أمانة العاصمة في عهدها الأول

أمانة العاصمة في عهدها الأول

رفعة عبد الرزاق محمد

في 23 آب 1921، اعتلى الامير فيصل بن الحسين عرش العراق، ليبدأ لعراق عهداً جديداً من تاريخه، وفقاً للمقررات الولي ومطالب الحركة الوطنية في العراق في ثورتها الكبرى عام 1920 التي أدت الى تحول كبير في السياسة البريطانية يقضي بانشاء حكم وطني تحت نظام الوصاية او الانتداب الذي اقرته عصبة الامم المتحدة. ولاريب ان الدولة العراقية الجديدة بنظامها الملكي، جاءت بعد قرون من التسلط الاجنبي منذ سقوط بغداد، حاضرة العالم الاسلامي، بيد المغول سنة 656هـ / 1258م.

ولما اصبحت بغداد عاصمة الدولة الجديدة (المملكة العراقية)، فكان لابد من العمل لجعل هذه المدينة العريقة ملائمة لهذا العهد، وكان تطوير المدينة وتطوير الخدمات البلدية فيها على رأس ما يفكر به مؤسسو هذه الدولة.

وبعد تشكيل الحكومة العراقية (الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة السيد عبد الرحمن النقيب، تألفت في 25 تشرين الاول 1920)، اصبحت واجبات البلدية تجمع بين الاعمال الادارية وبين واجباتها البلدية، لذغا فقد ترتب تغيير العنوان فسميت (محافظة بغداد)، وكان المحافظ يقوم باعمال المتصرف اعمال رئيس البلدية، ويذكر ان توفيق الخالدي هو اول من تسلم منصب محافظ بغداد في 9 كانون الثاني 1922.

لقد وجُد ان بلديات بغداد الثلاث (الرصافة الالى هي الهيئة، والرصافة الثانية، والكرخ) وخضوعها الى متصرفية لواء بثلاث بلديات يؤدي الى إرباك في عملهتا وعدم تطورها، فأقترحت وزارة الداخلية أرتباط البلديات من متصرفية لواء بغداد، وإنشاء بلدية واحدة لكل بغداد وتسمى هذه المؤسسة بأسم (أمانة العاصمة) وان يسمى رئيسها (امين العاصمة).

عرضت وزارة الداخلية قرارها على الملك فيصل الأول يوم 5 شباط 1923 للتصديق عليه, بارك الملك هذه الخطوة وأصدر إرادته الملكية في 13 شباط 1923 بإنشاء أمانة العاصمة، وتعيين السيد صبيح نشأت اول امين للعاصمة.

وتم تعيين السيد علي البازركان معاون أمين العاصمة بجانب الرصافة، وتعيين السيد محمد مصطفى الخليل معاون امين العاصمة في جانب الاكرخ، وكلاهما كان قد تولى منصب رئيس البلدية سابقاً.

ولتعيين شكل الادارة في أمانة العاصمة، فقد تقرر تشكيل مجلس للأمانة، غير المجلس البلدي الذي كان تابعاً لمتصرفية بغداد، ويتم تشكيله وفق قواعد الانتخاب في المجالس البلدية السابقة، فجرت الانتخابات وفاز بعضوية مجلس الأمانة كل من:

عبد الرسول جلبي كبة.

محمد أفندي مصطفى الخليل.

سيد نوري البرزنجي.

علي أفندي البازركان.

وهبي أفندي الخشالي.

الشيخ احمد افندي الظاهر.

ياسين الخضيري.

الميجر هينكر (المفتش البلدي).

المستر نبت مهندس البلدية.

تنص المادة (17) من قانون البلديات في فقرتها (ب) الى وجوب إستبدال نصف الاعضاء المنتخبين لمجلس الامانة وبهذا جرت إنتخابات جديدة في عام 1924، فاز فيها ثمانية أعضاء جدد (وهو الحد الاعلى المعين في القانون)، كما يلي:

عزت افندي فرحان

الحاج اسماعيل كنه

محمد أوسته عبد الله

توفيق افندي المختار

عبد المجيد أفندي التكريتي

طاهر جلبي الباجه جي

عبد الرحمن افندي التكريتي

الحاج خلف افندي

وبعد إجتماع المجلس الجديد تقرر إلغاء عضويّة علي البازركان بذريعة انه لم يسبق له الخدمة في دائرة حكومية، لكنه ذكر في مذكراته إن ابعاده بسبب خلافه مع وزير الداخلية علي جودة الأيوبي.

وجرت إنتخابات جديدة لمجلس الأمانة عام 1925، وفاز أعضاء جدد لاستبدال نصف اعضاء المجلس، وهم:

الحاج محمود جلبي ذياب.

صالح افندي مراد المحامي.

الحاج جعفر جلبي الخاصكي.

عبد الرزاق افندي حسن اغا.

سمعان افندي ابراهيم.

عباس أفندي خلف.

سيد محمد سيد أحمد.

محمد سعيد أفندي النجم.

مهدي الصالح العلي.

كانت صلاحيات المجالس البلدية قبل تأسيس أمانة العاصمة، صلاحيات محدودة، غير انه أصبح بعد التأسيس هو المرجع الأساسي في إدارة شؤون الأمانة، وأهمها المصادقة على ميزانية الأمانة التي هي عصب العمل البلدي كما لايخفى، كما كانت له صلاحية تعيين موظفي الأمانة او عزلهم، وله صلاحية التغيير في دوائر الأمانة وتحديد خدماتها وإضافة فعالياتها، وكل هذه الصلاحيات الواسعة بسبب تمكنه من التصرف بأموال الأمانة موافقة او رفضاً.

