موسى الشابندر وإستقلال العراق سنة 1932

موسى الشابندر وإستقلال العراق سنة 1932

سـعـاد عـبـد الجـبـار كـاظـم عـلـ

وقعت معاهدة عام 1930 بين العراق وبريطانيا في الثلاثين من حزيران عام 1930 إذ تعرضت تلك المعاهدة إلى نقد شديد، ومعارضة من قبل السياسيين العراقيين. وكان من اهتمامات موسى الشابندر تلك المعاهدة، قبل وفي أثناء وبعد عقدها مشيراً إلى الخطوات الضرورية التي يجب السير عليها في مراحل عقدها، لأجل تحقيق استقلال تام. أوضح موسى الشابندر رأي الشعب العراقي في المعاهدة وقسّمه على أقسام عدة، وهي:

المعارضون المتطرفون الذين رفضوا المعاهدة، وعدوها انتحاراً، وفضلوا المقاطعة السياسية مع بريطانيا.

المعارضون المعتدلون الذين يرون ضرورة تعديل بعض موادها، وإضافة بعض المواد التي تعضد استقلال العراق.

المؤيدون الذين يريدون نظرية الحكومة والذين يرون وجود بعض القيود في المعاهدة ويتمنون لو تزال.

جماعة المؤيدين للمعاهدة الذين يمجدون المعاهدة، ويمدحون الحكومة ويثنون على بريطانيا، وفي مقالة أخرى عبّر فيه عن رأي الشعب البريطاني في أثناء لقائه مع إحدى الشخصيات البريطانية في المعاهدة ومحتواها: " أن الأكثرية من هذا الشعب يعتقد بالخدمة الكبيرة التي قدمها الانكليز، للعرب عامة والعراق خاصة بالخدمات التي قدومها إليهم وأنهم أصحاب جميل على العراق إثر عقدهم معاهدة عام 1930 مع العراق في حين ذهب موسى الشابندر يملئ على الشخصية البريطانية الحقيقية بأن سأله: هل ترضون أنتم البريطانيون أن تكونوا أنتم تحت الانتداب الأمريكي ولو لدقيقة واحدة، وأنتم على نفس شاكلتهم بالديانة واللغة والعادات؟ فتعجب من هذا الوضع؟ ثم أخذ يسأله عدة أسئلة موضحاً له عدم ارتياح العراق للوجود الانكليزي فيه، حتى ذهلت تلك الشخصية من حقيقة الرسالة البريطانية هذه وحار في أمره ".

حرص الشابندر على ضرورة الإفادة من مجيء حزب العمال إلى الحكم في بريطانيا، وحصول التبدل في سياستها تجاه الشرق الأوسط ومنها العراق، نظراً للموقف المؤيد لحكومة حزب العمال في بريطانيا لدعم العراق لينال استقلاله، ولاسيّما بعد تصريح وزير الخارجية لحكومة العمال البريطاني " تودُّ الحكومة البريطانية أن يكون العراق في الزمن القريب مستقلاً وحاكماً على نفسه"، كونها فرصة سانحة للسياسيين العراقيين؛ لأن يطلبوا منها إنهاء الانتداب البريطاني، وعقد معاهدة جديدة بينهما يكون تصديقها مشروطاً بدخول العراق إلى عصبة الأمم قبل عام 1932، ولاسيّما بعد تصريح وزير الخارجية للحكومة العمالية البريطانية " إنَّ الحكومة البريطانية تود أن يكون العراق في الزمن القريب مستقلاً، وحاكماً على نفسه "، وذكر موسى " لماذا هذا الاحتياط؟ الجواب: لأن وزارة العمال ليست دائمة، ولا يظن أحد أنها ستعيش أكثر من عام واحد، فماذا تكون الوضعية إذا رجع المحافظون إلى دفة الحكم؟ وعليه يجب أن نستغل هذه الفرصة لتحسين الأوضاع السياسية الداخلية في البلاد، والاهتمام بميزانية الدولة، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتطبيق مشروع التجنيد الإجباري، وإصلاح الأوضاع وحالة المعارف. وعلى الرغم من هذا الاحتياط واجب مهما كانت صفة الأحزاب التي تمسك دفة الحكم في بريطانيا فإنها محبة بأهدافها الاستعمار والاستعباد ".

ذلك إن دلَّ على شيء، إنما يدلُّ على قراءته للتاريخ البريطاني بشكل دقيق ومفصل، ثم قال: "ويجب أن نأخذ الحيطة والحذر من خططهم، وأن نكون منفتحين على الأحداث السياسية البريطانية الداخلية والخارجية، وكذلك أهدافها الاستعمارية لغرض توظيفها لخدمة مصالح بلدنا العزيز". وأكد موسى الشابندر بعد عقد معاهدة عام 1930 أهمية الإفادة من الدخول إلى عصبة الأمم عام 1932، ولاسيّما في إزالة الانتداب، ولكن في الوقت نفسه يُسأل: "هل العراق مستقل بصورة تامة؟ الجواب: كلا ـ وذلك لأن عصبة الأمم منظمة دولية ولكنها ضعيفة في اتخاذ القرارات السياسية المهمة، إذ أن العراق سيبقى مرتبطاً بمعاهدات طويلة الأمد مع بريطانيا وهذا يعني فرض شروطها من خلال معاهدة عام 1930، لقاء دخول العراق لعصبة الأمم المتحدة، وهذا يقلل من أهمية دخول العراق لعصبة الأمم"، وعليه أكد موسى " أن علينا أن نكرس ذلك الدخول لتحقيق مصالحنا وذلك بتوقيع معاهدة 1930 حتى لو كلفتنا صداقة بريطانيا كثيراً، ولكن على شرط أن تحقق هذه المعاهدة تأمين الاستقلال السياسي والاقتصادي التام للعراق". وعندما دخل العراق عصبة الأمم في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1932 ذكر قائلا: " عُدَّ ذلك من أهم الأحداث في تاريخ العراق الحديث، يستحق أن نتخذ منه عيداً سياسياً كبيراً، فكان سرورنا وفرصتنا كبيرة بهذا الانجاز الكبير وهذا يجعلنا دولة لها وزنها في العالم ويساعدنا على أن نقوى ونرقى ونجهد فننال المساواة الفعلية وعلينا أن لا نكتفِ بدخولنا عصبة الأمم بل إن نستفيد من هذه الفرصة، وأن نحقق التقدم في جميع المجالات وأن نضاهي بهذا التقدم الأمم الأخرى ويضيف موسى بقوله: " إن هذا اليوم هو يوم العراق ويوم العرب ولكنه قبل كل شيء يوم العمل ويوم الإخلاص للوطن ".

موسى الشابندر ودوره الثقافي والسياسي في العراق حتى عام 1958