حاتم الضامن .. سيرة ومسيرة وصحبة العمر

حاتم الضامن .. سيرة ومسيرة وصحبة العمر

د. مروان العطية

عشقتُ الكتاب مذ دخلت الجامعة السورية طالبًا في قسم اللغة العربية، وكنت أنتهز الفرص؛ لأزور مكتبة عبيد في سوق الحميدية بدمشق، ودار الفكر قرب محطة الحجاز، ومكتبة أطلس في الصالحية، وأشتري بما في جيبي من كتب ينصحنا بها أساتذتنا.

وما أن تخرجتُ من الجامعة حتى صار عندي قدر حسن من الكتب، وعددته نواة لمكتبة أحلم بتوسعها. وثابرتُ على جمع الكتب الأدبية واللغوية والتراثية حين عُيِّنتُ مدرسًا في إحدى ثانويات مدينتي دير الزور التي كانت عامرة يومًا أعاد الله بهاءها.

وكنت أقضي معظم وقتي بين أَرْفُفِ المكتبة المتزاحمة. ولما لم تعد تكفي رتَّبْتُ الكتب رديفين في كلِّ رفٍّ. وكنتُ أتناول الكتابَ تِلْوَ الكتابِ وأطالعه بشغف، من غير أن يخطر على بالي ما تخبئه لي الأقدارُ السعيدة من وراء هذه الكتب.

وفي صيف عام 1980م وفد على ديرنا أحدُ أساتذتي الأجلاء من حلب، وهو الدكتور محمد ألتونجي، وأخبرني أنه قدِم لتأسيس كلية الآداب في بلدي. وحين استَزَرْتُه راجيًا الاطلاع على مكتبتي، أجابني ملبيًّا دعوتي. فأبدى إعجابه الشديد من حجم المكتبة ومما تضمه من الأمهات والمصادر والكتب التراثية. فكلفني فورًا بتدريس مقرر (المكتبة العربية). وكانت فرصة كبيرة لي اهتبلتها من تكليفه.

بدء صلتي بالدكتور حاتم الضامن

وكانت الفرصة الثانية والعزيزة التي انتفعت بها من مكتبتي أن انعقدت أواصر الصلات العلمية مع الشيخ الكبير حاتم الصالح الضامن-رحمة الله عليه- وبدأ التواصل العلمي بيني وبينه من أجل الكتاب والمخطوط بالمراسلات البريدية ثم الإلكترونية. ولما لمس الشيخ مني حبًّا بالكتاب ومعرفة بأصوله وأهميته أظهر لي ودًّا لا يحدُّ، وإخلاصًا لا يعد، وعطفًا لا أكاد أوليه حقه من الشكر. وأهل الحرفة أدرى بأسرار حرفتهم، وأدعى إلى معرفة كفاءة بعضهم لبعض.

ومن حسن حظي أنني حظيت بكوكبة من العلماء الأفذاذ الذين يَكبرونني سنًّا وقَدْرًا. وأنا أعلم أن الكبيرَ لا يغار من الصغير، والأستاذَ لا يتوانى عن مساندة المريد. فأبدى لي الشيخ عونه لمّا لمس مني حبًّا للعلم، وغيرة على التراث المخطوط منه والمطبوع.

وكان خير ما يحدثني به ويشنِّف آذاني هو الحديث عن الكتاب، وخير ما يهديني إياه هو الكتاب، بعد أن لمس شغفي ونقاط ضعفي.

فكان يتحفني تباعًا بالمطبوعات العراقية النادرة، في وقت كانت القطيعة بين الأختين التوأمين: العراق والشام-مع الأسف- على أشدها، وكان الاتصال بين الأخوة والسلع والكتب محظورًا حظرًا باتًّا.

فكنت أشمُّ الكتاب لأحبابه بقدر حبي للعراق، وأملي في أن يعود إلى البلدين الوِفاق. وكنت أتباهى بما يصل إليَّ مِن الدكتور حاتم، وأعلن على الملأ وصول المعونة-وهي خير مؤونة- من كتب من عراقنا الغالي.

ولعلي كنت الوحيد تقريبًا - في ذلك الزمان الأدكن - الذي يقتني تلك الكتب الثمينة.. والتي كان يهتمُّ باقتنائها علم أعلام التأليف والتحقيق.