* * * *

عين صبيح نشأت بمنصب أمين العاصمة عند تأسيس الأمانة في شباط 1923، فهو اول أمين في تاريخ هذه المؤسسة الحكومية الكبيرة، وقد ذُكر ان تعيينه جاء بأقتراح رئيس الوزراء ووزير الداخلية وكالة عبد المحسن السعدون، فقد كان نشأت من المقربين للسعدون ومن مؤيدي سياسته، فضلاً على صداقتهما القديمة.

وللتعريف به، نذكر انه احمد صبيح بن نشأت بن بكر الأربيلي، وكانت ولادته عام 1882 في مدينة السماوة يوم كان أبوه قائمقاماًفيها، وكان جده بكر بن محمود قد أنتقل من أربيل الى بغداد، وكان عضواً في مجلس البلدية سنة 1879. درس صبيح في بغداد، وسافر الى اسطنول لأكمال دراسته، فتخرج في مدرستها العسكرية ضابطاً في الجيش العثماني عام 1900، انتمى الى مدرسة أركان الحرب وتخرج فيها برتبة رئيس ركن عام 1903، فألتحق بدورات عسكرية مختلفة في المانيا وفرسا.

وعين ضابطاً في الجيش العثماني السادس، ومقره في بغداد، ووجهت له وظائف عسكرية هندسية في جهات مختلفة من العراق، وتزوج من إبنة اللواء يوسف باشا وكيل والي بغداد. وبعد الثورة الدستورية في اغلدولة العثمانية سنة 1908 عين مديراً لمدرسة (الجندرمة) او الدرك في إزمير، ثم رقي الى رتبة مقدم وأنتقل الى عاصمة الدولة إسطنبول، وعندما اندلعت لاحرب البلقان عام 1012 شارك في معاركها، ثم أنتدب عضواً في لجنة تحديد الحدود التركية الايرانية عام 1913 وعهد اليه قيادة الدرك في بيروت قبيل الحرب العالمية الاولى.

ولما اندلعت الحرب عام 1914، شارك في عدد من معاركها كضابط ركن مع قائد الجيش الرابع في بلاد الشام جمال باشا (السفاح)، ثم عين رئيساً لأركان الجيش التركي في الحجاز، ثم مفتشاً للمؤن العسكرية في اسطنبول، حتى أحيل على التقاعد في أيلول 1918، فأنصرف الى بعض الأعمال التجارية في برلين باريس، لكنه آثر العودة الى بلده بعد تأسيس الحكومة العراقية، فعين وزيراً لمواصلات والأشغال في وزراة عبد الرحمن النقيب الثانية عام 1922، وبالمنصب نفسه في وزارة النقيب التالية في ايلول 1922.

وعهد اليه منصب أمين العاصمة في 13 شباط، فكان أول من تولى هذا المنصب في تاريخ العراق الحديث، وبعدها عُين متصرفاً للواء بغداد بالوكالة في 5 ايلول 1923، ثم أُعيد وزيراً للمواصلات والأشغال في وزارة جعفر العسكري الاولى في تشرين الثاني 1923، وأنتخب نائباً في أربيل عند تأليف أول مجلس نيابي عام 1925.

وعين وزيراً للدفاع في وزارة عتبد المحسن السعدون الثانية في حزيران 1925 ووزير المواصلات والاشغال بالوكالة، فوزيرا للمالية في تشرين الثاني 1925.

وعهد اليه منصب الممثل السياسي للحكومة العراقية في المحافل الدولية، ورقي الى درجة وزير مفوض في ايلول 1928، حتى أدركه الموت في اسطنبول في 19 تموز 1929.

ومن سيرته انه مثل العراق في مؤتمر المحمرة لتحديد الحدود مع السعودية في مايس 1922، ومؤتمر العقير في السنة نفسها، ومؤتمر الكويت في أوائل عام 1923، كما كان خبيراً عراقياً في قضية الموصل 1925، وممثلاً للحكومة لدى شركة النفط الانكليزية في آب 1927.

عرف صبيح نشأت بأنه كان وزيراً متميزاً بمهارة إدارية كبيرة وخبرة هندسية موثوقة، ودبلوماسية لامعة، فأصبح موضع ثقة الحكومة العراقية وتقديرها، ووصف بأنه كان عراقياً مخلصاً بعقل أوربي حصيف.

*****

في عام 1925 صدر القانون الأساسي العراقي، وقد أكد هذا الدستور لغرض تنظيم المشهد الأداري في البلاد، على فك إرتباط البلديات الثلاث عن متصرفية لواء بغداد، وإنشاء بلدية موحدة في بغداد بأسم (أمانة العاصة. وبعد صدور قانون إدارة البلديات رقم (48) لسنة 1931، قرر مجلس الوزراء ان تكون أمانة العاصمة من الدرجة الأدارية العليا، وان تكون السلطة الأدارية لأكبر موظف إداري وهو أمين العاصمة. ويُذكر ان البلدية التي تكون وارداتها (200) الف روبية} الروبية تساوي 75 فلساً{ فأكثر تعد من الصنف الأول. وقد الغى قانون إدارة البلديات قانون الولايات العثماني لسنة 1877 مع جميع الأنظمة والتعليمات والبيانات الخاصة بالعمل البلدي في العهد الذي سبق تأئسيس الحكومة العراقية، ومنها تغيير منصب رئيس البلدية الى منصب امين العاصمة.