ذكرى مع الدكتور علي الوردي..الوردي يدافع عن عنوان كتابه (لمحات إجتماعية)!

ذكرى مع الدكتور علي الوردي..الوردي يدافع عن عنوان كتابه (لمحات إجتماعية)!

د. عماد عبد السلام رؤوف

اتصل بي ديوان الوقف القادري بعد طول انقطاع. وأخبروني بنيتهم على إكمال مشروع فهرسة مخطوطات المكتبة القادرية وانهم وفروا المال اللازم لطبع الجزء الثاني اعد أصلاً قبل أن أسافر إلى مصر للدراسة وبحثت عن مطبعة ذات أسعار معقولة، فوجدت واحلدة في منطقة باب المعظم. وصرت أتردد عليها

بين يوم واخرء وجرى طبع ملازم الجزء تباعاً حيث أن الطباعة كانت بطريقة التصفيف اليدويء وأخيراً تم طبع الجزء وكان ضخما بلغت صفحاته نحو 650 صفحة. وعلى الفور استأنفت كتابة الجزء الثالث ويختص بكتب التصوف والعقائد والمنطق وما إليه والرابع ويختص بعلوم التاريخ والجغرافية والأنساب والعلوم البحتة والوثائق وأخيراً الخامس ويضم المجموعات التي تحتوي على أكثر من كتاب واحدء وقد إنتهى طبعه سنة 1980. وبحثت عن مطبعة أفضل من سابقتها فوجدت مطبعة المعارف في شارع المتبي وهي مطبعة قديمة تأسست في سنة 1930 وطبعت كتبا عديدة وطباعتها تجري بطريقة اللاينو تيب فكنت أجلس في ركن من هذه المطبعة حيث أتولى تصحيح الملازم المنضدة.

وفي هذه الأجواء الطباعية تعرفت على الدكتور علي الورديء وكان يطبع الأجزاء الأخيرة من كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)" وتيسر لنا من الوقت ما أتاح لنا فرصة الحديث عن موضوعات عدة من تاريخ العراق الحديث. لاسيما وأن موضوع أطروحتٍ هو الحياة الإجتماعية في العراق الحديث. وأتذكر أني سألته مرة لِمّ لم يسمي كتابه (التاريخ الاجتماعي للعراق الحديث) أو ما شابه من العناوين؟ فهذا أكثر دلالة من (اللمحات) المتواضعة التى لا تدل إِلَا على النظرة العابرة لا المتعمقة، قال أنه لما كان لا يؤمن بوجود قوانين اجتماعية أو اقتصادية تحرك التاريخ. فإنه استبعد مصطلح (التاريخ الإجتماعي) التي توحي بوجود مثل هذه القوانين، وإكتفى بالقول أن في التاريخ (لمحات اجتماعية) لا أقل ولا أكثر، وكلما توثقت علاقتنا المبنية على الإحترام المتبادل" وكثرت حواراتنا في مناسبات مختلفة" تأكد لي مدى اقتناعه بفكرة أن التاريخ يتحرك (صدفوياً) أي دون الخضوع إلى أي قانون من أي نوع كان.

وتأكد لي أن إعتنق هذه الفكرة في أيام دراسته في امريكا، حيث كانت الأفكار (المكارثية) هي السائدة بينما كانت الماركسية تدعو في الوقت نفسه إلى وجود قوانين حتمية تحرك التاريخ. وقد ألقيت عن هذا الموضوع محاضرة بمناسبة مرور سنة على وفاته رحمه الله في دار بعض محبيه في الكاظمية، نشرتها فيما بعد في جريدة الزمان اللندنية. وحينما انتخبت رئيساً لإتحاد الأدباء والمؤلفين، قمنا نحن أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد بإقامة حفل تكريمي كبير له في قاعة إبن النديم بالمكتبة الوطنية. ولما لم يستطع الحضور بسبب مرضه، تولى تمثيله في الإحتفال إبنه إحسان. ثم انتقلنا إلى بيته حيث عقدنا حواراً مفعماً بالحيوية مسجّل على الفيديو ونقلت منه مقاطع على التلفزيزن. وما زلت أذكر شيئاً من حديثه. وهو مالم يذع في حينه. إذ قال: أنه حينما كان في إحدى زياراته إلى لندن؛ التقى بأحد أمراء الأسرة الهاشمية المالكة في العراق سابقاًء فما كان من (سمو الأمير) إالا أن أنحى عليه باللائمة قائلاً: لم انتقدت النظام الملكي في العراق في كتبك. هل آذاك هذا النظام هل أزعجك في شيء؟

قلت: لا بل كانت كتبي مديحاً في النظام لا نقداً له!

فقال: وكيف؟

قلت: لقد نشرت كتبى في ظل النظام بما تضمنت من نقد، وأنا مطمئن أن لا يسىء لى أحد. وقد صدرت فعلاً وقرأها الناس. ولن يمسنى النظام بكلمة, ألا يعبر هذا عن حرية الرأي والتعبير، فهل علمت مدحاً للنظام أكثر من هذا!

عن (مذكرات عماد عبد السلام رؤوف شيخ المحققين)