وكان صحبي وبعض أساتذتي من عشاق العلم، وممن يتشوَّقون إلى رؤية كتاب مطبوع في بغداد، أو الموصل، أو البصرة، يتوافدون على مكتبتي للاطلاع على نوادر المطبوعات التحقيقية والتأليفية، التي كنت أزيِّن بها مكتبتي التي غدت عامرة، ويقرؤون على هامش الورقة الأولى إهداء الأستاذ الدكتور حاتم وتوقيعه. فيهنئونني على الإهداء قبل الاقتناء، ويغبطونني بلا حسد أو رياء.

كما كان يهديني-هداه الله المغفرة- مؤلفاته الثمينة ومنشورات البحث العلمي العراقي، والتي هي أفخر ما دلف إلى مكتبتي من منشورات، والتي أرجو من الله أن يحفظها لي - كما يحفظ وطني الغالي - مدينتي دير الزور التي تتحرَّق قهرًا، وتتمزق أوصالها تفرُّقًا، ويعمي عنها أبصار الجهلة، وتدمير القتلة، والتمثيل بفراتها وواحاتها.

وأخشى ما أخشاه أن يُمَسَّ غلافٌ من كتبها بأذى؛ لأنها من كنوزنا التي نعتز بها وأعزُّ ما نعتز به هو العلم. بل أخاف على الكتب مما نُنكب به من وَيل واغتيال. وهل أنسى ما فعله هولاكو بتراث سلفنا الصالح من المؤلفين، وما فُرات الدير عن فرات بغداد ببعيد. وقد جمعتها على مدى نصف قرن من دَسَم مالي ومن رُعاف قلمي.. وأين مكتبتي المتواضعة هذه من مكتبة شيخي الجليل؟!

وإنني لأتباهى، وأضع هذه المباهاة تاجًا على رأسي المُنْحني إجلالًا لمن كان يُغذِّيها، ويسعد بتغذيتها؛ أملًا في يوم تعود عُرَى المحبة بين القطرين، ويزول عنهما شؤم الجهل والتفرقة، ويزهو الكتاب، وتتفتح آفاق العلوم بالمكتبات.

كما أنني كنت – وما زلتُ - أتباهى تباهيًا لا حدود له، حين كان يتفضل به علي بنشر أبحاثي التي كنتُ أرسلها إليه؛ لأشتمَّ بقلمه رضاءه على ما أكتب. وتمضي الأيام من غير جواب إذ بي أفاجأ بما أرسلتُ منشورًا في أرقى المجلات العلمية والمحكَّمة ولمجلات المجمع، وفعله الكريم هذا، ولفتته العلمية الغالية هذه من نعم الله الكبيرة عليَّ، مما أشيد به وأفتخر.

وكم كنتُ أرجو بأن أتشرَّف بأن يصحح لي ما سها عنه قلمي، أو غاب عن ذاكرتي. فأرى قلمه قد عمل عمله حيث كنت أشك به، وأعمل فيه شيخي حيث غامت عنه ذاكرتي.

وحين أنجاه الله من كابوس الزبانية، وأبعده سالمًا من قهر بعض من يسعون إلى كسر الأقلام وطمس الورق عن الأفهام، وبقدرة قادر عزيز شمَّ عبيرَ الحرية حين وصل إلى أبوظبي ظافرًا بحياته، ناجيًا بعلمه وأدواته. فكانت سعادة لي ولمحبيه، بفوز الكلمة الحق، وحمدنا الله، وكان فتحًا لا يُنسى.

وبقدومه إلى أبوظبي ارتقى تواصلنا ارتقاءً متميزًا، فتحول اللقاء البريدي والإلكتروني إلى لقاء أخويٍّ موشوجٍ بحبل متين من العلم متناغم بكثير من التوافق الفكري. وإذا لقيته - ويحصل هذا مرارًا - وشعر الشيخ برغبتي في طول الحديث، عطَّل عمله على مكتبه، وأرجأه إلى حين؛ لنسترق الساعات الطوال بدعوة كريمة منه، ونتبادل الأحاديث والأشجان، وما كانت تدور بأكثر من بسط النقاش حول المخطوطات، وتحقيقها، ونشرها، وأين توجد المخطوطة الفلانية، ومن يسعى إلى تحقيقها ونشرها، ومن يجيد عمله ومن يقصر فيه.

