سميرة شعلان كيطان
في سياق عام أَنَّ القوانين والتشريعات الخاصة بالجانب الآثاري تعد وسيلة إدارية وقانونية مهمة جداً تضمن الحفاظ على الآثار المكتشفة بأنواعها المختلفة وحماية مواقعها الأثرية والتراثية من التلف والعبث والسرقة كونها جزءاً من كنوز الأمة ومن هذا المنطلق تهتم السلطات الحكومية في أي بلد توجد على أرضه مواقع أثرية وتراثية بأن يكون هناك قانون آثار خاص بها يحدد ويضبط الجوانب الإدارية والفنية جميعها المتعلقة بالآثار ويمنع أية مظاهر تعود بنتائج سلبية على تلك الآثار ومواقعها ففي العراق صدرت قوانين خاصة بالآثار نظمت تفاصيل العمل الآثاري وحماية الآثار ومواقعها.
وكما هو معروف أن العراق قد خضع للحكم العثماني مدة طويلة من الزمن تعرضت خلالها آثار حضارته إلى أعمال التنقيب غير المشروعة والنهب والتهريب وما آتخذته السلطات الحكومية من إجراءات وتعليمات للحد من النشاطات غير المشروعة للبعثات والوكالات الأجنبية إلا أنَّها لم تجد نفعاً فبقيت الأمور على حالها كما هي دون تغيير.
وعند تقدم الجيوش وآحتلالها مدينة بغداد في الحادي عشر من آذار 1917 أصدر قائد قوات الإحتلال البريطاني الجنرال مود (Maude) في الثاني والعشرين من أيار 1917 بياناً برقم 2 يتعلق بالآثار والتنقيبات الأثرية ينص على وجوب المحافظة على الآثار القديمة والنصب التذكارية ومنع أيضاً المتاجرة بالعاديات المزورة وآستند البيان إلى القانون العثماني فمنع تدمير أو تشويه أي نصب تذكاري قديم أو مـوقع تأريخي ومنع بيع الآثار القديمة إلاَّعلى وفق الإجازة وآستناداً إلى ذلك البيان ارتكب الآثاريون البريطانيون مخـالفات صريحة وعلى سبيل المثال لا الحصر ما قام به كامبل طومسون (Campbell Thompson) الذي شــغل منصب ضابط آستخبارات في جيش الإحتلال البريطاني ومن أعمال تنقيب دون الحصول على تصريح رسمي بالتنقيب في مواقع أور و أريدو في أوائل نيسان عام 1918 مستخدماً عدداً من الجنود الهنود في الجيش البريطاني لا يملكون أدنى فكرة عن العمل الآثاري وكانت الغاية من تلك الأعمال هي سرقة الآثار العراقية وتهريبها خارج العراق لغرض الإتجار بها.
وعلى المنوال نفسه آستمر الحال حتى قيام الحكم الملكي بتتويج الأمير فيصل الأول ملكا على العراق بتأريخ الثالث والعشرين من أب 1921 ففي تلك المرحلة التأريخية سعت سلطات الإنتداب البريطاني إلى تشريع قانون للآثار يحل محل البيان الذي سبق وإنْ أصدرته فأوكلت الأمر إلى المس بيل التي وضعت مسودة القانون ووافق عليه مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتأريخالسادس والعشرين من حزيران 1924 وعرف القانون الجديد بآسم قانون الآثار القديمة لسنة 1924.
وتألـف القانـون من 28 مادة وعلـى وفـق ما ورد في المـادة الثانيـة من القانون أنَّ الآثار القديمة " يقصد بها كل ما كان قد بني في العراق أو احدث فيه أو جلب إليه قبل 1118 هـ أو قبل 1700 م من المباني والهياكل والأطلال والأشياء التي يستدل بها على فن أو علم أو صنعة أو تأريخ أو أدب " وحددت المادة الثانية من القانون الآثار القديمة بنوعين هما " الآثار القديمة غير المنقولة ويقصد بها الآثار المتصلة بالأرض أو التي يتعسر فصلها عنها والنوع الثاني هي الآثار القديمة المنقولة وهي كل اثر من غير ما تقدم " وربطت الفقرة (هـ) من المادة نفسها مديرية الآثار القديمة بوزارة الأشغال والمواصلات ومنعت المادة الرابعة من القانون الأفراد من التصرفبملكية شيء من الآثار القديمة المكتشفة قبل تأريخ تنفيذ هذا القانون أو بعده بدون موافقة الوزير وتكون الموافقة على شكل إجازة عامة أو خاصة.
ومنحت المادة الخامسة من القانون الحكومة إُلحق بموجب قانون الإستملاك أي كان من المواقع التأريخية ولم تسوغ المادة السابعة لأحد الأضرار بأثر قديم غير منقول أو إتلافه بدون موافقة الوزير حفاظاً عليه من التلف والأضرار.
