا إلى وضعية اعتبارية تؤهلهم للعب دورٍ طلائعي في الوطن، فأسسوا اتحاد الكتاب، يرأسه المفكر لحبابي، واختاروا مقرًّا ثابتًا له هو دار الفكر، ونشرة دورية هي مجلة آفاق.
بادر الحبابي إلى توجيه النظر لأسلوب في القراءة يتمثل في عادات القراءة. والتأكيد على القراءة الصامتة هو تأكيد على النشاط الفكري، الذي يتاح فيه لكل الناس يوميًّا الاستفادة الذاتية من نص مكتوب. وتزامنت دعوته مع مطلب اليونسكو.
أسس الحبابي للقاء الأربعاء، أو كسكس الأربعاء، ليلتقي أعضاء الاتحاد، في الجو الحميمي العائلي من جهة، وعلّه من جهة أخرى تواصل مع خط حديث الأربعاء لطه حسين عميد الأدب…. الذي كان يرغب في أن يظل الأدب القديم، قواماً للثقافة وغذاء للعقول. ولعل هذا ما يرمي إليه الفرسان المؤسسون للاتحاد آنذاك. و كأنهم تنبؤوا بالعولمة، وما سيكون عليه العالم من صراع مضمر بين الأنا و الآخر.
لم تعُد في عهده الرواية مجرد وسيلة تثقيف وتعليم أو تبشير بغد أفضل، بل أخذت تعي شرط تاريخَها الخاص ضمن التَناص والتراكم واستشراف أُفق يستحضر المفهوم الروائي الكوني الذي يُسقط الحواجز بين الثقافات. و تطرح السؤال الوجودي العميق.
أذكر من رواد دار الفكر بالسبعينات حسن لمنيعي، مبارك ربيع، إبراهيم السولامي، عبد الجبار السحيمي، مالكة العاصمي، و ما أطول القائمة … شباب يتأججون نشاطا و فكرا.
يرحل الفيلسوف محمد عزيز الحبابي ويترك خلفه حقولًا من المعارف يلتفت إليها المفكرون في الغرب.
ومن إنصاف الدهر للفكر ليستمر و يدوم، ها هو الباحث الشاب رشيد بوطالب في ألمانيا يقرأ اليوم أعمال الحبابي. و يجري مع رجل الدين ماركوس كنير حوارا حول أعمال الفيلسوف لحبابي إلى ا، نقف عند ما يلي:
تبدأ تجربة الحبابي في الشخصانية الإسلامية من خلال عودته إلى جذر لفظة شخص ودلالتها في الفكر العربي قبل وبعد الإسلام، ومن خلال تعمّقه بنصوص القرآن الكريم وإيمانه الصادق يقول استنتاجاً من الآيات القرآنية، يبدو أن جذر شخص كان موجوداً قبل الإسلام وقد تعدّدت معاني مشتقاته وعلى الرغم من ذلك، لم يعرف العرب لا لفظة شخص ولا مفهومها في دلالته المعاصرة. سيضع مفكرون مسلمون مثل إخوان الصفا وابن سينا لأول مرة كلمة شخص ويشحنونها بمفاهيم جديدة تمخّضت عن أي القوام الباطني الكلي بالنسبة للتشخصن.
بعودتنا إلى مونيه صاحب مجلة أسبري، نرى مونيه يدين الفوضى الاقتصادية والاجتماعية والروحية للعالم الرأسمالي، ونزعته الفردانية البورجوازية. وبلوَر عكس ذلك الفلسفةَ الشخصانية التي تجمع بين المسيحية والاشتراكية. وهذه القاعدة الشخصانية سيشتغل عليها الحبابي وفق مرمى جديد وغاية أخرى.
يرى ماركوس كنير أن مفهوم الشخص عند الحبابي, يكتسي دورًا حاسمًا في فكرٍ يتجاوز الثقافات الوطنية لمعانقة الحضارة الإنسانية, التي تتأسس فيها وشائج بين مختلف التخصصات والشُّعَب؛ من تاريخ وثقافة وعلوم وفكر فلسفي. وتستطيع الثقافات, بما فيها الثقافة الإسلامية, تقديم مساهماتها في الحضارة الإنسانية. ويشير المؤلف إلى تدرج فلسفة الحبابي من الشخصانية الواقعية، التي جسدها كتابه من الكائن إلى الشخص.. دراسات في الشخصانية الواقعية، إلى كتاب من الحريات إلى التحرر, الذي يرى فيه أنه لا يمكن فصل مصير الإنسان عن شرطه الواقعي, معارضًا بذلك الآراء التي كانت تذهب إلى الفصل ما بين الأنا الأمبريقي و الأنا الجوهري.
واعتبر ماركوس كنير أن كتاب الحبابي الذي يحمل عنوان من المنغلق إلى المنفتح, الذي ترجمه إلى العربية الأديب محمد برادة, يندرج ضمن هذه المرحلة.
ويذهب المؤلف في كتابه محمد عزيز الحبابي الإنسان دليل الله مقدمة لأنتروبولوجيا إسلامية, إلى أن مرحلة الأنتربولوجية الإسلامية والشخصانية تعتبر مرحلة متقدمة في المشروع النظري لمحمد عزيز الحبابي, مشيرًا إلى أن الأطروحة المركزية في الكتاب تقول إن الكائن البشري هو شخص, وذلك استنباطًا لما ورد في القرآن والسنة.