وكان - حفظ الله ذكره في أفئدة محبيه - يخصني بمثل هذه الجلسات من غير ثالث لنا. وهدفُه نِشْدان الراحة الفكرية في غرس ما يحرص على تشنيف آذاني به، إيمانًا منه بأنني أفهم أحاسيسه، وأصدُق بأحاديثي. ولم تنقطع هذه اللقاءات العلمية بيننا ما دام الشيخ في أبوظبي، وما دمت أقوم بتلك الديار العزيزة.

وطرأ على وضعي العلمي طارئ كان علي أن أحكيه له ليفرح لي، ويبذل لي نصحه فيه. وانتظرتُ لقاءه بفارغ من الصبر، واستعجلته به. فلبى الدعوة واستجاب. لكنه فاجأني بأن أسرَّني ببشرى سارة، ما كنت أحلمُ بوقوعها، ولم تخطر على بالي لاستحالتها في ظني، وإن كان جزء منها مبتغى آمالي.

بشَّرني وهو يبتسم - أفسح الله له جِنانه، وأراح من الذنوب جَنانه - وكلمني قبل أن أفتح فاهي بما جئته من أجله. لقد أبلغني أنه رشحني-وأوصى المسؤولين- لأكون خليفته في عمله العلمي بمكتبة الشيخ جمعة الماجد في دبي؛ لأنه رآني خير خلف له، بحكم اشتغالي بالتأليف والتحقيق وسيري على خطاه في هذا الميدان.

فاعترتني نشوة لا تقاس، وهبَّتْ شفتاي إلى أنامله المعروقة السمراء لتباس.. أأجلس أنا على مكتب شيخي، وأقوم بما يقوم به من جهد أنوءُ به في مكتبة الشيخ جمعة الماجد؟، إنه حلم بعيد المنال، وتنفيذه - في ظني- من المحال.. أأنا أخلف هذا الرجل الماجد في ذلك الصرح الماجد؟.

وتلعثم اللسان، وغاب عن البيان والتبيين، ولعن الله الشياطين، التي أنستني الكلام الرصين. ثم سحبت كلامي شاكرًا، وبذلته مقدِّرًا غير أنني أتبعته باعتذاري لقلة ماعون اقتداري.. فالشيخ أطال الله عمره -كان آنئذ- ذا همة علية، وينعم بصحة هنيَّة.

ثم لأنني جئت أبشره بموافقة جامعة صلالة في سلطنة عُمان، وأجبتهم بالموافقة، وعليَّ أن أرحل في أقرب الوقت بعد لقائي به. وهي - في نظري - أيضًا فرصة علمية لا تُعوض، لأتابع عملي العلمي الذي خُلقت له، وهو التدريس في الجامعة. والعمل المكتبي، وإن كان شرفًا لي ولاسيما بتزكية شيخي الجليل لا يناسبني حاليًا، فأنا مرتبط بالجامعة منذ عام 1980م.

وأخشى على نفسي من أن أستعذب الإرهاق على المكتب، وأنسى التعليم الجامعي الأرحب، ولكنها تزكية غالية أزين بها أوسمتي ومباهاتي.

وودعت شيخي وأودعته تقديري، ورجوته ألا يضنَّ على رسائلي، وكان يستقبل ما أرسله، ويجيبني ويتواصل معي.. وإذا انتهزتُ فرصة أو إجازة وجئت أبوظبي تجدَّد لقائي به، وتعزَّز بالأخبار الجديدة والحديث عن المنشورات العديدة. وكنت أهديه ما نشرت أو حققت، وكان يشرِّفني بتقديم ما طبع ونشر على عادته التي لم تنقطع يومًا منذ المبادرة الأولى. ويبادر إلى لقائي، ومن ثمَّ لدعوتي إلى الغداء، وقصده أن تطول الجلسة.

واستمر الحال على هذا المنوال من غير تقصير مني أو تقصير منه. إلى أن زرت دبي في العام الفائت، وأنا أمنِّي النفس بلقائه بعد مضي عام على لقائي السابق به.. غير أنني فوجئت بالنبأ، وفجعت بالنعي، فجفَّ ريقي، وتجمد دمي في عروقي، وأحسست بضياع قلب العالم عني. وأدركتُ حينها أن تزكيته لي إحساس منه بدنو الأجل، وخوفه على ما يقوم به من عمل، خوفاً على ضياعه.

المكتبة الحاتمية

لا يمكن لعالم كيميائي أن يعمل ويعيش ويشتغل في ميدانه واختصاصه، ويضمُّ كل ما يحتاج إليه من أدوات ومواد. وكذا العالم اللغوي لا بد له من مكتبة ذاخرة تضم المصادر التي تعينه في إنتاجه.