الزمت المادة التاسعة كل من آكتشف أثراً قديماً منقولاً إخبار أقرب سلطة إدارية في مدة أقصاها شهراً واحداً و أجازت المادة الوزير منح مكافئة نقدية يقدرها هو بشرط أن لا تقل عن قيمة جوهر الأثر بصرف النظر عن صنعته أو قدمِه إذا كان من الذهب أو الفضة أو الأحجار الكريمة. وأجازت المادة العاشرة آحتراف بيع الآثار القديمة في العراق والمتاجرة بها على وفق إجازة تمنح من الوزير برسم مقداره 100 روبية سنوياً وعلى وفق ما جاء في المادة الحادية عشر خضعت محلات بيع الآثار والإتجار بها إلى التفتيش والمراقبة وتدقيق سجلات البيع والشراء الموجودة فيها.
وتعرض القانون إلى آنتقاد لاذع من عدد من السياسيين والمعنيين بالشأن الآثاري بسبب تهاون الحكومة في سد الثغرات الواسعة في القانون لاسيما التي تسمح بالإتجار بالآثار العراقية وفي مقدمة المنتقدين كان ياسين الهاشمي نائب رئيس المجلس التأسيسي إذطالب بإدخال تعديلات على مسودة القانون بما يضمن تشديد الإحتياطات اللازمة لمراقبة الآثاريين عند التنقيب ومما آثار علامات الإستفهام والحيرة عنده هو رد المس بيل على سؤال وجهه إليها بهذا الخصوص فكان ردها أنَّ الأمر متروك للمنقبين أنفسهم، وقد آثار الأمر نفسه لاحقاً ساطع الحصري مدير الآثار العامة ففي سؤال وجه للمستشار الفني لدائرة الآثار القديمة آنذاك عن كيفية تطبيق القانون لا سيما الفقرة المتعلقة بالمراقبة فأجابه قائلا: " أن بعثات التنقيب هيئآت فنية وعلمية آختصاصية فلا يليق بنا أن نشك في حسن نواياهم أو نراقب أعمالهم ".
وآثار النواب مجدداً موضوع حماية الآثار العراقية من أعمال السرقة بعد وصول أخبار إلى مسامعهم مفادها قيام المدير الفخري للمتحف العراقي المستر كوك بعمليات تهريب للآثار العراقية وبيعها بقصد التربح المالي وحذروا الحكومة من السكوت عليه إلا أنَّ الحكومة ردت عليه بالقول بأنها لا يمكنها القيام بأي آجراء دون توفر أدلة قاطعة وأن مجرد الشبهة لم تجد صداها القانوني فذهبت أصواتهم المنادية بضرورة تدخل الحكومة لحماية الآثار من أعمال النهب في هذه المسألة أدراج الرياح.
وفي الواقع أَنَّ مخاوف النواب وشكوكهم من تعرض الآثار العراقية إلى أعمال تهريب منظمة من الآثاريين البريطانيين كانت في محلها. وهذا ما أثبتته الوقائع لاحقاً ففي عام 1930 قامت كمارك لواء الدليم بضبط كمية من الآثار كانت معدة للتهريب إلى الأردن وإعادتها بعد أن تم وضع اليد على أحد الصناديق العائدة للمستر كوك المملوء بالآثار العراقية.
وعلى إثرها سارع المندوب السامي البريطاني إلى آحتواء الفضيحة بإنهاء خدماته وتسفيره إلى بريطانيا بعد ذلك عثرت مديرية الآثار القديمة بمساعدة الشرطة العراقية في مخزن داره على مجموعة كبيرة ونادرة من الآثار العراقية في عدد من الصناديق معدة للتهريب وقد وصفت إحدى الوثائق الصادرة آنذاك أهمية تلك الآثار وعلى النحو الاتي " إنَّ هذه تكون مجموعة أثرية منقطعة النظير، تتمثل فيها معظم صفحات حضارات العراق القديمة وبينها مواد يعتقد أن ليس هنالك بين متاحف العالم من هو حائز على ميزة اقتناء نظائرها " ومما يلفت المتطلع إلى مكونات المجموعة بصورة خاصة هو أن معظمها مستخرج من مواقع أثرية لم تجر فيها أعمال تنقيب منظم بعد وكما تبين من البطاقات التي وضعها عليها المستر كوك الذي كان يعرف على ما يبدو أنها مسـروقة من هذه المواقع ومن ثم عُين بدلاً عنه المستر سدني سميث مديراً عاماً للآثار القديمة وقد ثبت هو الأخر بالوقائع ضلوعه بأعمال تهريب للآثار العراقية بالتواطؤ مع بعثات التنقيب
عن رسالة (المتحف العراقي نشأته وتطوره حتى عام 1963)