موفق خلف العلياوي
ساعدت ظروف تطور التعليم النسوي, وزيادة أعداد النساء المتعلمات على المطالبة بحقوقهن, مما دعا المنظمات السياسية المختلفة كالجمعيات والنوادي والأحزاب إلى تضمين مناهجها ببعض الإشارات لقضية المرأة, التي لم ترتقِ إلى مستوى مشاركتها في الحياة السياسية, كون مناهجها كانت تؤكد على التكافل والرعاية الاجتماعية وبناء المعاهد والمستوصفات وإرشاد الأسر الفقيرة, وحماية الأمومة والطفولة, وبذلك فان تلك الجمعيات التي تأسست
بين (1924- 1941) اتسمت بطابع الارستقراطية منذ نشأتها, إذ إنها عكست مصالح ورغبات نساء الهيئات الاجتماعية المتنفذه سياسيا ً واقتصاديا ً, مما جعلها تحمل صفة الابتعاد عن التطلعات الوطنية للجماهير, انسحب هذا على مناهج الجمعيات النسوية نفسها, التي تأسست في المدة نفسها ومنها (نادي المعلمات) و(جمعية الهلال الأحمر) .
على الرغم من تأسيس عددٍ آخر من الجمعيات, إلا أن نشاطها وبرامجها لم تتجاوز حقل الخدمة الاجتماعية, إذ اقتصر على إقامة دروس لتعليم النساء القراءة والكتابة في محاولة لمكافحة الأمية, والعمل على الاهتمام بالأيتام وغيرها من الخدمات الاجتماعية.إن ظروف الحرب العالمية الثانية, أفرزت مواقف متباينة بين القوى والتيارات السياسة على الساحة العراقية, التي تمخض عنها تأسيس أول جمعية نسائية ذات صبغة سياسية عام 1942, وهي (الجمعية النسائية لمكافحة النازية والفاشية) , فعلى الرغم من إن مناهجها ذات توجه اجتماعي, إلا أن معظم الاجتماعات والندوات التي عقدتها كانت تشير إلى خطر الأفكار الفاشية والنازية, وخطر الحروب وأهوالها, وهذا ما يؤكد طابعها السياسي .
منهاج الجمعية ونشاطاتها
أكدت الجمعية في منهاجها على رفع المستوى الثقافي للمرأة العراقية عن طريق إقامة المحاضرات العلمية, والمناقشات الأدبية, وإقامة الحلقات الثقافية الأسبوعية التي تناقش القضايا الاجتماعية والسياسية, وتكافح الأفكار النازية, فضلا ًعن جهودها في مكافحة الأمية بين النساء من خلال إنشائها لستة مراكز لهذا الغرض, وكان من أبرز نشاطاتها الخارجية هو مشاركتها في المؤتمر النسائي العربي الأول في القاهرة.وقد عقد في القاهرة للمدة من 12-16كانون الأول 1944, وبمشاركة ثمانين مندوبة مثلت البلدان العربية مصر سوريه, لبنان ، العراق, فلسطين, و شرق الأردن بدعوة من السيدة هدى هانم الشعراوي الرائدة النسوية المصرية في مجال حقوق المرأة, شارك العراق في المؤتمر بعشر مندوبات هن: سرية الخوجة ممثله لوزارة المعارف, وسانحة أمين زكي ممثلة عن وزارة الشؤون الاجتماعية, وعفيفة عبد الفتاح إبراهيم ممثله عن الجمعية النسائية لمكافحة الفاشية والنازية, ونزهت غنام عن جمعية أخوات الحرية, ومائدة الحيدري عن جمعية حماية الأطفال, وروز خدوري عن جمعية بيوت الأمة, أما الأربعة الأخريات فكن يقمن في مصر, وهن كل من: نظيمة تحسين العسكري, وزهرية الجوربه جي, ومليحة إبراهيم مصلي, وماري الكونت أصفر, وكان ابرز ما تمخض عن المؤتمر هو إنشاء (الاتحاد النسائي العربي العام)
كان الهدف من إنشاء الجمعية, كما جاء في منهاجها، هو التصدي للأفكار النازية التي أفرزتها حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى, وهذا ما يؤكد طابعها السياسي وتبعيتها لجهة حزبية سياسية ممثلة بالحزب الشيوعي العراقي ,إذ إن الشيوعيين العراقيين ازداد حماسهم للوقوف بوجه الأفكار النازية بعد هجوم الألمان على الاتحاد السوفييتي في الثاني والعشرين من حزيران 1941, وانضمام الإتحاد السوفيتي إلى جبهة الحلفاء ضد المحور, فجاء تأسيس تلك الجمعية جزء من هذا النشاط الذي ينسجم مع توجهات ما أفرزته تلك المرحلة التاريخية,وهذا ما يفسر تغيير أسم الجمعية بعد نهاية تلك الحرب مباشرة.