وتعدُّ مكتبة الدكتور حاتم من أهم المكتبات العراقية الخاصة. فهي تحتوي أندر ما صدر من تصانيف ومطبوعات ومجلات علمية محكمة ومعجمات وكتب تراجم، إضافة إلى المخطوطات الثمينة. ومن الطبيعي أن تكون مكتبته عامرة ومنتقاة، وإلا كيف له أن يؤلف، ويحقق، ويناقش رسائل الدراسات العليا؟!

وقد أنشأها بنفسه، ورتب أرففها ترتيبًا دقيقًا؛ ليسهلَ عليه تناولُ ما يحتاج إليه من مصادر ومراجع حين تمسُّ الحاجة إلى الكتاب. وقد دأب على جمع الكتب منذ عشرات السنين، حتى غدت خزائنها تتباهى بما يزينها من الكتب.

وما كان يهنأ أو يرتاح ويتنفس الصُّعَداءَ إلا حين يخرج من تحت يديه بحث أو كتاب. عندَئذٍ تُشرق أساريره، ويخرج به إلى النور؛ ليدلفَ به إلى إحدى دور النشر. وكذا كان رأيه طوال حياته. إلى أن أكره على هجر محبوبته قسرًا، وطُرد من بغداد أمرًا، وما أصعب على العاشق من أن يُسحب من حضن محبوبته؛ ليلقى التشرُّد، ويدع المعشوقة بين أيدي من لا يعرف الرحمة، ولا تهمه الكلمة! فأصابها ما أصاب معظم منازل بغداد من هدم وسطو؛ لأن الغزاة غير البُناة، والجهلة ضد العلماء. ولما كانت المكتبة عنوان الحضارة، ولما كان الجهل أساسه معاداة الحضارة، فإن الأيدي القذرة نالت منها. ألم يُعلن هولاكو مذ كان في (قراقورم) أنه سيهدم حضارة المسلمين والعرب!

صحيح أنه عُوِّض بمكتبة عامرة في دبي، وفتحت له خزائنها، فإنه ظل يحن إلى مكتبته الخاصة ببغداد، فما الحب إلا للحبيب الأولِ. وكان دائمًا يُمني النفس بالعودة؛ ليرأبَ صدع الأرفف، ويرمِّم ما تهدم منها، ويستعيض عما فقد. غير أن العاشق المقهور لم يتسنَّ له أن يعود إلى أحضان معشوقته إلا بعد أن اكتوى وعانى وشارف على الهلاك، والمعشوقة تنتظر أن يزورها المحب قويًّا جلدًا، لا متهالكًا ينتظر من يسعفه. وكان الأملُ يحدوه إلى الاستشفاء؛ ليعود إلى مكتبته ليصلح ويرمِّم ما تهالك منها، ويستعيض عما فقد؛ كي يواصل دأبه فيها؛ لأنها رئته التي يتنفس بها.

غير أن الألم اشتد ووهن عظمه وانهد، وغرق في معاناته حتى وفاته، تاركًا أمرَ خزائنِه إلى أبنائه؛ لحمايتها وصيانتها، والتصرف الحسن بها.

ونظرة فاحصة دقيقة في مؤلفاته والرسائل التي أشرف عليها، والمخطوطات التي حققها - كما سيأتي دليل على عِظم الكنز الذي خَلَّفه. ولعل المكتبة تُحمل كما هي مصونة إلى أحد أجنحة المجمع العلمي العراقي، مزينة باسمه ووصفه؛ لتظل ملاذ العلماء والمريدين، يستفيدون منها، ويستلهمون همة صاحبها، ويدعون له بالخير.

ويرى الباحثون أن المكتبة بعامة، والقسم التراثي منها بخاصة لا يوجد لها مثيل في العالم الإسلامي بما في ذلك المكتبات الكبرى.

الرسائل التي أشرف عليها

يقدِّر السادة العلماء المجهود الذي يبذله الأستاذ المشرف على رسائل الدراسات العليا؛ كي يُخرج هذه الأبحاث بمظهرها العلمي اللائق المشرِّف. فهو يشارك تلميذه في التفكير، والجهد، والكتابة، ويسهر على الرسالة كلمة كلمة وصفحة صفحة؛ لأنه يعلم أن القسم المهم من النقد الذي يوجه للطالب يعود على المشرف نفسه أولًا.