ويقول الأستاذ كنير, في دراسة عن محمد عزيز الحبابي, إن هذا الأخير استطاع, بعد كتاب الشخصانية الإسلامية, "تطوير فلسفته في اتجاه فكر أكثر التزامًا نحو سياسة عالمثالثية, ومن ثم برزت نظريته المعروفة بـ الغدية.
واعتبر كنير أن الهدف من البحث في فكر لحبابي لا يندرج فقط في باب التاريخ وإنصاف فيلسوف.. وإنما, أيضًا في إيجاد سبل لاندماج المجتمعات الإسلامية في المجموعة الدولية, ذلك أن لحبابي طور نموذجًا للهوية الإسلامية المعاصرة.
أكسير الحياة
عندما تتحول الأهداف السامية للحياة و تنتقل إلى ما يجعل الناس سادة و قطيعا، و يحل العنف و التقاتل نفقد و نخسر معنى الوجود على الأرض.
و نحن نقرأ أكسير الحياة نتذكر روايتين لسارتر الأولى: سجناء التونا 1959 حيث يطرح سارتر مسائل سياسية بالغة الأهمية و يتناول شرعية اسـتخدام العنف، و العلاقة بين الفرد و المجتمع والتاريخ.
لقد اشتغل الحبابي أيضا على السؤال الفلسفي في أعماله الشعرية و الروائية ليمرر فكره الفلسفي العميق المتغلغل في دراسة النفس البشرية وما يتفاعل فيها من غرائز وطباع إزاء الوقائع والأحداث و وظف الشعر كما الرواية لتوضيح هذا السؤال، و لإيصاله لقارئ الأدب فكرة رواية اكسير الحياة تتمحور حول مشكلة البقاء و الفناء بين الفيلسوف الاكتشاف وكيف يكون حظ الأغنياء منه، وكيف سينتشر في المجتمع قانون الطبقية.
اتخذ الكاتب من الشخصيات والأحداث أداة لتمرير الأفكار والتأملات، وتشريح المجتمع الإنساني انطلاقا من موقفه من قضية الموت والحياة الشخصية المحورية التي تدور حولها الرواية هي شخصية حميد، وهو طالب بكلية الطب السنة الرابعة، ابن السيد إدريس نجار بسيط في حي شعبي بمدينة الرباط.
تبتدئ أحداث الرواية عندما قرأ السيد إدريس خبر اكتشاف إكسير الخلود في الجرائد فأنكر ذلك ولم يصدق حتى رأى أن المدينة كلها تضج بالخبر، فتغيرت مجريات الأمور بحيث صار الكل يطالب بهذا الإكسير، ويتقاتلون من أجل الحصول عليه، كل يقول نفسي نفسي وبعدها الطوفان، فتجند الكل لخدمة هذا الاكتشاف الجديد، الشرطة والحكومة حتى المتطوعين من المواطنين… لكن إدريس كان يرفض هذا الاكتشاف الجديد بدافع قناعته أنه إكسير الشؤم، فبمجرد التصريح به رسميا حلت المجاعة والمعارك بين الأنصار والمؤيدين…إدريس كان من معارضيه حيث يقول آه.. لقد كنا سعداء بحياتنا الفانية ألفنا الموت والفناء حتى حلت بنا هذه الكارثة العظمى.. أية حاجة لنا بالخلود؟ ص.43 أما ولده حميد أحد أبطال الرواية و الطالب بالكلية تأثر بفكر والده كان يرى أن العلم ليس مسؤولا عن هذه الفوضى وعن سوء استعمال الاختراعات والاكتشافات فالعلماء لم يأمروا بالتقاتل والفوضى كل ما نعانيه هو نتيجة تخلفنا.. ص.43.
ومع تسلسل الأحداث يكتشف أن الحكومة تحمي ذوي الجاه والنفوذ وهم ينعمون في نعيمهم فأيقن أنه لا حظ للفقراء في عالم أكسير الخلود الخلود مع الفاقة الخالدة عذاب خالد ص.83.
مات حميد مقهورا من الجوع ومن السلطة ومن الظلم ومن عدم المساواة بين كل طبقات المجتمع، ومن الكره لقد أيقن أن الحب هو الآخر مراتب فحتى فتاة من بنات الأعيان و التي كان يتوهم أنها تبادله نفس حبه حين كان يساعدها في دراستها لنفس الشعبة التي يدرسان بهامعا، سيكتشف أنها تحتقره وأن كل الابتسامات التي كانت تغدقها عليه لم تكن إلا لقضاء أغراضها.
سيموت حميد البطل و لا تنتهي الرواية بل يسافر بنا إلى العالم الآخر لنقف على الفروق بين الهنا و الهناك، في العالم الآخر نرى إعجابه بالعالم الملائكي حيث لا وجود للتقاتل ولا لمزاحمات و لا لأسواق و لا حسد ولا حروب… ومشكلة العندية والإمتلاك غير مطروحة هناك هذا لي.. وهذا لك.. لأنها سبب الصراع وهي تُخضع البشر لها وتمتلكه وليس هو من يُخضعها ويمتلكها. الرواية تحمل كثيرا من الأفكار والتأملات التي تندرج في المفهوم العام لفلسفة لحبابي.