تعرفت نزيهة الدليمي على نشاط تلك الجمعية خلال دراستها في كلية الطب عن طريق إحدى زميلاتها, وهي فكتوريا نعمان. ويبدو إن النقاشات التي كانت تدور بين الطلبة في الكلية الطبية هي التي مكنت نزيهة الدليمي من التعرف على أهداف وغايات تلك الجمعية, وعند قبولها لدعوة زميلتها فكتوريا نعمان لحضور إحدى ندوات الجمعية في حزيران عام 1943على قاعة كلية الحقوق, وجدت القاعة مليئة بالنساء من مختلف الشرائح, وكان تأثير تلك الندوة كبيراً عليها, إذ تذكر: « قد فتحت المحاضرة عيني على أمور كثيرة حول النازية....وعلمت إنها لم تكن المحاضرة الوحيدة بل كانت واحدة من العديد من المحاضرات والندوات في قاعات عامة كالتي حضرتها « فواظَبَت على حضور كافة النشاطات التي كانت تقوم بها تلك الجمعية من ندوات ومحاضرات وحلقات ثقافية , وبعد زوال خطر النازية والفاشية وانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بانتصار الحلفاء على دول المحور, انحسر نشاط الجمعية النسائية, وذلك لانسحاب معظم عضواتها, الأمر الذي يؤكد الغرض السياسي من إنشائها.
قررت بعض النساء اللاتي كُنَ يعملن ضمن جمعية مكافحة النازية والفاشية إعادة فاعليتها ثانية, فوجهت دعوات لعدد من النساء لحضور الاجتماع الذي اتفق على عقده في قاعة الثانوية المركزية للبنين في تشرين الثاني عام 1945, وقد حضرته أربعمائة امرأة تقرر فيه, انتخاب هيئة إدارية جديدة للجمعية, وتغيير أسمها, وإصدار مجلة ناطقة باسمها .
كانت نزيهة الدليمي ضمن المشاركات في هذا المؤتمر, إذ تم فيه استبدال اسم الجمعية إلى (جمعية الرابطة النسائية) في العراق, وانتخاب هيئة إدارية جديدة برئاسة عفيفة رؤوف, وعضوية كل من روز خدوري, ونزيهة رؤوف, والدكتورة سانحة أمين زكي, والدكتورة أمة الزهاوي, كما تقرر في الاجتماع إصدار مجلة بعنوان (تحرير المرأة), وصدر العدد الأول منها يوم السبت الخامس من كانون الثاني عام 1946. صدر العدد الأول من المجلة يوم السبت الخامس من كانون الثاني عام 1946, واحتوى على مجموعة من المواضيع بأقلام نسائية, تضمن العدد افتتاحية للسيدة عفيفة رؤوف رئيسة الجمعية بعنوان (رسالتنا) أكدت فيه حرص الجمعية وسعيها إلى تحرير المجتمع العراقي, ورفع المستوى الثقافي فيه عن طريق العمل لخدمة المرأة.
برزت شخصية نزيهة الدليمي بعد انتمائها إلى الجمعية النسائية لمكافحة النازية والفاشية منذ 1942 ومشاركتها في كافة فعالياتها, فأصبحت من العضوات البارزات, ولدورها المتميز تم انتخابها ضمن الهيئة الإدارية للجمعية التي أطلق عليها منذ نهاية عام 1945جمعية الرابطة النسائية, وكانت أولى نشاطات نزيهة الدليمي كتابتها لمقالات في مجلة تحرير المرأة, تناولت فيها أوضاع المرأة العراقية في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع آنذاك, كما شاركت في حملة محو الأمية التي قامت بها الرابطة, إذ إنها كانت تُدَرس عدد من الفتيات في صف من صفوف مدرسة الفضل الابتدائية, كنواة لتثقيف المرأة وخروجها من قفص الأسر الاجتماعي.
عن رسالة (نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية 1924 - 2007 )