وتُعرف مكانة المشرف من نوعية الرسائل التي يشرف عليها، والمصادر التي يدل تلميذه عليها، والملاحظات العلمية التي يبذلها له. وكلما كان الأستاذ يقظًا كان تلميذه حريصًا على الدقة.

ويتميز كل مشرف باتجاه دقيق ينتهجه، ويوجه إليه طلابه؛ فترى مشرفًا أديبًا، وآخر لغويًّا، وثالثًا محققًا. والطلاب يتوافدون على المشرف الذي يخططون الكتابة في مجالها عنده. وقد ترى مشرفًا متميزًا بالموسوعية، فيكون أهلًا للإشراف على أكثر من اختصاص.

وقد كان شيخنا العلامة رجلًا موسوعيًّا، ينضح في كل فن وعلم، والرسائل التي نحن بصدد دراستها بإيجاز تدل على عمق علمه، وسَبْره كل ميدان، والغوص والعوم في كل علم. وقد أشرف على قرابة خمسين رسالة، تدل كل واحدة منها على نَفَس المشرف أكثر مما تدل على نفس الطالب.

.في غضون ثلاثين عامًا أشرف الدكتور حاتم على ست وعشرين رسالة، كان فيها نعم الرجل العلمي البارزُ في اللغة والنحو، والقرآن، والتحقيق، مما يدل على حبه العمل في هذه الميادين. وقد أشرف على عشر رسائل تتضمن تحقيقاً لكتاب مع دراسة علمية له بهدف تشجيع التلميذ على تحقيق التراث وفهمه وإفهامه.. وست عشرة رسالة من غير تحقيق، وذلك بحسب الموضوع المطروق.واللغة تطغى على موضوعات الرسائل، حتى إن الرسائل في القرآن تتميز بدراسة اللغة والبيان. وهمه أن يختار تلاميذه جهود علماء اللغة في التصنيف. وهو يركز على الموضوعات التراثية القديمة لأعمال أئمة العلماء وجهابذة الشيوخ. ونادرًا ما نجد له رسالة في الميدان الحديث أو المعاصر.وقد كان للشيخ فضلًا كبيرًا على تحبيب تلامذته لغة السلف لنقلها إلى الخلف. وفضلٌ مهم آخر هو نبش قضايا ومسائل لغوية بحاجة إلى إشهار بعد أن غفل عنها المعاصرون.

أشرف الدكتور حاتم على إحدى وعشرين رسالة دكتوراه، تميزت كلها بالتوسع والتعمق، ولسانُ حال الرسائل ينفضحُ عن سحر الدكتور على نقطتين:

الأولى: إحياء التراث، ونبش مخطوطات كانت مخبوءة في الخزائن، وتنتظر غيورًا عليها؛ لكشفها دراسةً وتحقيقًا عن طريق تلامذته المبرِّزين، والذين اعتادوا الدأب والصبر، كما حببهم إليها الأستاذ. وقد تمَّ له تحقيق إحدى عشرة رسالة، تدور رحاها حول اللغة والنحو والقراءات.

والأستاذ المشرف لم يكتف بالتحقيق وِترًا، بل أتبعه بالدراسة العلمية شفعًا. فكان الطالب يخرج من تحت يديه يحمل رسالتين ثمينتين: تحقيق ودراسة للكتاب المحقق، وأحسب أن جميع هؤلاء الطلاب غدوا جهابذة في إحياء التراث بفضله. وقد ساعده على خدمة طلابه خبرته العميقة بالمخطوطات، وحبه لها، والمركز العلمي الذي كان يحتلُّه، مما يساعده على حسن الاختيار، وتسهيل مهمة الطالب بالنسخ الخطية.

علمًا أن بعض هذه المخطوطات حُقق سابقًا، ولكن رأي الشيخ، هو ما يقوله - دومًا - أن قسمًا من هذه الكتب المحققة قاصر، ويعتريه النقص وعدم التعمق.

الثانية: اختياره لأبحاث علمية رصينة تستأهل الدراسة والبحث والتقميش والنشر. وقد تميزت رسائل الدراسات التي أشرف عليها هنا بالنواحي اللغوية، والنحوية، والقراءات. علمًا أن دراسة القراءات مرتبطة بكل عمق في الأمور اللغوية والنحوية. وقد تمَّ له الإشراف على عشر رسائل في هذا المضمار.

عن بحث بالعنوان نفسه نشره موقع الألوكة.